في المملكة المتحدة التي لا مراء في ديمقراطيتها ومؤسساتها الدستورية وبرلمانها العتيد وملكها الرحيم وجيشها العنيد وشعبها العظيم، هناك فقط ستمائة وخمسون دائرة انتخابية تمثل كل دائرة بنائب وحيد في مجلس العموم.أي بمعنى أن ليس هناك "زوائد دودية" برلمانية من أمثال "اللائحة الوطنية أو لائحة النساء أو اللائحة الجهوية".تقسم كل المملكة إلى دوائر منفصلة ويتنافس المترشحون على المنصب الوحيد، وأول المتصدرين( first-past-the-post)في النتائج يحصل على التمثيل النيابي للدائرة.
هنا في موريتانيا والتى لا مراء في أن ديمقراطيتها عرجاء رسحاء هناك "إغراق، dumping" للعمل الديمقراطي النيابي بهذه الجوقة الكثيفة من البرلمانيين الذين لا أهمية البتة لتمثيلهم، والذين هم في أكثرهم أميون لا يعلمون الكتابة أو القراءة، ناهيك عن الحقوق أو القوانين أو التشريع.
إن أول عمل فيه الخير والصلاح ومحاربة الفساد وتدعيم السبيل الديمقراطي الحق هو تعديل دستوري عاجل يقسم البلاد إلى دوائر انتخابية منفصلة تمثل كل دائرة بنائب وحيد في البرلمان، ويلغي هذه الزوائد الطفيلية من لائحة وطنية أو جهوية أو نسائية. لقد ميع هؤلاء العمل النيابي وأفسدوه، وأضحت التمثيلية النيابية صك "حصانة" وتذكرة "دخول" للعمل التجاري الصفقاتي مع كل التسهيلات والتنزيلات.
لا منطق أبدا أن موريتانيا التي بالكاد تصل إلى ثلاثة ملايين ناخب،تمثل بمائة وخمسين نائبا في الجمعية الوطنية أكثرهم من خارج الدوائر الانتخابية (اللائحة الوطنية، الجهوية، النسائية)، في اسرائيل اليهودية التي يبلغ ناخبوها أكثر من خمسة ملايين، لا يتعدى النواب في الكنيست مائة وعشرون ( وطبعا لا أمل في أن يتغير هذا الرقم في القريب العاجل سواء كان ذلك من خلال "حوار" أو غيره).
إن على موريتانيا إن كانت جادة في سبيل الانتخاب والديمقراطية أن تؤسس تأسيسا ديمقراطيا جادا هو العودة إلى نظام الدوائر، وغير هذا فهو تشجيع للإنتهازية الجشعة المقيتة وتدجين العمل النيابي وتحويله إلى صكوك "تجارية مسكّتة" بعيدا عن هموم الشعب وآماله وسيره الحثيث في الحكم التمثيلي المدني الديمقراطي الجاد.