التوتر الروسي ـ التركي بلغ مداه خلال الايام الماضية وترجم برسائل «نارية» عنيفة على الحدود التركية ـ السورية، واستعدادات تركية لاجتياح مدينة جرابليس السورية واقامة المنطقة الآمنة، من جرابليس وصولا الى كسب والبحر الابيض المتوسط بعمق 45 كلم وطول 92 كلم، وقد جهزت تركيا قواتها وكاسحات الالغام وابلغت واشنطن روسيا بالامر.
وحسب زوار العاصمة السورية ومصادر متابعة لهذه التطورات، فان الجانب الروسي ابلغ الجانب الاميركي رفضه لهذا القرار وافشاله عسكرياً مهما كانت النتائج، وتضيف المصادر ان تركيا عدلت عندها المنطقة العازلة بعد الرفض الروسي واستثنت منفذا على المتوسط وهذا الاقتراح رفضته روسيا أيضاً.
وحسب المصادر فان التقدم الاخير للجيش السوري في ارياف اللاذقية وادلب وحلب بغطاء مكثف من الطيران الروسي ودعم لا محدود من حلفاء سوريا ادى الى خريطة جديدة في المنطقة المحاذية للحدود التركية بعد ان وصل الجيش السوري الى مدخل مدينة الباب واقترب من منبج وسيطر على تلة البيضا في ريف الرقة وجبال الاكراد والتركمان، وتزامن ذلك مع تقدم قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن ووصولها الى سد تشرين ومشارف اعزاز وهذه القوات مؤلفة من قوات حماية الشعب الكردي وقوات تابعة لجمال معروف، علماً ان الطيران السوري قصف مدافع لداعش ساهمت بتقدم هذه القوات، وتؤكد المصادر ان مستشارين اميركيين يشرفون على هذه المعارك ومتواجدون عند سد تشرين وانطلقوا من قاعدة «عين الاسد» في العراق.
وتضيف المصادر ان هذه التطورات جعلت تركيا خارج اللعبة، واعتبرت ان الجيش السوري مدعوماً بغطاء روسي تجاوز الخطوط الحمراء على حدودها، ولذلك طلبت تركيا من مقاتلي داعش عدم الانسحاب من «الباب» بعد ان بدأوا بترحيل عائلاتهم وتؤكد المصادر ان روسيا رفضت الرد على كل الهواجس التركية في المنطقة والتي تعتبرها انقرة استراتيجية لامنها القومي.
وتتابع المصادر ان تركيا حاولت تعديل موازين القوى على الارض والتشويش على التقدم الروسي وعادت وفتحت مخازن الاسلحة للمسلحين من داعش والنصرة، وامنت لهم خطوط امداد جديدة، «لخان طومان» وجبال الاكراد وقام المسلحون بهجمات عديدة انتهت بالفشل جراء التدخل المكثف للطيران الروسي.
عندها وحسب المصادر، ردت تركيا بمحاولة قلب الطاولة والتحضير لهجوم كبير على دير الزور لتغيير قواعد اللعبة قبل مفاوضات جينيف وتوجيه ضربة للدور الروسي، وحسب المصادر فان الهجوم الاخير لـ«داعش» على دير الزور، رعته تركيا مباشرة عبر التجهيزات والتشويش على اتصالات الجيش السوري وتأمين انتقال المسلحين من تركيا الى الموصل ومنها عبر نهر الفرات الى دير الزور، وحشدت داعش للهجوم كل ما تملك من اسلحة وعتاد واكثر من 5000 مقاتل، وافيد وحسب المصادر، ان هذا الهجوم هو الاقوى لـ«داعش» منذ بدء الازمة السورية.
وتتابع المصادر قام مقاتلو «داعش» بشن هجوم كبير بتوقيت واحد وعلى كل المحاور على مدينة دير الزور، ونجحوا خلال الساعات الاولى للهجوم من السيطرة على عدة احياء في دير الزور وقتل 300 مواطن واخذ اكثر من 300 رهينة وسيطروا على فندق الفرات والبغيلية واحياء عديدة ونجحوا من خلال عنصر المفاجأة.
وتتابع المصادر «رغم قوة الهجوم تمكن الجيش السوري من استيعاب «الضربة الاولى» واحتوائها، بعد 12 ساعة وقاد هجوما مضاداً بقيادة العميد عصام زهر الدين وجرت التحامات بين الجيش والمسلحين «وجها لوجه» وبالسلاح الابيض، واستخدمت في الاشتباكات مختلف انواع الاسلحة وسقط للجيش السوري 120 شهيدا وقتل 90 مسلحاً وتمكن الجيش السوري من استعادة معظم الاحياء التي خسرها والتحكم بزمام المبادرة وتثبيت نقاطه في حي البغيلية، واصيب العميد زهر الدين بعدة جروح طفيفة ورصاصة في رجله واستشهد مرافقه واصر على البقاء في دير الزور لمتابعة المعارك وقد تمت معالجته ميدانيا.
لكن اللافت ان الطيران الروسي لعب الدور الاكبر في صدّ الهجوم عبر تنفيذه اكثر من 300 غارة في يومين، وقصف حي البغيلية بأكثر من 150 غارة مع الطيران السوري، كما قصف الطيران الروسي معظم احياء دير الزور لمنع قيام المسلحين بهجمات جديدة، وهذا ما ادى الى فشل الهجوم التركي وتراجع الحديث عن الدخول الى جرابليس ومنها الى البحر المتوسط.
وحسب المصادر فان واشنطن تتفهم وجهة النظر الروسية وان روسيا وحسب مصادر متابعة، غضت النظر عن وجود مستشارين اميركيين عند سد تشرين، ولم تحرك هذا الموضوع، فيما الحسابات الروسية مع التحرك التركي مغايرة.
روسيا وجهت رسالة واضحة لانقرة، ان قواعد اللعبة في ارياف حلب واللاذقية وادلب هي بيد روسيا، ولن تسمح بتغيير اية قواعد في سوريا، رغم ان التدخل التركي في العراق لا يلاقي الاعتراضات حيث تحاول تركيا تصحيح الخلل الذي حدث بعد الحرب العالمية الاولى وخسارتها الموصل بعد اتفاق 1926 واعلان كمال اتاتورك يومها «ان تركيا عندما تعود دولة مقتدرة ستستعيد الموصل، حيث تحاول تركيا الان استعادة امجاد السلطة العثمانية من خلال البوابة السورية، وروسيا لن تسمح بذلك، علماً ان الطيران الروسي وبالتزامن مع صد الهجوم على دير الزور نفذ عشرات الغارات على طول الحدود التركية وقصف مخيمات اللاجئين الذين تحوّلوا الى مأوى للمسلحين، وقصف كل المنافذ البرية دون اي تدخل من القوات التركية.
الحرب كبيرة، التوتر الروسي التركي كبير، وروسيا لن تسمح لانقرة باستعادة احلام الامبراطورية العثمانية مع تأكيد روسيا، ان زمن عبد الحميد ولى ولن يعود وان الساحة السورية هي ساحة لروسيا ولحلفائها ودون اي طرف اخر، والقرار اتخذ بهزيمة القوى الارهابية من «داعش» والنصرة» و«جيش الفتح» و«احرار الشام» في سوريا، وهذا القرار لن يتم العودة عنه، والاشهر المقبلة ستشهد مزيداً من فتح الجبهات ومزيدا من التقدم للجيش السوري في مناطق استراتيجية.
الديار