مابين جرائم داعش وأخواتها، و تصريحات “دونالد ترامب” الأخيرة والتي طرح فيها طرد المسلمين من أمريكا، ثمة علاقة غير مباشرة تظهر أن هذا الوحش الكاسر المسمى “إرهاب” له أوجه عديدة، ولقد جائت تصريحات “ترامب” وقبلها سلسلة حوادث “عنف” مختلفة يتم تلقائيا نزع صورة الإرهاب عنها إذا كان مرتكبوها غير مسلمين، لتفتح جدلا لا ينتهي حول مفهوم الإرهاب وتعريفه الحقيقي، حيث تعيد هذه التصريحات والحوادث المشابهة للواجهة من جديد زئبقية هذا المفهوم وصعوبة القبض على تعريف جامع مانع له، فهو يتشكل وتعاد صياغته وفقا لهوى الكبار وصناع الإعلام والرأي، ولعل من المفارقات المضحكة المبكية أنه في الوقت الذي يتم فيه على وجه السرعة استدعاء مفهوم الإرهاب واستخدامه بشكل جنوني عند أي حادث عنف يرتكبه مسلمون، إلا أن الأمر يختلف تماما عندما تكون الجريمة محل التوصيف ارتكبت من شخص غربي أو شخص غير عربي أوغير مسلم، وكلنا نذكر أنه باسم مكافحة الإرهاب ، وبذريعة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل ترهب العالم الحر، تم تدمير هذا البلد العربي المسلم وإدخاله في أتون صراع طائفي مرير مازالت نيرانه الحارقة تشعل هذا البلد حتى اليوم، وتحت يافطة مكافحة الإرهاب، وباسم هذا المفهوم الفضفاض تجول طائرات “الدرون” الأمريكية في سموات العالم العربي والإسلامي، وتفتك بعشرات الضحايا الأبرياء ولا أحد ينبس ببنت شفة، وباسم مكافحة الإرهاب أيضا، تمعن إسرائيل كل يوم في جرائمها بحق الفلسطينيين واللبنانيين، وتدك مدنهم وقراهم بطائراتها الحربية التي لا ترحم صغيرا ولا كبيرا، وتحاصر أكثر من مليون فلسطيني في علبة سردين ضيقة اسمها “غزة”، وأيضا باسم مكافحة الإرهاب، تتمادى حكومات العالم الثالث في خنق الأصوات المعارضة، ومصادرة حريات الأفراد، وكل من يبدي اعتراضا يتم إشهار الكرت الأحمر في وجهه “إنهم إرهابيون”.
لاجدال ولا مراء في أن العنف والقتل هو عدو الإنسانية جمعاء الذي يجب أن يتحد الكل في محاربته، ولكنه من غير المستساغ أن يتم التعاطي مع إشكالية الإرهاب والعنف بمنطق الربح والخسارة والمعايير المزدوجة، بحيث يصبح مطلوبا ومستساغا عندما تمارسه الحكومات والدول، بل وأفراد من مجتمعات معينة، بينما يكون مدانا ومرفوضا عندما يرتكبه أفراد من انتماءات عرقية معينة، بل الأولى أن يتم وضع معايير تعريفية دقيقة صارمة لهذا المفهوم الإشكالي، بحيث لا نقع ضحايا للتفسيرات والتفسيرات المضادة، وبحيث نتجنب حربائية تعريف أعمال العنف والجرائم والقتل وفقا لهوية مرتكبها..
وبقدرما يشكل العنف المادي والقتل مشكلة يجب التعاطي معها بجدية، فإن “العنف الرمزي” هو الآخر لا يجب أن يتم التقليل من خطورته وتداعياته، وتجب محاربته بنفس الحزم والشدة، فمثلا يشكل التطاول على الجناب النبوي الشريف، بالنسبة لي وبالنسبة لمئات الملايين من المسلمين عبر العالم، عنفا أشد من القتل، كما تصبح حملات “الإسلاموفبيا” وكراهية الآخر التي بدأت تستشري في العالم الغربي هي الأخرى “إرهابا ناعما” له تداعياته الخطيرة، ومن هنا فإن العالم الغربي مطالب بأن يخرج من حالة نفاقه المزمن، بشأن مفهوم حرية التعبير، ليدرك أن التطاول على معتقدات المسلمين ومقدساتهم جريمة إرهابية بامتياز لا تقل إجرامية عن القتل والعنف المادي بل وتتوفق عليه لأن آثارها تطال أكثر من مليار من البشر، و ليس مقبولا على الإطلاق أن يظل مفهوم حرية التعبير سيفا مصلتا على المسلمين، في الوقت الذي يعاد فيه هذا السيف إلى غمده حينما يتعلق الأمر بقضية “الهولوكوست” مثلا، كما أن على العالم الغربي أن ينظر إلى مرتكبي جرائم عنف من المسلمين بوصفهم “مجرمين” مسؤولين كأشخاص عن تصرفاتهم، بعيدا عن أخذ معتقداتهم الدينية بجريرة جرائمهم، ومن هنا فإن النفاق وازدواجية المعايير لدى بلدان العالم الكبرى تشكل هي الأخرى نوعا من الإرهاب الذي بدون محاربته سيبقى العالم معرضا في أي وقت لأعمال العنف وردات الفعل غير المدروسة.
محمد سعدن ولد الطالب كاتب وإعلامي موريتاني
[email protected]