العالم يسير بخطى حثيثة نحو مواجهات الدمار الشامل... فرص نهاية النظام الاقتصادي الدولي الذي يفرض الفقر على غالبية سكان المعمور

أربعاء, 2025-06-04 10:33

بخطى ثابتة يسير العالم وبعد انتصاف سنة 2025 نحو تصعيد فرص توسع المواجهات والصراعات العسكرية والاقتصادية والسياسية في كل أركان المعمور تقريبا، وذلك بعد فترة قصيرة ساد فيه تصور أن المسار سيكون في الاتجاه المعاكس أي التسويات ووقف الحروب.

عمليا وعلى الواجهة يعيش العالم في ظل سيرك كبير تتضارب فيه التصريحات والمواقف والأفعال وتعم فيه الأكاذيب ووسائل الخداع التي تجعلها أجهزة الإعلام والتواصل بتقنياتها المتطورة وقدرتها المتسعة في التأثير، أكثر قدرة على التوجيه وأصعب على التحليل والبحث عن الحقيقة.

معركة طوفان الأقصى في قلبها الميداني في غزة وأجنحتها في لبنان واليمن، ليست فقط من أجل تشكيل تطور متقدم جديد في كفاح شعب فلسطين من أجل استعادة أرضه، بل هي معركة كل هذا الوطن الكبير الممتد من بلاد الرافدين شرقا حتى سواحل شمال أفريقيا على المحيط الأطلسي غربا في مواجهة حرب ربما يصفها البعض بالصليبية الجديدة من أجل صياغة المستقبل لهذه الرقعة المركز في العالم، فأما المزيد من التفتيت وفرض نظاماستعماري بألوان جديدة، أو إتاحة فرصة لبناء مستقبل موحد يمكن أن يشكل في تلك المنطقة قوة عالمية بين مثيلاتها في نظام متعدد الأقطاب.

في محاور رئيسية للمواجهة يتم ترتيب تشكيلة تعرف مقاربة قد تستعصي على الفهم لدى البعض.

في وسط شرق أوروبا تخوض روسيا حربا واسعة مفتوحة منذ 24 فبراير 2022 مع حلف الناتو، موسكو تقول أن السبب هو حماية الناطقين بالروسية الذين ضمت الأرض التي يعيشون عليها إلى أوكرانيا عندما كان الاتحاد السوفيتي قائما وكانت حدود جمهورياته ليس أكثر من تقسيم إداري وكذلك من أجل منع تمدد واجهة حلف الناتو حتى حدودها، والغرب يقول أن هدف موسكو هو غزو أوروبا واحتلالها.

واشنطن لا تريد أن تستعيد موسكو قوتها وتأثيرها العالمي، ولم يتراجع قادة البيت الأبيض عن تبني مشروع المحاقظين الجدد وأحد مؤطريهم زبيغنيو بريجنسكي، منظر السياسة الخارجية الأمريكية بشأن تفتيت روسيا إلى 11 دويلة. كل ما يشاع عن حلول وتسويات للصراعات في وسط شرق أوروبا ليس أكثر من مناورة ووسيلة لخداع الرأي العام.

في الشرق الأوسط زرعت الإمبراطورية البريطانية قبل أفولها إسرائيل على أرض فلسطين بعد أن مزقت مع شقيقتها الإمبراطورية الفرنسية في اتفاقية سايكس بيكو سنة 1916 منطقة المركز الشرق أوسطية، وجاءت الإمبراطورية الجديدة وريثة لندن لتجعل من إسرائيل حاملة الطائرات التي لا تغرق للتحكم في المنطقة، وفرض الحصار على روسيا من جناحها الغربي الجنوبي.

تمكنت باكستان والهند وبعدهما كوريا الشمالية من كسر احتكار القوى دائمة العضوية في مجلس الامن للسلاح النووي، الغرب كان الأكثر وخوفا وتضررا وسعى دون نجاح في وقف هذا التحول ولكنه فشل، ومنذ أكثر من عقد يدور صراع حول حق إيران في الطاقة النووية كما سبق قبل سنوات مع العراق وليبيا. وعندما تفشل محاولات الحد من قدرات طهران النووية كما يتوقع الكثيرون سيكون ذلك مؤشرا على بداية عصر جديد في المنطقة. وستكون النتيجة ما انتهت إليه الأمور قبل قرون بالنسبة لمحاولات حظر امتلاك البارود

أهداف زعيمة حلف الناتو واشنطن لا تتبدل رغم قدوم مسييرين جدد كل اربع سنوات إلى البيت الأبيض كل ما يقع هو تبدلأساليب المناورة، الأساس هو الحفاظ على النظام العالمي الأحادي القطب الذي ولد نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي مع انهيار الاتحاد السوفيتي. أحد أهم اهتمامات الغرب في نظامه الأحادي القطب هو التمسك بالسيادة والرفاهية الاقتصادية التي لا يمكن أن تستمر سوى بمواصلة استنزاف ثروات ما يوصف بالعالم الثالث.

وبتبسيط أوسع يجب أن يدرك الجميع في كل قارات العالم أن ما يوصف بالازدهار الاقتصادي الذي يعيشه الغرب ليس سوى على حساب دول العالم الثالث. فالغرب بشكل عام وخاصة الولايات المتحدة ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ينفق أكثر بحوالي أكثر من 58 في المئة من دخله بالمقارنة مع ما ينتج. يأخذ المواد الخام مثلا كالحديد بثمن ويصنعه ويعيد تصديره بأرباح تصل أحيانا إلى أكثر من 900 في المئة، يطبع الدولارات واليورو بدون تغطية كما نص على ذلك نظام بريتون وودز ويستحوذ بها على سلع من العالم الثالث ولكن هذه الأوراق المالية لا تكفي لشراء ما تحتاجه دول العالم غير المصنع فتجبر على الإقتراض ويتصاعد دينها ومعه تكلفة حجم تسديده، تتسع الهوة ويتسع نطاق الفقر والتخلف في وسط 78 في المئة من سكان المعمور بينما تزدهر حياة أقل من 10 في المئة ويتأرجح الباقون على جانبي خط الفقر.

هنا استطاعت الصين كسر المعادلة وأصبحت مصنع العالم، ولما أفاق الغرب ليرى الحقيقة وأنه لم يعد يتحكم كالسابق في التجارة الدولية وأدواتها المالية بدأت معركة مصيرية جديدة مكملة من أجل نظام عالمي جديد.

 

سباق التسلح

 

نهاية شهر مايو 2025 جاء في تقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية:

يبدو أن العالم على موعد مع سباق تسلح جديد، بعد أن كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام عن خطة لإقامة منظومة دفاعية جديدة مضادة للصواريخ بتكلفة تبلغ 175 مليار دولار.

وتستهدف المنظومة التي أطلق عليها اسم “القبة الذهبية” حماية الولايات المتحدة الأمريكية من الصواريخ فرط صوتية والأسلحة التي تنطلق من الفضاء.

تقول جوليا كورنيور، باحثة مشاركة في برنامج الأمن الدولي في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني، في تحليل نشره موقع المعهد، إنه بعيدا عن مساهمة القبة الذهبية في تعزيز الأمن القومي الأمريكي، فإنها تهدد بمفاقمة الاضطراب العالمي وتصاعد التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى.

تعتمد القبة الحديدية المستهدفة على إقامة بنية دفاعية متعددة الطبقات تشمل مئات أو حتى آلاف الأقمار الصناعية في الفضاء، مجهزة بأنظمة استشعار وأجهزة اعتراض متطورة، بما في ذلك أشعة الليزر الفضائية، بهدف اكتشاف وتتبع وتحييد الصواريخ القادمة والتهديدات الأخرى في مراحل مختلفة من طيرانها.

ورغم أنه يمكن القول إن فكرة القبة الذهبية مستوحاة من القبة الحديدية الإسرائيلية، فإن هذه المقاربة مضللة. فإسرائيل أصغر كثيرا من الولايات المتحدة وقبتها الحديدية تستهدف حمايتها من مخاطر الصواريخ قصيرة الأجل وغير الموجهة، وهي محدودة سواء من حيث العدد أو السرعة أو الاتجاه.

في المقابل، فإن خطة ترامب تستهدف الدفاع عن كامل الأرض الأمريكية من تهديدات أكثر تقدما وأكبر عددا، بما في ذلك الصواريخ الباليستية طويلة المدى والصواريخ فرط صوتية وأنظمة الإطلاق المدارية. لذلك، فإن الحجم ودرجة التعقيد والتطور التقني المطلوب لتنفيذ القبة الذهبية أمر مختلف تماما.

ورغم أن ترامب يقدر تكلفة المبادرة الدفاعية بحوالي 175 مليار دولار ومدة تنفيذها بثلاث سنوات فقط، فإن مكتب الميزانية التابع للكونغرس يحذر من أن تكلفة الشق الفضائي فقط من القبة ستصل إلى 542 مليار دولار، لنشر وتشغيل هذه المكونات على مدى 20 عاما. كما أن الأسئلة الأساسية مازالت معلقة دون إجابة، مثل شكل هذه المنظومة؟ ومن الذي سيتولى إقامتها؟ وهل ستعمل بالشكل المطلوب؟

ويحتاج توفير الاستثمارات المطلوبة لتطوير مثل هذا النظام المتقدم إلى التخلي عن أشياء عديدة، قد تكون على حساب أولويات دفاعية أخرى.

كما أن الولايات المتحدة لا تمتلك حاليا كل التقنيات المطلوبة لاعتراض الصواريخ فرط صوتية أو الباليستية في الفضاء، التي تحتاج إلى صواريخ اعتراضية أو أنظمة ليزر قادرة على العمل لمسافات شاسعة بدقة شبه فورية. إن السعي وراء القبة الذهبية ينطوي على مخاطر إعطاء الأولوية لنظام باهظ الثمن ولم يتم إثبات قدراته، على حساب قدرات أكثر إلحاحا وقابلية للتحقيق، مثل تحسين الدفاعات الصاروخية الإقليمية وتعزيز المرونة السيبرانية لمواجهة التهديدات الناشئة مثل الطائرات المسيرة.

كما أن هناك عواقب استراتيجية خطيرة محتملة لخطة القبة الذهبية. فخصوم الولايات المتحدة سينظرون إلى أي نظام يستهدف جعل الولايات المتحدة بمنأى عن الهجمات الصاروخية على أنه محاولة لتقويض منطق الردع النووي. لذلك، إذا اقتنعت هذه الدول بأن واشنطن بصدد تطوير درع يمكنه يوما ما تحييد أي ضربة نووية انتقامية، فسيشتعل سباق تسلح عالمي خطير.

وقد سبق لبكين وموسكو أن انتقدتا مشروع القبة الذهبية، واصفتين إياه بأنه “مزعزع للاستقرار بشكل كبير”، وقد تردان عليه بمجموعة من الإجراءات المضادة، بما في ذلك توسيع ترساناتهما الهجومية أو تطوير أنظمة إطلاق جديدة. كما أن سباق التسلح هذا قد يدفع إلى نشر أسلحة فضائية في وقت لا يزال فيه العالم يفتقد إلى القواعد التي تنظم استغلال الفضاء. وبالتالي، قد تقوض القبة الذهبية الأمن العالمي وتجعل العالم، بما فيه الولايات المتحدة، مكانًا أكثر خطورة.

وتحذر المحللة السياسية جوليا كورنيور من تكرار أخطاء الماضي عندما استنزفت مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي عرفت باسم “حرب النجوم”، التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان في ثمانينات القرن الماضي، موارد هائلة، وفاقمت التوترات الدولية وأشعلت سباق تسلح ترك العالم أشد انقساما لا أكثر أمنا، في الوقت الذي فشلت فيه في توفير نظام دفاعي فعال.

 

غزة الصمود

 

طوال ما فوق 600 يوما ومنذ 7 أكتوبر 2023 وبداية طوفان الأقصى، أغرقت تل أبيب ووسائل الإعلام التابعة لها غربا وشرقا العالم بأساطير القضاء على المقاومة الفلسطينية خلال أيام وأسابيع ثم أشهر، وفشل رهان حماس على تحقيق نصر ولو مرحلي وكيف ضحت بحياة عشرات الألاف من مواطنيها، وقد حاول أصحاب تلك الدعايات نسيان تجارب مقاومة الاستعمار التي إن لم تعط ثمارها بسرعة ولكن بعد حين. عبد الكريم الخطابي بطل حرب الريف 1920 حتى 1927 هزم إسبانيا ثم فرنسا، ولكنه لم يكسب الحرب معهم مجتمعين.

حارب عمر المختار في ليبيا الاستعمار الإيطالي مذ كان عمره 53 عاما لأكثر من عشرين عاما في عدد كبير من المعارك، إلا أن اسر، ولكن ليبيا تحررت بعد ذلك.

المسيرة الطويلة كانت انسحابا عسكريا ضخما نفذه الجيش الأحمر التابع للحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماوتسي تونغ، والذي سيصبح لاحقا جيش تحرير الشعب الصيني، لتضليل مطاردة جيش حزب الصين الوطني. ولم تكن هناك مسيرة طويلة واحدة، لكنها كانت سلسلة من المسيرات، حيث قامت العديد من الجيوش الشيوعية في الجنوب بالهروب إلى الشمال والغرب. أشهر المسيرات كانت من مقاطعة جيانغشي، بدأت في أكتوبر 1934. جيش الجبهة الأول التابع لجيش الجمهورية السوفيتية الصينية، والذي قاده في ذلك الوقت بعثة من العسكريين غير الخبراء، كان على شفير الإبادة الكاملة.

عام 1931، أنشأ الشيوعيون الجمهورية الصينية في جيانغكسى، ولكن انتصارات قوات شيانغ كاي شيك، أجبرت الشيوعيين على الجلاء عن المنطقة والسير باتجاه الشمال الغربي للوصول إلى يَنان قاطعين 8,000 ميل في ظرف سنة، لم ينج من الـ 100,000 شخص الذين انطلقوا في المسيرة سوى أقل من النصف، ولكنهم أعادوا تجميع صفوفهم وعززوا مواقعهم ضد الكومنتانغ حتى 1937 حين أعلِنَت الهدنة في سبيل محاربة العدو المشترك، اليابان. ثبت ماو تسي تونغ نفسه أثناء المسيرة زعيما للشيوعيين.

تحالف الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومينتانغ بشكل مؤقت خلال الحرب الصينية اليابانية الثانية (1937-1945) وأثناء الحرب العالمية الثانية، ولكن الحرب الأهلية الصينية استؤنفت بعد استسلام اليابان. وهزمت قوات ماو في عام 1949 قوات الحكومة القومية التي انسحبت إلى تايوان وتم الإعلان في الأول من أكتوبر 1949 عن تأسيس الصين الشعبية.

التاريخ العالمي غني بتجارب مقاومة الشعوب التي ترفض الهزيمة ولو كان الثمن التضحية بملايين البشر ولكنها تنتصر في النهاية، كما أن التاريخ يقدم كذلك أمثلة شعوب لم تقدم ما يكفي من التضحية فزالت.

 

أرقام فلكية 

 

ذكر المحلل الإسرائيلي نيتسان كوهن إن نفقات الحرب على غزة بلا توقف وهي تجهد إسرائيل وإن يوما واحدا من القتال يكلف دافعي الضرائب في إسرائيل نحو 425 مليون شيكل (حوالي 122 مليون دولار).

وذكر المحلل نيتسان كوهن في مقال نشرته "إسرائيل هيوم" العبرية يوم الجمعة 30 مايو 2025، إن الحرب وصلت إلى يومها الـ 600 وتكلفتها الاقتصادية كبيرة.

وأفاد بأن "بنك إسرائيل" أجرى الحساب الأكثر شمولا وموثوقية للنفقات ويقوم بتحديث الحسابات باستمرار، مشيرا إلى أنه بعيد عن الضغوط وبوسعه إصدار الأرقام الأكثر حداثة وموثوقية. 

وفي نقاش مغلق مع رئيس الوزراء نتنياهو، برزت أرقام وحسابات مختلفة بشأن تكلفة التعبئة المكثفة للاحتياط.

وعلى مدار العام 2024، قدر بنك إسرائيل تكلفة الحرب حتى نهاية عام 2025 بنحو 250 مليار شيكل، وتشمل هذه التكاليف الاحتياطي والذخيرة والوقود وما إلى ذلك.

وأوضح أن التكلفة غير المباشرة للحرب والتي تشمل الرعاية على الجبهة الداخلية، ورعاية جنود الاحتياط المصابين، وعلاج مختلف أنواع الإصابات القتالية هي مهمة طويلة الأجل ذات تكاليف لا يمكن تصورها وترهق الاقتصاد، لكن في هذه اللحظة لا يدور الحديث إلا عن كلفة الحرب وكلفة الإبقاء على غزة مثلما هي اليوم بدون حرب شديدة القوة.

وحتى اليوم، تجاوزت التكلفة الإجمالية للحرب 300 مليار شيكل، وهذا يعني أنه السيناريوهات المختلفة التي أجريت في هذا التقييم المالي، فإن إسرائيل في أسوأ السيناريوهات.

ويردف بالقول: "أما كلفة اعتراض صاروخ يمني حوثي فتتراوح بين 2 و6 ملايين شيكل وفقا لنوع السلاح الذي استخدموه وهل اعترض الصاروخ في المرة الأولى ولم تكن هناك حاجة لإطلاق مزيد من صواريخ الاعتراض تحقيقا للدقة.

ويستطرد نيتسان كوهن قائلا: "والآن نأتي إلى السؤال الكبير.. كم يكلف دافع الضرائب الإسرائيلي الاستمرار في القتال في غزة كما يحدث اليوم بقوة تتراوح بين المنخفضة والمتوسطة وتعتمد على حجم الإمدادات الإنسانية التي تدخل غزة.

والخلاصة هي أن الحرب المستمرة منذ 600 يوم تشكل ثقبا اقتصاديا هائلا بالنسبة لإسرائيل، وسوف يشعر الجميع بآثارها في جيوبهم في المستقبل القريب، ولكن من دون خطة واضحة لما بعد "اليوم" فإن تل أبيب سوف تظل متورطة في إنفاق يومي قدره 42 مليون شيكل على الصيانة في القطاع.

 

حماس صامدة 

 

أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوم الأحد الأول من يونيو 2025، بأن رد حركة حماس على مقترح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف بشأن وقف إطلاق النار في غزة، يظهر أنها "لم تصل إلى مرحلة الانهيار بعد"، رغم الادعاءات الإسرائيلية بأنها تتعرض إلى "ضغوط شديدة".

جاء ذلك بحسب ما ذكرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، غداة إعلان حماس موقفها من مقترح أمريكي لوقف إطلاق النار قدمت خلاله ملاحظات، واعتبره ويتكوف "غير مقبول".

واعتبرت الصحيفة أن رد حماس، الذي وصفته بـ"المبهم" على مقترح ويتكوف، "يظهر مرة أخرى، أنه على الرغم من الادعاءات المتداولة في إسرائيل بأن حماس تتعرض لضغوط شديدة وأنها على وشك الانهيار، إلا أنها لم تصل إلى هذه المرحلة بعد".

ولفتت إلى أن حماس "تستمر في القتال بفرق صغيرة في قطاع غزة وتعد ذلك انتصارا، وتقيس إنجازاتها بالطريقة ينظر بها العالم للقضية الفلسطينية ولها، وبالطريقة التي تصبح فيها إسرائيل منبوذة في أوروبا وبين جماهير واسعة بالولايات المتحدة وأيضا من خلال الانقسام المتزايد داخل إسرائيل”.

ومساء السبت 31 مايو، قال المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إن رد حركة حماس على المقترح الأخير الذي قدمه بشأن قطاع غزة "غير مقبول على الإطلاق".

وأوضح أنه سيعاد بموجب هذا الاتفاق "نصف الرهائن الأحياء ونصف أولئك الذين قتلوا إلى عائلاتهم، على أن يتم خلال سريان الهدنة، التفاوض الجاد بحسن نية عبر محادثات غير مباشرة في محاولة للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار".

وكانت حماس قد أعلنت السبت أنها سلمت ردها إلى الوسطاء بشأن مقترح يتكوف، وأوضحت أن ردها الذي لم تحدد فحواه، جاء "بما يحقق 3 أهداف رئيسية هي وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب شامل من غزة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع".

وأكدت حماس مرارا استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين "دفعة واحدة"، مقابل إنهاء حرب الإبادة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، والإفراج عن أسرى فلسطينيين.

 

الخطر الوجودي 

 

جاء في تقرير نشرته صحيفة معاريف يوم 28 مايو 2025:

مثل كل شيء في الجيش الإسرائيلي، حتى الـ 600 يوم الرهيبة التي مرت علينا تنقسم إلى ثلاثة أجزاء: في البداية هزيمة، ثم نصر، ومرة أخرى هزيمة. وبتوسع: في اليومين الأولين هزمنا. بعد ذلك صحونا، انتعشنا، شحذنا أسناننا وانتصرنا. هذا النصر حققه المقاتلون والقادة، لكن كالمعتاد، لم نتمكن من جني ثمار النصر. في الأشهر (الكثيرة) الأخيرة، نفقد الزخم، نتأخر عن القطار، نفوت الفرصة، نعطل الإنجازات ونقترب من هزيمة أخرى، ليس عسكرية، ولا أحد هناك نتهمه. وبايدن لم يعد هنا، و"القانونيون" لا يتدخلون في الحرب، والمستشارة والنائبة العسكرية تعطيان للجيش إسناداً كاملا، وغالانت أقيل، ورئيس الأركان استبدل، والائتلاف مستقر وليس هناك ائتلاف يميني قومجي أكثر تطرفا منه. باختصار، لا يوجد في المحيط مذنبون نلقي عليهم بالمسؤولية، ونتهمهم بطعم حامض للهزيمة الجديدة. لكن ثقوا بنتنياهو وأقزامه. فهم سيجدون، أي سيختلقون شيئا ما. في هذه اللحظة، وقعت وردية “المذنب الدوري” على يئير غولان، إلى أن يحصلوا على المذنب التالي.

نبدأ بالهزيمة الأصعب في تاريخنا، السقوط المدوي المهين الذي لا كفارة له أبداً. كان هناك هدف واضح واحد لخطة "أسوار أريحا"، أو بلغة الفلسطينيين "طوفان الأقصى": كسر فرقة غزة، واقتحام دفاعات الجيش الإسرائيلي عن الغلاف. هذا الهدف تحقق بكامله، بما يتجاوز التوقعات الأكثر وردية لمحمد ضيف ويحيى السنوار. فرقة غزة انكسرت، وقاعدة الفرقة احتلت، ومنظومة الدفاع من الجيش الإسرائيلي انهارت كبرج من الورق، وآلاف قتلة النخبة فعلوا في الغلاف وسكانه كما يشاؤون من الساعة السادسة والنصف صباحاً وحتى نهاية ذاك اليوم الرهيب.

لأول مرة منذ قيامها ومن نهاية حرب الانبعاث، احتلت أجزاء من إسرائيل من قبل أعداء "بالشباشب"، على حد تعبير المسؤول الرئيس عن الكارثة. استغرق ثلاثة أيام كاملة أخرى لإنهاء تطهير المنطقة، ولنزع آخر المخربين من مخبئه ولإعادة استقرار الخط. في هذا الزمن، تعرضت إسرائيل لأكثر الضربات رعباً. 1200 إسرائيلي قتلوا في يوم واحد، عائلات كاملة شطبت، وكيبوتسات ومدن زراعية احتلت وأحرقت.

لأول مرة عاد الخوف الوجودي ليسترق إلى قلوب غير قليل من الإسرائيليين، انعدام الأمن اليهودي إياه، الإحساس بأن إسرائيل ليست دولة مسلماً بها. وجودها غير مضمون. هي هشة، ضعيفة، وأعداؤها يهددون. دخلت إلى حياتنا أيضاً "خطة الإبادة" الإيرانية. فجأة، دفعة واحدة، فهمنا أننا على مسافة خطوة من تحقق هذه الخطوة. "إبادة". ما لنا وللإبادة؟ وبالفعل، بدأنا نعتاد هذا الاصطلاح من جديد. 

لا حاجة لمزيد من الحديث عن النصر العسكري، فقد استخدم الجيش الإسرائيلي كامل قوته. سلاح البر جرى تأبينه قبل الأوان. المقاتلون، والضباط، وألوية المشاة، والمدرعات الرائعة، كلهم أعطوا ما لديهم في تضحية لا نهاية لها.الشاباك المرضوض والمهزوز، صحا، وهو يعطي ما يسمى "عرضاً" منذ 7 أكتوبر. أما "أمان"، فقد نهض مجدداً من غياهب هزيمته، ومثلها وحدة 8200 التي توفر كميات هائلة من المعلومات النوعية منذ 7 أكتوبر.

 

التضليل 

 

وجه ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي انتقادات حادة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خلفية تصريحاته الأخيرة حول هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته حركة "حماس" في السابع من أكتوبر.

وقال الضابط، في تصريحات نقلتها القناة 12 الإسرائيلية، إن "من كانوا في حالة ذهول واضطراب حقيقي هم القادة والقيادات العليا في إسرائيل، الذين اعتقدوا أن مثل هذا الهجوم لا يمكن أن يحدث". وأضاف: "تصريحات نتنياهو لا تقلل من شأن حماس، بل تقلل من قيمة مقاتلينا الذين سقطوا في ذلك اليوم".

وأشار الضابط، الذي يتمتع بخبرة تمتد لأربعة عقود في الخدمة العسكرية، إلى أن عناصر كتائب القسام كانوا "مجهزين بالكامل، من الرأس حتى أخمص القدمين، بترسانة من المتفجرات والأسلحة لا تقل شأنا عن تلك التي تملكها جيوش نظامية"، مضيفًا أن "مئات الطائرات المسيرة استُخدمت لتدمير أنظمة سلاح متقدمة ودبابات مصنفة من بين الأفضل في العالم".

وكشف الضابط أن "حماس" أظهرت استعدادا لوجستيا عاليا مكنها من الصمود لفترات طويلة تحت الحصار، مشيرا إلى أن الحركة تمتلك "تمويلا كافيا لبناء صناعة عسكرية محلية، إلى جانب آلاف الصواريخ الدقيقة وأنظمة الاتصالات الحديثة". كما وصف المرافق التي اكتشفت في غزة بأنها "منشآت بمستوى عال من التنظيم، تحتوي على غرف إدارية وغرف عمليات متخصصة".

وفي تعليقه على وصف نتنياهو للمهاجمين بأنهم "مجرد لصوص يرتدون الصنادل"، قال الضابط: "نعم، ربما كان هناك من يرتدون الصنادل، لكنهم ظهروا في موجات لاحقة، وليسوا من نفذ الهجوم الرئيسي. هذا التوصيف لا يعبر عن الواقع، بل يشوه صورة ما حدث ويقصر في تقييم حجم التهديد".

وأشار تقرير للجيش الإسرائيلي إلى أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة "حماس"، تطورت منذ السابع من أكتوبر إلى ما يشبه "منظمة شبه عسكرية"، قادرة على إدارة عمليات قتالية معقدة، ما يعكس حجم التحدي الذي واجهته القوات الإسرائيلية خلال المعارك.

 

التجويع 

 

بعد استمرار الفشل في هزيمة حماس كثفت تل أبيب ومن يناصرها من استخدام سلاح التجويع لعل ذلك يبدل الأوضاع، البعض في الغرب عارض ولكن كما قال مسؤول عسكري أمريكي سابق انهم لا يعارضون تصفية وإبادة سكان غزة بالقنابل والصواريخ ولكنهم وفي حركة نفاق يعارضون الابادة بالتجويع.. 

نهاية شهر مايو 2025 وصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) غزة بأنها "أكثر الأماكن جوعا على وجه الأرض"، وحث السلطات الإسرائيلية على منح الأمم المتحدة حق الوصول الإنساني الآن، "فالوقت ينفد بسرعة كبيرة، والأرواح تُزهق كل ساعة".

وفي حوار مع أخبار الأمم المتحدة يوم الأربعاء 28 مايو، قال يانس لاركيه المتحدث باسم مكتب الأوتشا إن الأمم المتحدة لديها ما يقرب من 180 ألف منصة نقالة من المواد الغذائية وغيرها من المساعدات المنقذة للحياة جاهزة لدخول غزة.

وقال: "لقد دفعت الجهات المانحة حول العالم ثمن الإمدادات بالفعل. تم تخليصها جمركيا، والموافقة عليها، وهي جاهزة للانطلاق. ويمكننا إدخال المساعدات فورا، وعلى نطاق واسع، وطالما كان ذلك ضروريا".

وأكد المتحدث باسم الأوتشا أن الأمم المتحدة لديها كل ما تحتاجه داخل غزة لإيصال المساعدات إلى المدنيين بأمان، بما في ذلك الموظفون والشبكات، "وثقة المجتمعات".

وأضاف أن الأمم المتحدة لديها خطة ناجحة، كما اتضح خلال وقف إطلاق النار عندما دخلت عشرات الآلاف من الشاحنات القطاع ووصلت المساعدات إلى "كل شخص".

وفي إحاطة للصحفيين في القدس، أشار رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، جوناثان ويتال، إلى إطلاق النار على "عشرات الآلاف من الفلسطينيين اليائسين" الذين اقتحموا نقطة توزيع عسكرية "أُقيمت على أنقاض منازلهم" يوم الثلاثاء 27 مايو، وقد أفادت التقارير بإصابة ما يقرب من 50 شخصا في الحادثة.

وأضاف: "تُظهر هذه الأحداث كيف يستمر العقاب الجماعي للفلسطينيين، وكيف يتسارع الاعتداء على كرامتهم الإنسانية".

وأشار ويتال إلى أن خطة توزيع المساعدات المطورة حديثا تتجاوز مجرد التحكم في المساعدات، واصفا إياها بـ"الندرة المهندسة".

وأكد أن أحد مراكز توزيع المساعدات الأربعة، التي تؤمنها شركات أمنية أمريكية خاصة، يقع بالقرب من الموقع "الذي قتلت فيه القوات الإسرائيلية 15 من المستجيبين الأوائل ودفنتهم في مقبرة جماعية". وأضاف: "بالنسبة لي، هذا رمز بشع لكيفية محو الحياة في غزة، وما يبقيها، والسيطرة عليها"

 

حسم في ساحة المعركة

 

في ساحة مواجهة أخرى بين الغرب والشرق وبعيدا عن اللغط المثار حول تسوية تفاوضية للحرب الدائرة وسط شرق أوروبا تقدم الأحداث دليلا على أن الحسم سيتم على ساحة المواجهة العسكرية.

يوم الأحد الأول من يونيو 2025 كتب صحفي من موقع "بيزنس إنسايدر"، كان حاضرا خلال تدريبات عسكرية للناتو في فنلندا، أن الحلف يخطط للاستيلاء على مطارات عسكرية روسية في حالة نشوب صراع محتمل.

وقال الصحفي: "إن القدرة على الاستيلاء على مطار والاحتفاظ بهذا الموقع أمر مهم للغاية، وكذلك القدرة على إخراجه عن سيطرة العدو".

ونوهت المقالة بأن جنود الحلف، تدربوا خلال التمرينات على الاستيلاء على مهابط الطائرات، لأن السيطرة عليها ضرورية لإنزال القوات الصديقة بشكل سريع، خاصة في الظروف التي لم يقم فيها الجانب المدافع بتفعيل أنظمة الدفاع الجوي الخاصة به بشكل كامل.

ويشار إلى أنه بدأت في فنلندا في النصف الثاني من شهر مايو مناورات "ليفيلي سابر 25" البرية بمشاركة 3.5 ألف عسكري، والتي تجري أيضا بالقرب من الحدود الروسية.

في الآونة الأخيرة، تزايد الحديث في الغرب عن فكرة الصراع المسلح المباشر بين الناتو وموسكو. ويتم تسجيل نشاط غير مسبوق الناتو قرب الحدود الغربية لروسيا. وخلال كل ذلك يقوم الحلف بتوسيع نطاق مبادراته، مطلقا عليها تسمية "احتواء للعدوان الروسي".

وأعربت موسكو مرات كثيرة عن قلقها إزاء تعزيز قوات الحلف في أوروبا. وأكدت وزارة الخارجية الروسية أن روسيا لا تزال منفتحة على الحوار مع الناتو، ولكن على قدم المساواة، مع ضرورة أن يتخلى الغرب عن نهجه نحو عسكرة القارة.

وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد أوضح مرارا أن روسيا لن تهاجم دول الناتو، وهي لا ترى أية ضرورة أو جدوى في ذلك.

وشدد الرئيس بوتين على أن السياسيين الغربيين يرهبون شعوبهم بشكل دوري بالتهديد الروسي الوهمي لصرف الانتباه عن المشاكل الداخلية.

 

دويلات

 

يذكر أن بوتين كان اتهم قبل أشهر عديدة وخلال الاحتفال بيوم حماة الوطن في ملعب بموسكو شهر فبراير 2023، الغرب بوضع خطط لتقسيم روسيا، معتبرا أن ذراعه العسكرية، حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يشارك فعليا في الحرب ضدها. وقال بوتين، لمحطة "روسيا 1"، إن "دول الحلف ترسل عشرات مليارات الدولارات من الأسلحة لأوكرانيا، وهذه مشاركة فعلية ولو بصورة غير مباشرة في جرائمها"، مؤكداً أن الدول الغربية لديها "هدف واحد هو تدمير الاتحاد السوفياتي السابق والجزء الرئيسي منه: روسيا الاتحادية". وقال: "عندها فقط قد يقبلوننا في عائلة الشعوب المتحضرة المزعومة، ولكن بصورة منفصلة فقط، كل جزء وحده"، مضيفاً أن "خطط الغرب لتقسيم روسيا موثقة على الورق وإذا اتبعت المسار الذي يحلم به، فقد يتغير مصير شعوبها بشكل كبير، ولن يتمكن الشعب الروسي كمجموعة إثنية من البقاء". ونبه بوتين إلى أنه يجب على روسيا أن تأخذ في الحسبان القدرات النووية المتوفرة لدى الولايات المتحدة وكذلك لدى فرنسا وبريطانيا، في الوقت الذي يعتبر الحلف إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا هدفا رئيسيا له. وجدد بوتين دعوته لقيام عالم متعدد الأقطاب، متسائلا: "ما الذي نتصدى له؟ نتصدى لكون هذا العالم الجديد الذي ينشأ يبنى فقط من أجل مصلحة دولة واحدة هي الولايات المتحدة. الآن وبعدما قادت محاولاتهم لإعادة ترتيب العالم على صورتهم إثر سقوط الاتحاد السوفياتي للوضع الراهن، لا بد لنا من التحرك ويجب أن يتغير العالم". وصرح بأنه لا يعارض مشاركة "الناتو"، في مناقشة معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية "ستارت".

 

عمر نجيب

[email protected]