لقد كنت من اوائل الذين كتبوا عن المسألة الاجتماعية في البلد وضرورة إيجاد حل تشاركي هادئ(صورة قلمية عن بيرامه، رسالة إلى الرئيس القادم، الجادة الصواب...إلخ)، بعيدا عن التسييس والانتهازية الفردية أو الجماعية أو الحزبية. كتبت عن التفاوت الصارخ بين أبناء المجتمع الواحد، وليس هذا التفاوت طبعا نتيجة لسياسة "عنصرية" ممنهجة، من عنصر ضد آخر. ليست موريتانيا سواء في ذلك الحكومة أو الشعب من الذين في قلوبهم أو في افعالهم "الفعل العنصري" الطبقي البغيض. هذا التفاوت، للاسف، نتيجة لتسربات ماضوية، تاريخية، سحيقة. وليس من المهم الآنن البحث عن اسباب هذا،إنما من المهم البحث عن حلول مرضية، تزيد اللحمة، ترضي العاتبين، وتسكت الانتهازيين، وتحيد كيد المتآمرين، والمنتفعين. وهذا من الممكن جدا، عن طريق سياسة صارمة يمكن التغلب على هذا التفاوت، من خلال ادخال برنامج التمييز الايجابي، ثم عن طريق جعل المناطق الفقيرة والهامشية ذات أولوية في التعليم والتنمية القاعدية والبني التحتية.
هناك في هذا الفضاء جيش من المنافقين الذين هم في انفسهم "عنصريون" إلى حد الثمالة، و"فوقيون" إلى حد لا نهاية له، ثم إنهم لحاجة في انفسهم،لا حاجة في الاصلاح أو النصيحة، تراهم يتباكون على "بيرامه"،ويطالبون باطلاق سراحه، ثم لا يستحون على انفسهم ويصفون البلد ب"العنصري" ويستغلون كل مناسبة في الداخل والخارج للتشهير بالبلد واثارة النعرات، والتحريض على الفتنة والتقاتل.
إذا كنت في شقاق مع الحكومة، أو لست راضيا على الحكم، أو في عطل عن العمل والشغل، وحتى لغير هذه الاسباب ومهما كانت المحركات أو الدوافع، فمن المهم لكل موريتاني يؤمن بالوطن، ويؤمن بالبلد وسيادته وصيرورته وكيانه، واستقراره وتنميته، أن لا يقدم على فعل أو قول يثير أو يوقظ "الافعال العنصرية" البغيضة والتي إن هبت ريحها وعصفت، فلا احد في عصمة أو منعة منها.
عارض إن شئت أو لا تعارض، حاور أو لا تحاور،اطلب اللجوء أو تمسك بوطنك، لكن لا تثير الفعل أو القول العنصري أو الطبقي أو الشرائحي، فموريتانيا لكل الموريتانيين بغض النظر عن سوادهم أو بياضهم أو حمرتهم، وموريتانيا بمكوناتها الاجتماعية، ليست لمكونة واحدة، ولن تكون موريتانيا إلا بهذه التشكيلة اللونية الاجتماعية التي لا فضل فيها لاحد إلا بالعمل والاخلاص والتفاني. أما كل كلام غير هذا، فهو كلام يذهب جفاء، ولا يبقي له اثر في الانفس ولا في الارض.