حتى لا تضيع فرصة أخرى الدكتور :سيد احمد ولد البشير

ثلاثاء, 2024-07-16 15:51

وضعَ مؤخرا، الزعيمان، مسعود و أحمد، مع ما يحملانه من رمزية كبيرة فينا، أسلحتهما على الأرض، مستسلمين نهائيا فيما يبدو، بعد معركة سياسية أخذت السواد الأعظم من حياتهما...
إن هذا الحدث من منظوري و من منظوركم في اعتقادي، إعلان عن انتهاء مرحلة بأسرها من حياة بلادنا السياسية... 
و هو الإعلان الذي، لم يتزامن معه عبثا، صعود خطاب عرقي و شرائحي خطير، قد لا يبقي و لا يذر أحدا من أهل هذه الأرض المقاومين من أجل حياة بسيطة... أيما مقاومة.

إنها حقيقة، وضعية مستجدة خطيرة، فرضت نفسها على طاولة الأولوليات في هذه المأمورية الثانية لفخامة رئيس البلاد. و هي الوضعية التي قد تقودنا إلى خطوات حكيمة و شجاعة للوصول إلى خلاصنا الوطني من كل المخاطر التي لطالما هددتنا....و رب ضارة نافعة.

هذه المرحلة، التي عمرت ٦٦ سنة، و التي انقضت بالنسبة لي، بأحلام ناسها الطيبين و باجتهادات نخبها الحالمين... بوعودها الكثيرة و بإخفاقاتها المتكررة... أود الآن، لو أعدنا بعض محطاتها إلى ذاكرتنا علّ ذلك يساعدنا في التّمعن و التّفكر و في فهم بعض المآلات. و هو اقتباس، مع فارق في الجدية و الوعي بمستوى التحدي، من أسلوب سينمائي، يعيدون فيه للمشاهدين بعض اللقطات الهامة في نهايات بعض إبداعاتهم الكبرى، لزيادة التأثير الحسي على مشاهد كان أصلا ذائبا في عوالم فيلمه منذ البداية...  
هذا، و سأستمحكم في تعليقات قليلة في نهاية استعراضي..

و لكن، قبل أن أبدأ عرضي، و في ما يشبه ديباجة، أود لو ذكرتكم بهذا المشهد الذي حدث ذات مرة، فينا : كان ذلك سنة ١٩٤٦ في ظل الاستعمار المباشر. أيامها كان الفرح عارما و الشعور بعزة النفس سائدا، و ذلك عندما فاز السيد حرمة ولد ببانه المعارض ممثلا لموريتانيا على إيفون رزاك، الموالي للسلطة القائمة في انتخابات نيابية مشهودة...

و الآن هذه هي المحطات التي أتمنى أن أكون وفقت في اختيارها لكم

١.  سنة ١٩٥٨ : في استفتاء الجمهورية الفرنسية الخامسة و في جو قاتم شيئا ما، نلتحق مع كل المستعمرات الفرنسية في إفريقيا، ما عدا غينيا سيكو توري،  بكيان فرنسي دستوري إسمه : المجموعة الافريقية الفرنسية...

٢.  سنة ١٩٦٣ (أو بعدها بقليل) : سلطاتنا ترافع في انيويورك، لجمع أموال من المؤسسات المالية الكبرى هناك لدعم شركة ميفرما الوليدة، التي لم تؤمم أنذاك بعد، و التي كان ملاكها أساسا، هم الفرنسيون و شركاؤهم من كندا و من آل روتشيلد، تلك الأسرة ذائعة الصيت في المال العالمي و المعروفة بعلاقتها بوعد بلفورد...

٣.  سنة ١٩٨٥ : المؤسسات النقدية العالمية تنزل أرضنا، كما نزلت أراض مماثلة أخرى في محيطنا. و تقوم باعادة توجيه تسيير حكومتنا لشعوبنا آمرة بالتوقف عن بعض واجباتها نحونا ! أطعنا لهم و بدأت فينا العائلات من تلك السنة، في اكتشاف تحمل نفقات تعليم أبنائها بأنفسها لمن استطاعت إلى ذلك سبيلا و كذلك نفقات علاج مرضاها... هذا لا لشيء إلا لتستطيع دولنا اقتراضا أكثر على حسابنا من المؤسسات المالية المهيمنة لتدور عجلة الاقتصاد العالمي بانسيابية و لو على حسابنا...

٤.  سنة ١٩٩٠ : في لابول، يجتمع افرانسوا ميتران بقادة إفريقيا الفرنسية السابقة، و يأمرهم بانتهاج الديموقراطية في حكمهم لنا، فنفذوا بسرعة هنا أيضا و بدون تردد...
الديموقراطية حقيقة إن كانت مفيدة جدا للبلدان الناضجة فأقل ما فيها بالنسبة للبلدان السائرة نحو النضج، أنها تعطل كل الجهود الرامية إلى الإنضاج و إرساء الدعائم و ما أكثر حاجتنا لها في ذلك الزمن... و قد توقفت !

٥- سنة ٢٠٠٧ : في دكار، ساركوزي يلقي خطابا قويا في مدرج جامعة الشيخ آنتا ديوب، كتبه له هانري اكوينو، يقول فيه بتخلفنا عن دخول التاريخ، مبرئا بلده   من مسؤولياتها في ذلك، غير مدرك أن التاريخ فصل بيننا، و أن الخطب لن تعفي بلده من حقنا ما دمنا نئن في الوهن و الهشاشة التي تتميز بها كل دول المجموعة الفرنسية الافريقية السابقة...  

أكتفي بهذا القدر من المحطات من بين أخرى كثيرة ؛ مدركا أن أكثر من سيفهمون عرضي لها هنا، إن كان موفقا، هم من لهم إلمام بفنون التخطيط الاسترتيجي... وأن غيرهم، بعضهم سيفهمني و بعضهم قد لا يفهمني و بعضهم، قد يعتبرني طرفا مؤيدا لجهة ضد أخرى... أو شاكا في وطنية أحد ما من أبنائنا. لا، أبدا ! أنا بعيد من ذلك. 
و لكن، المرحلة التي أتحدث عنها هنا حتى لو حكم فيها عمر ابن عبد العزيز لغلبته...!
                                
                                      *****
و هذه تعليقاتي.

تعليقي الأول : 'حسرة'
رغم مرور أكثر من ١٢٠ سنة و رغم تضحيات زكية كثيرة من أجل أن تكون موريتانيا، دولة مواطنة مستوفية الشروط، مازلنا في نفس النقطة "الأزلية" الأولى :  بين الأمل تارة في تحقيق ذلك الحلم، و اليأس تارة أخرى منه...! 
طال إذا أمد هذه الحالة كثيرا ! 
إن حالات التحول نحو النضج كلها غرر على وجود المتحول (من وحي تجربتي في مهنة الطب) ! 
لنصل بسرعة إلى حلمنا أو نعد أدراجنا إلى "سيْبتِنا" الأولى فقد تكون لا قدر الله أرحم بنا ! 
ألا نفزع على أنفسنا في كل مرة نتحرك فيها قليلا و ينكشف فيها شيء من ظهرنا (تعريب ١٩٦٦ مثلا، بعض المحطات الرئاسية)...

٢.  تعليقي الثاني : 'تفهّم'
كيف لمعارضة أن تقاوم كل هذا الزمن، في دولة يوليها أبناؤها ظهورهم : غير المتعلمين في المدارس العصرية منهم، في أعماقهم، متمسكون بقبليتهم الأولى و  المتعلمون منهم، في مدنهم و منتدياتها، يعتقدون أنه من الثقافة في شيء أو من السياسة في شيء، أن نتفرق في خنادق أيديولوجية، مصدرها خارجي و لبوسها إما ديني أو  قومي أو افراكوفوني... لتبقى موريتانيا وحيدة منسية في متاهات الدنيا ! 
حالة كهذه، بالنسبة لأي معارضة جادة، لابد أن فيها يأسا حتميا في استشراف الآفاق و عجزا كاملا عن توقع التحولات، اللذين سيقودان بطبيعة الحال، في النهاية، إلى الاستسلام خوفا من البقاء العبثي كمفاعيل فيهم، على خشبة مسرح تُسير خيوطها من وراء الجدران...
و هي الحالة العدمية أيضا، التي تفسر ما نراه من عزوف بيًن عن الاهتمام بالشأن العام و ما نراه كذلك من تصحر فكري يدعو إلى القلق...

تعليقي الثالث : 'خوف'
أفلت المعارضة، و لم يعد يسمع إلا صوت التفرقة العرقية و الشرائحية. 
الكل يعلم أن هذا الخطاب خطير على الحياة : قتل من الروانديين الأربع ملايين أنذاك، أكثر من ربعهم في شهرين، عام ١٩٩٤. 
و إن كان بهذا الحجم من الفتك في رواندا المفتوحة على كل الجهات و المتميزة بتلالها المعطاء ذات الماء الوافر و الخير الكثير، فما بالك به، في أرض صحراوية كأرضنا، التي يسكن نصف سكانها في مدينتي انواكشوط و انواذيبو ضيقتين معزولتين بين محيطين رهيبين : أحدهما ماء و ملح و الثاني رياح و حصى...! و هما المدينتان اللتان لم تضعَا في حسبانهما أي بلابل محتملة لما أُنشِئتا...: فلا منافذ فيها تتسع لأي تدفق، هربا من جحيم إن طرأ، لا قدر الله. و الطريق إلى النجاة طويل وشديد لمن استطاعوا الخروج : لا نقاط ماء كافية و لا نقاط 'كلأ' متوفرة. و نقاط الحياة المؤمّنة، الرعوية أو الزراعية، التي تحتسب ملجأ محاطة هي الأخرى بمخاطر حربية إقليمية مخيفة...

تعليقي الرابع : 'استنجاد' 
الإجماع السياسي الحالي الغير مسبوق حول رئيس الدولة محمد الشيخ ولد الغزواني، محمدة حقيقية له لو كان الحكم فينا حكما فرديا مطلقا. أما و أنه ديموقرطي فضرره علينا أكثر من فوائده. هذا لأنه سيترك كفة شاغرة لحشود غير منظمة لا ترى في السلطة، غير الغبن و الظلم حتى و إن كانت غير مسؤولة عنهما.... هذا و قد  اتفق العلماء المختصون في سلوك الحشود البشرية، بغياب بصيرتها إن فكرت و بخطورة وحشيتها إن تحركت (سيكولوجيا الجماهير)... 
و الديموقراطية إذا غرر علينا إن لم تثبت كفة ميزانها الأخرى بمعارضة راجحة... لذلك، فإنه يكاد يكون لزاما علينا في هذه المأمورية، دولة و نخبة، برفع هذا التحدي الوجودي الجسيم. أملنا في اتخاذ هذه الخطوة العظيمة يشفع له حنكتنا و رزانتنا في المأمورية الأولى التي جعلتنا ننعم بالاستقرار و الأمن في منطقة تغلي و نتجاوز محنا كبيرة بأقل ضرر ممكن.  
أملي من موقعي المتواضع في الشارع الموريتاني، هو إذا أن نتحلى بالشجاعة الكافية لإرساء معارضة مسؤولة و على قدر التحدي... و هي المعارضة الأبية التي ستستحضر دائما في كل أدبياتها من قاوموا الاستعمار مثل الشيخ ماء العينين ولد مامين و من ضحوا بأنفسهم و مصالحهم الخاصة من أجل إرساء دولة مواطنة مدنية في منتبذنا القصي العصي هذا، مثل بوياكي ولد عابدين و سيدي محمد ولد سميدع و حرمه ولد ببانه و أحمد باب أحمد مسكه و مصطفى ولد بدر الدين و محمد يحظيه ولد ابريدلليل رحمهم الله جميعا (الترتيب هنا حسب تاريخ رحيلهم عنا) و من أدبياتها أيضا تقدير و تفهم جهود كل أبنائها الذين حكموها و اجتهدوا من أجل إنمائها. أصابوا أم لم يصيبوا ؟ فذلك شيء آخر ! 
و هي المعارضة التي، لو كان لي من الأمر شيء فيها، لأوقفتها على ثلاث "لاءات" هي : 
لا لإقحام القبيلة في الشأن العام، 
لا لمحاباة الأيدبولوجيات التفريقية في حراكنا الفكري و 
لا للتهاون في بناء مدرسة تؤسس لموريتانيا الوطن الغالي... و المواطنة الزكية... و القانون المنظم و الحامي للجميع... !!!

تعليقي الخامس : 'عتب'
بالنسبة لمحاولة البعض في انشاء أحزاب جديدة تحمل نفس خطاب المعارضة السابقة المنتهي الصلاحية، فهؤلاء في اعتقادي، إما أنهم لا يبصرون حاشاهم، عكس أحمد و جميل و السعد و صالح و كان و محمد و محمد عبد الرحمن و مسعود، إلخ. ( الترتيب هنا أبجدي)، أو أن السياسة بالنسبة لهم مجرد حرفة يُتربح على ظهرها. 
لهؤلاء أقول : نحن هنا، مثل كل البشر في كل مكان، نحب أن نعيش بكرامة أو نموت...! فكل واحد منا على حدة، رباه أبوان حالمان و حملاه دنيا من الأمال لا يسعها أي كون... فعار إن تاجر أحدٌ مِنا، بنا و عيب إن تولى منابر معارضتنا من لا يحيط إلماما بحيثياتنا و حيثيات العالم من حولنا...! و إن لم يكن إلا هؤلاء، فخير لنا جميعا أن نركُنَ بهدوء إلى الحياة في أبسط تجلياتها (حالة 'جماد') و أن نلهُوَ أنفسنا بنبض الدورة المتجددة في عروقنا في انتظار أن يقضي الله أمرا كان مفعولا...

                                        *****

الصورة المرفقة بمثابة تحية إجلال.
لقد أرسلت سلام محبة مرارا للزعيم مسعود ولد بلخير من قبل، مع كل من التقيتهم من معارفه، تقديرا له. 
أعيد إرسال ذلك السلام هنا هذه المرة  عبر هذه الصفحة و بهذه المناسبة.
الزعيم مسعود، أحببته بقدر حبه لموريتانيا و ليس ذلك بقليل... عمرا مديدا و حياة هنيئة له و لي و لكم و لجميع المسلمين...

الدكتور :سيد احمد ولد البشير