بالمنطق… إن أردنا التحدث بالمنطق وفلسفة الحياة والوجود فإن كياناً عنصرياً جائراً أُقيم بمنطق الإستقواء على الآخر وقتل الآخر وأُقيم بمنطق الظلم والجور والإستبداد ومنطق كراهية الآخر والإستعلاء عليه لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن يستمر في الوجود. عندما نقول أن هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب هو كيانٌ زائلٌ بالفطرة يعني ذلك إن مقوّمات وجود هذا الكيان لا بدّ أن تنتفي بذاتها ومن داخل ذاتها وقبل أي تدخّل من الخارج الرافض قطعاً لهذا الكيان. في المعادلات الإنسانية وعلى مرّ التاريخ البشري لم يكن هناك وجود لأي كيان ظالم متفرعن ومستبد إلا وكانت نهايته مؤكّدة بل لقد أثبت التاريخ بما لا يقبل الشك أنّه لا دوام لهكذا كيان مستبد وقاهر للناس ولو طالت به السنين. ومنذ نشأته، كان هذا الكيان الغاصب لفلسطين وبغضّ النظر عن مسبّبات وجوده وتاريخه الاحتلالي والاستيطاني في أرض الغير وبغضّ النظر عن الأسباب السياسية والأطماع الامبريالية التي أدّت إلى نشأة هذا الكيان عبر جمع المهاجرين اليهود وإدخالهم إلى أرض فلسطين عنوةً و بالآلاف والدعم المالي والعسكري والميداني والمعنوي الاستثنائي الذي قُدِّم لهذا الكيان من مجموع الدول التي كانت تسيطر على الأرض آنذاك والتي تشعر شعوبها بتأنيب الضمير وبأنها كانت هي السبب في مآسي هؤلاء كما يقولون؛ بغض النظر عن كل هذه الأسباب والمسبّبات فإن هذا الكيان الصهيوني الغاصب بنظريته الصهيونية الاستعلائية المتطرّفة التي لا يمكن قبولها وتطبيقها في أي دولة في العالم هو كيانٌ زائلٌ حتماً ولأسبابٍ عدّة سوف أذكرها لكم فيما يلي.
أمّا السبب الأول فهو أنّه ما من دولة قامت في التاريخ على القتل والظلم والقهر والاستبداد والبطش إلا وكانت النهاية والزوال مآلها مهما كان حاكمها مستبداً ومتفرعناً بل كثيراً ما كان هذا الاستبداد والظلم هو السبب الوحيد لسقوط هذا الحاكم المستبد ولو بعد حين. ثانياً، إن أي فكر عنصري متطرف وبعيد عن المنطق الإنساني العام لا بد له من زوال وهذا ثابت على مرّ التاريخ ، والفكر الصهيوني هو أكثر الأفكار تطرفاً وعنصريةً التي شهدها التاريخ الحديث والقديم فهو يقوم على تقديس الذات ونبذ وتحقير الآخرين فهم وحدهم ” شعب الله المختار” ومن هنا مبدأ تحقير الآخرين من الأديان الأخرى والاستعلاء عليهم والذين تسمّيهم ” ذمّيين” وهي نظرية تلمودية معروفة جداً ولو أنها لا تُذكر كثيراً بسبب سيطرة هؤلاء على الإعلام إلا أنها كثيراً ما تظهر وقد ظهرت مؤخّراً في فلتات لسان مسؤوليهم السياسيين والعسكريين الذين لا ينفكّون يتكلمون عن الآخر بلغة الاستعلاء ومن ذلك تشبيهم الآخرين من الفلسطينيين من دون وازع انساني أو خجل ب”الحيوانات البشرية” وكذلك قولهم المتكرّر بأنهم” يجب إزالتهم ومحوهم عن وجه الأرض!” وهذه هي حقيقة تفكيرهم العنصري الاستعلائي المتطرف. واللافت أنّ هذا الكيان العنصري الأبارتهيدي المتكبر لا يكتفي بالتكبر والاستعلاء وبالكلام فقط بل هو يقوم بالمجازر الدموية الوحشية بحق الفلسطينيين منذ عشرات السنين ومؤخراً في كلّ يوم منذ ما يقارب الشهر ويتقصّد في هذه المجازر قتل المئات والآلاف من الأبرياء يساعده في ذلك صمت بل ودعم وتبريرات الكثير من مسؤولي الدول الأخرى لأسبابٍ لا تخفى إلا على الجاهل فقط.
وما الطريقة هذه في أحاديث هؤلاء العنصريين من مسؤولين سياسيين وعسكريين بل وأفراد عاديين من المستوطنين الصهاينة إلا دليل آخر على عنصرية وتوحّد هؤلاء وما يثير الاستغراب بل والإشمئزاز أن تسمع أحدهم وهو يقول أمام الملأ وعلى شاشات التلفزة وهو يوجه رسالته لمسؤولي الدول الغربية المتعاطفين والداعمين لهم منذ بدء هذا الهجوم والعدوان البربري الأخير منذ ما يقارب الشهر وما زال مستمراً حتى الآن وبرغم الدموية الفظيعة وكل المجازر الوحشية التي نشاهدها كل يوم على شاشات التلفزة وهو يوجّه سؤاله إلى هذه الدول الداعمة أن” من تريدون أن تساعدوا؟! أتساعدونهم هم؟!” وهو يقصد الأبرياء المقطّعة اشلاؤهم من الفلسطينيين الذين يعتبرهم هذا العنصري البغيض في مرتبةٍ أدنى أم تساعدوننا نحن أي الصهاينة المستوطنين ويكمل حديثه ف” نحن نشبهكم!” ويعدّد موارد الشبه قائلاً نحن مثلكم نفعل كذا وكذا إلى أن يصل إلى أنهم هم أيضاً يدعمون مجتمع الشواذ والمثليين!! ولإحياء الذاكرة فقط، وإن عدنا للتاريخ فإن سبب قدومهم إلى أرض فلسطين الأساس هو اختلافهم عن الشعوب الأخرى التي عاشوا بين ظهرانيها فهل زال هذا الإختلاف الآن؟! والأهم من كلّ ذلك، هل الاختلاف مدعاة لنفي الآخر من بلده واحتلال أرضه بل وقتل وقهر وتعذيب الآلاف من الفلسطينيين بشكلٍ يومي منذ أكثر من 75 عاماً أي منذ سيطرتهم بالقوة على هذه الأرض وممارسة شتى أنواع القتل والتعذيب والقهر والأسر والاستبداد والتهجير والتنكيل بحقهم؟!.
ومن عنصريتهم أنّهم لا يرون الفلسطينيين نداً لهم فهم البشر وغيرهم لا وهم الأفضل وغيرهم لا وهم من يستحق الحياة وغيرهم لا وتجد تعاليهم وعنصريتهم هذه في كلمات مسؤوليهم السياسيين والعسكريين وهم يسردون قصة أحدهم مهما كانت هذه القصة فردية كمسخرة قصة مندوب الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة وهو يبرز تسجيل صوتي لأحد المقاتلين الفلسطينيين بزعمه فيما هم يتجاهلون مجازرهم اليومية بحق الآلاف من الضحايا والمنكوبين من الفلسطينيين! وما زال هذا التنكيل والاستعلاء مستمراً إلى الآن وهم يدمّرون مدينة غزة بأكملها على رؤوس ساكنيها حيث قتل الجيش الإسرائيلي المعتدي في أيام ما يزيد عن 10000 عشرة آلاف فلسطيني أكثرهم من الأطفال (4000) أي أكثر من وفيات الأطفال في العام في العالم أجمع و النساء ( ما يقارب 3000) في مسلسل القتل اليومي الذي لا يمكن أن يشبع غليلهم المتعطش للدماء وعنصريتهم البغيضة! واللافت أيضاً أنهم يبرّرون مجازرهم اليومية هذه بأنهم يطلبون تحرير أسراهم الذين أُسروا في السابع من أكتوبر فيما عشرات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين يقبعون في المعتقلات والسجون الإسرائيلية منذ عشرات السنين لا لسببٍ إلا قهراً وتنكيلاً في عالم لا يرى سوى منطق القوة وفي سجون لا تشبه إلا سجون النازية المشؤومة.
في قوانين هؤلاء المستكبرين، لا بأس لهذا الكيان أن يقتل الآلاف من الناس فلسطينيين ولبنانيين وغيرهم طالما هم مختلفون عنهم، بل لا يرفّ لهؤلاء الظلمة جفنٌ ولو قُتل الآلاف من الأطفال يومياً طالما هم مختلفون! فهم كمصّاصي الدماء يتغذّون على إهراق دماء الأبرياء يوميّاً وهم الذين جاؤوا الى هذه الأرض واحتلوا منازل الفلسطينيين وقتلوا أطفالهم ونكّلوا بهم وما زالوا يفعلون إلى اليوم بل لعلّ مشاهدة هذه المشاهد المروّعة من الدماء والأشلاء لآلاف الأطفال والنساء تسرّ هؤلاء فيطلبون المزيد والمزيد والمزيد كمصّاصي الدماء تماماً !
ولا أعجب من عطش هؤلاء للدماء طالما هم عنصريون مجرمون محتلّون أقاموا دولتهم بعد مجازر وتنكيل وقهر وتعذيب للآلاف من الشعب الفلسطيني المقهور والمغصوب حقّه منذ عشرات السنين بل أعجب أكثر من الدول التي أعلنت تضامنها مع هذا المحتل الغاصب لأرض فلسطين القاتل للفلسطينيين مرتكب المجازر المروّعة طيلة سنواتٍ طوال وكأن المطلوب من هؤلاء الفلسطينيين أن يموتوا قهراً وقتلاً وتعذيباً وهم صامتون وكأنّ المطلوب من هؤلاء الفلسطينيين المحتلّة أرضهم أن يتنازلوا عن أرضهم وأن يُسجن ويُعذّب أطفالهم ونساؤهم وشيوخهم يومياً وهم ساكنون!
والسبب الثالث وهو الأهم والذي لا يمكن لهذا الكيان أن يستمر بسببه هو أنّ لهذه الأرض شعباً شجاعاً لا يمكن أن يترك أرضه ولو قطّعوه إرباً إرباً بعدما ذاق هذا الشعب الأمرّين بسبب اضطهاد وتنكيل الاحتلال الصهيوني على مدى سنوات وبعد التهجير القسري للملايين من الفلسطينيين من أرضهم إلى الدول المجاورة في لبنان وسورية والأردن وإلى كل دول العالم وبعدما رأى هؤلاء الويلات والذل والهوان بعيداً عن أرضهم. وكثيرٌ من الفلسطينيين من حمل مفاتيح داره معه إلى أرض الغربة على أمل العودة إليها يوماً ما وحلمهم الوحيد أن تتحرّر أرضهم بفضل تدخل الجيوش العربية ليتبيّن لهم لاحقاً أن الأرض لا يمكن أن تُترك للمحتل الغاصب يعبث بها كيفما شاء وأنّ ما من جيشٍ يحرّر الأرض إلا أبناء هذه الأرض وما من أحدٍ ترك بيته وداره و أرضه إلا ذلّ!
وهذا ما ظهر اليوم واضحاً للعيان بعد المجازر الوحشية لهذا المحتل الإسرائيلي الذي قتل الآلاف من الفلسطينيين أغلبهم من الأطفال والنساء ( 70% بحسب تقرير قناة البي بي سي البريطانية )ولكن مع كل هذه الوحشية وهذه المجازر التي لم يُرَ مثلها في التاريخ الحديث ما زال الفلسطينيون يتحدّون العالم بصبرهم وتجلّدهم وتمسّكهم بأرضهم. وأكبر مثال على ذلك مشهد ذلك الطفل وهو يتحدى الجيش الإسرائيلي الغاصب للأرض بأن يدخل غزّة وهو يمازح بأن “أهلاً بالأسرى” وأن كل بيت في غزّة سيصبح لديه أسير من الاسرائيليين إن هم دخلوا غزة.
فالحقيقة الصهيونية التي قامت على الطرح الكاذب القائل ” أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض ” مُسخت وضُربت تماماً وخصوصاً في العالم الغربي الذي استيقظت شعوبه فجأةً على حقيقة واضحة جلية وهي أن لهذه الأرض شعباً مقاوماً صابراً لم يترك أرضه يوماً ولم يتنازل عن حقّه بأيّ شكلٍ من الأشكال ولو قطّعوه إرباً إرباً!.
وفيما هؤلاء الفلسطينيين لا وطن لديهم الا فلسطين فإن المحتلين الاسرائيليين أغلبهم يحمل جنسيتين وكثيرٌ منهم قد أتى مؤخّراً من الدول الغربية ليسكن في بيوت الفلسطينيين بعد تهجيرهم من بيوتهم وفي مستوطنات بنيت على الأرض الفلسطينية وسقيت بدماء الفلسطينيين. وأكبر دليل على هذا الواقع والحقيقة المريرة أن هجمة السابع من تشرين الشهيرة والتي قلبت الكيان رأساً على عقب تسبّبت في قتل وأسر المئات من الأمريكيين والأوروبيين ما يدلّ بالدليل والبرهان على أن أصل هؤلاء ومنشأهم لم يكن يوماً فلسطين. هذا فيما الملايين من أصحاب هذه الأرض من الشعب الفلسطيني قد أُخرجوا من ديارهم بغير حق وهُجّروا من أراضيهم وبلداتهم وقراهم بالقوة وبالمجازر والتنكيل ليتم استبدالهم بالمستوطنين المحتلين للأرض القادمين من أقصى أصقاع الأرض وليتم استبدال أسماء هذه القرى والمدن والبلدات الفلسطينية بأسماء صهيونية عبرية غريبة عن أهل البلد في سابقة هجينة لم يسبقها إليها الا أمريكا التي احتلت البلد وأخذته بالقوة من سكانه الأصليين فيما ما زالت الأفلام الأمريكية حتى الآن تصوّر السكان الأصليين من الهنود الحمر المقاومين لاحتلال أرضهم على أنّهم إرهابيون وقتلة ومجرمون !..
وعلى هذا المنوال وبنفس الطريقة ما زال الفلسطينيون يعيشون تحت وطأة الاحتلال والمجازر والاستيطان والتهجير وتهديم منازلهم أمام أعينهم وقتل أطفالهم ونسائهم وشيوخهم يتكرّر الأمر في كل آنٍ وحين وتحت أنظار العالم أجمع يشمل ذلك كل المنظمات الأممية بما فيه هيئة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وكأن ” إسرائيل ” هي دولة فوق القانون لا يجب محاسبتها ولا مساءلتها بل اللافت والعجيب أيضاً أن هذه الهيئات الأممية لا حول ولا قوة لها إلا في تثبيت الاحتلال وقمع المظلومين ومنعهم من تحرير أرضهم عبر سنّ القوانين والتشريعات لمصلحة المحتل وضد أصحاب الأرض الأصليين!
د. أماني سعد ياسين كاتبة لبنانية