الحرب في وسط شرق أوروبا أمام منعطف جديد... هل يدفع فشل هجوم الصيف المضاد الناتو إلى التفاوض ؟

أربعاء, 2023-08-16 22:42

سجلت منذ منتصف شهر يوليو 2023 زيادة ملموسة في المؤشرات السياسية والعسكرية والاقتصادية من تصريحات وأخبار وتحركات، التي تلمح إلى قرب اللجوء مرة أخرى إلى المفاوضات وبدون التمسك بشروط الغرب القديمة من أجل التوصل إلى اتفاق وتسوية لإنهاء الحرب الدائرة في وسط شرق أوروبا بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلف الناتو من جانب آخر منذ 24 فبراير 2022. على غير ما كان يتردد في الأوساط الغربية الحليفة لواشنطن وتكتل حلف الناتو قبل 4 يونيو 2023 عن أن الهدف من المواجهة هو إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا وإجبار الكرملين على سحب قواته من الأراضي المتنازع عليها مع كييف، غدت هناك مقترحات أخرى من ضمنها وقف إطلاق النار على الخطوط الحالية للمواجهة والتفاوض على المشاكل المسببة لهذه الحربوإيجاد حلول لها. وذهبت بعض مقترحات مقدمة من طرف دول في أمريكا اللاتينية وآسيا إلى حد إجراء استفتاءات في المناطق المتنازع عليها بين كييف وموسكو ليقرر سكانها إلى أي جانب يريدون الانضمام.

رغم التعثر الواضح في مشاريع الناتو العسكرية يبقى المسار الغربي المعلن رسميا قائما وفق سياسة الدعم غير المحدود لأوكرانيا من دون الانخراط بشكل مباشر في النزاع، ولكن هناك إقرارا في أغلب الأوساط الغربية المتحالفة، بأنه أصبح من الصعب التمكن من فرض تسوية على موسكو بفضل تطور عسكري إيجابي للقوات الأوكرانية وعجز روسي اقتصادي وعسكري.

التحول في التوجهات الغربية الأساسية للوصل إلى نصر على حساب موسكو وتحوله وانتقاله إلى التفاوض، عرف نقلته الأكبر بعد تعثر أو فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق يوم 4 يونيو 2023 والذي حشدت أمريكا والناتو فيه ما يفوق قيمته 162 مليار دولار من الأسلحة والذخائر والدعم المادي وعشرات الآلاف من المتطوعين والمتعاقدين العسكريين القادمين من أكثر من 22 دولة غالبها غربي.

 

جولة من المفاوضات  

 

يوم 11 أغسطس 2023 أفاد مصدر دبلوماسي في أنقرة، بأنه "لا يوجد قرار ملموس بعد بشأن استضافة تركيا جولة من المشاورات بشأن أوكرانيا"، منوها في الوقت ذاته باستعداد تركيا للوساطة.

وأضاف المصدر المطلع، أن "أنقرة مستعدة دائما للتوسط من أجل وقف إطلاق نار مستدام وحل النزاع.. وهذا الأمر في عداد المقترحات".

وكان الوفد الحكومي التركي قد شدد، في اجتماع جدة بشأن التسوية الأوكرانية المنعقد مؤخرا، على أن مثل هذا اللقاء لا آفاق له دون وجود روسيا على طاولة المفاوضات، حسبما ذكرته صحيفة "حريت" التركية الموالية للحكومة، في تقريرها يوم الجمعة.

واحتضنت مدينة جدة يومي 5 و6 أغسطس مشاورات حول التسوية في أوكرانيا في غياب الجانب الروسي، حيث حضر الاجتماع ممثلون عن أكثر من 30 دولة، بينها البرازيل وبريطانيا والهند والصين والولايات المتحدة وتركيا وجنوب إفريقيا، والاتحاد الأوروبي.

في العاصمة الأمريكية واشنطن صرح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر يوم 9 أغسطس، إن كييف هي من ستتخذ القرار بشأن إمكانية عقد اجتماع بين الرئيس بوتين وزيلينسكي في دبي، على هامش قمة المناخ المقبلة.

وتقول الإدارة الأمريكية أن القرار بشأن إمكانية عقد اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فلاديمير زيلينسكي، على هامش قمة الأمم المتحدة المقبلة للمناخ "COP28" الذي تستضيفه دولة الإمارات، ستتخذه كييف.

وبحسب ما قاله المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، فإن الجانب الأوكراني مستعد للمفاوضات مع موسكو.

وأوضح ميلر في إفادة صحفية أنه: "بالنسبة لأي اجتماع بين الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي، أود أن أقول إن الأمر متروك للرئيس زيلينسكي لاتخاذ القرار".

وذكرت صحيفة "لوريان لوجور" اللبنانية، في وقت سابق، نقلا عن مصادر دبلوماسية أوروبية، أن "رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مستعد لتنظيم لقاء بين بوتين وزيلينسكي، على هامش قمة الأمم المتحدة المقبلة للمناخ الذي سيعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2023 في دبي".

وبحسب صحيفة "لوريان لوجور"، فقد ناقش الرئيس الإماراتي المبادرة بالتفصيل مع البابا فرانسيس، الذي "أيد الفكرة بحماس"، كما ذكرت أنه قدم فكرته إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي وافق عليها، وأعرب عن استعداده لتقديم المساعدة اللازمة لتحقيق الأهداف.

ورفض ميلر توضيح ما إذا كانت المبادرة المشار إليها قد تم طرحها بالفعل، أو ما إذا كانت وزارة الخارجية والبيت الأبيض يناقشان ذلك، حيث قال: "فليعلق البيت الأبيض على أي مفاوضات قد تجري أو لا تجري مع الرئيس".

 

صعوبة الموسم السياسي 

 

يوم 12 أغسطس حذر وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا من "صعوبة الموسم السياسي المستقبلي على كييف" لافتا إلى أن المزيد والمزيد من الدول ستطالبها بالتفاوض مع موسكو.

ونقل موقع "rbc.ua" عن كوليبا، قوله: "أنا أحذر الجميع. هذه الأصوات ترتفع. سنبذل قصارى جهدنا في إطار القانون الدولي والقانون الجنائي لضمان تلاشي هذه الأصوات".

إلى ذلك صرح كوليبا، لصحيفة "موندو" الإسبانية، بأن "استعداد كييف لتقديم تنازلات إلى موسكو، مرهون بالظروف".

وشدد كوليبا ردا على سؤال من قبل صحيفة "موندو" الإسبانية، عما إذا كان بوسع كييف أن تبدأ المفاوضات قبل انسحاب القوات المسلحة الروسية. قائلا:"هذا يعتمد على الظروف".

كما لفت كوليبا خلال المقابلة إلى أنه لا يرى أي تقدم في وساطة الفاتيكان من أجل حل سلمي للنزاع، لكنه قال أنه دعوة البابا فرنسيس لزيارة أوكرانيا لا تزال سارية.

يذكر أن عدد البلدان والمنظمات التي تتقدم بمبادرات للسلام في أوكرانيا والوساطة في التسوية آخذ في الازدياد، حيث سبق أن تقدمت الصين والدول الإفريقية ومجموعة الاتصال التابعة لجامعة الدول العربية والفاتيكان ودول أخرى بالفعل بمقترحاتها.

وخلال اجتماع جدة بالسعودية في 5 و6 أغسطس، أفادت تقارير غربية عن مسؤولين أوروبيين، بأن كييف لم تتمسك بتنفيذ "خطة زيلينسكي للسلام"، بعد أن كانت تصر عليها في السابق، كما أن السعودية ودولا أخرى اقترحت خطة بديلة ومختلفة عن "خطة زيلينسكي" لحل الأزمة في أوكرانيا، حيث أكدت إبلاغ روسيا بها.

يذكر أنه قبل تصريحات كوليبا بحوالي أسبوع صرح الرئيس الأوكراني، في لقاء مع دبلوماسييه، بأن الضغط الغربي على كييف لحل النزاع مع روسيا سلميا قد يتعاظم في الأشهر المقبلة.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن زيلينسكي قوله إن الوضع سيكون أكثر صعوبة مع تصاعد الضغوط لإيجاد سبل للتفاوض بشأن محادثات السلام في الأشهر المقبلة.

وأشارت الصحيفة إلى أن كييف تواجه خيارا صعبا، مضيفة أن "زيلينسكي يحتاج، من ناحية، إلى الحفاظ على دعم الغرب، الذي قد يتوقف بسبب فشل القوات الأوكرانية في ساحة المعركة. ومن ناحية أخرى، ستعمل أوكرانيا على إيجاد حلفاء جدد لمواصلة القتال".

كما دعا زيلينسكي جميع الدبلوماسيين إلى استخدام جميع الموارد لمواصلة المسار المؤيد لأوكرانيا لحل النزاع، حيث حث موظفيه على الترويج للطرح القائل إن السبيل الوحيد للخروج من النزاع هو "كسب المواجهة مع روسيا".

في برلين اعترفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك يوم 6 أغسطس 2023، بأن نظرة جنوب إفريقيا أو البرازيل أو الصين تجاه ما يحدث في أوكرانيا، تختلف عن النظرة الأوروبية.

وقالت بيربوك لصحيفة Bild am Sonntag تعليقا على المشاورات في مدينة جدة السعودية حول تسوية الأزمة الأوكرانية: "كل مليمتر من التقدم في تحقيق سلام عادل ومنصف يعطي القليل من الأمل لشعب أوكرانيا"، مرحبة بهذه المشاورات.

واعتبرت أن الرسالة التي يبعث بها الاجتماع في جدة هي أن الأحداث في أوكرانيا تؤثر على الناس في مختلف القارات، سواء كانت إفريقيا أو آسيا أو أمريكا الجنوبية.

 

أكثر ما تخشاه كييف

 

أكدت صحيفة "بيلد" الألمانية في تقرير لها يوم 9 أغسطس أن السلطات الأوكرانية قلقة من حقيقة أنها ستضطر في "القريب العاجل" للتفاوض مع روسيا.

وأوضح كاتب المقال بول رونزهايمر، أن السلطات الأوكرانية تخشى أن يضغط حلفاء كييف الغربيين عليها للتفاوض مع روسيا، وإنهاء الأزمة الأوكرانية بأسرع وقت وبشروط محدودة، نتيجة لفشل الهجوم المضاد نظرا لانعدام الجدوى من الاستمرار في دعم كييف.

وأشار إلى أن مخاوف كييف نابعة من الضغط الغربي المتزايد عليها في ظل فشل قواتها في ساحة المعركة، لافتا إلى أن الأمور قد تزداد سوءا بالنسبة لقوات كييف.

وبهذا الصدد تطرق الصحفي إلى اعترافات الجنود الأوكرانيين الذين يقرون بالمشاكل التي يعانون منها في الجبهات. وذكر: "فوجئت بعدد الجنود الذين توقعوا نتائج أفضل من الهجوم المضاد".

وخلص رونزهايمر إلى أن كييف تدرك جديا أنه على القوات الأوكرانية تحقيق نجاح كبير وملحوظ في ساحة المعركة حتى لا يدير لها الغرب ظهره.

وانطلق الهجوم الأوكراني المضاد في الـ4 من يونيو الماضي على محاور دونيتسك وزابوروجيه وأرتيوموفسك، دون أن يحرز أي تقدم يذكر، بل تكبدت قوات كييف حتى الآن عشرات آلاف القتلى وآلاف الدبابات والمدرعات، وخيبت آمال رعاتها الغربيين.

 

تلاشي آمال الغرب

 

أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية يوم 12 أغسطس، بأن الغرب كان يأمل في أن يساعد الهجوم الأوكراني المضاد، إذا نجح، في إجبار روسيا على الدخول في مفاوضات بحلول هذا الشتاء، ولكن هذا غير وارد الآن.

ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين غربيين: "كان المسؤولون الأمريكيون وغيرهم من المسؤولين الغربيين يأملون في أن يؤدي الاختراق الأوكراني الكبير إلى إلحاق ضرر بالقوات الروسية بما يكفي لدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طاولة المفاوضات هذا الشتاء لإجراء مفاوضات جادة حول التسوية. ويبدو أن فرص حدوث ذلك ضئيلة الآن".

وأشارت إلى أن الاستراتيجيين والسياسيين العسكريين في الغرب بدأوا في التفكير في هجوم أوكراني محتمل ربيع عام 2024.

فيما أفادت صحيفة "التايمز" البريطانية، نقلا عن ضابط عسكري أمريكي درب القوات الأوكرانية، أن "الناتو" أمل وتوقع من الهجوم الأوكراني المضاد حدوث معجزة وعدت بها كييف".

وأضافت: "الناتو توقع حدوث معجزات وعد الأوكرانيون بها.. لكن لا يمكن شن حرب على أساس التفاؤل".

وأشارت الصحيفة إلى أن الإخفاقات في الهجوم المضاد أدت إلى تبادل الاتهامات بين كييف وحلفائها.

 

تكتيكات الحرب الأمريكية

تقرير في مجلة "نيوزويك" الأمريكية صدر خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس 2023 يوضح أسباب فشل تكتيات الحرب الأمريكية في أوكرانيا، ويشير إلى أن تدريب حلف شمال الأطلسي للقوات الأوكرانية لم يكن ناجحا كما كان مأمولا. 

ذكر محللون في مجلة "نيوزويك"، إنّ "تكتيكات الناتو الجديدة التي تم تدريب القوات الأوكرانية عليها بسرعة تفشل، لأن أوكرانيا لا تهيمن على السماء".

وأدرجت القوات الأوكرانية مؤخراً أسلوب حلف شمال الأطلسي القتالي في قواتها المسلحة، إلى جانب المعدات الغربية التي وصلتها، مثل الدبابات والعربات المدرعة التي قدمتها الولايات المتحدة.

لكن تقريراً نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أشار كذلك إلى أنّ "تدريب حلف شمال الأطلسي ربما لم يكن ناجحاً كما كان مأمولا". 

وكتبت صحيفة "التايمز" البريطانية أنّ "الجيش الأوكراني وضع جانبا في الوقت الحالي أساليب القتال الأمريكية، وعاد إلى التكتيكات التي يعرفها بشكل أفضل".

وبحسب مجلة "نيوزويك"، هناك سبب رئيسي واحد لذلك، وهو أن "دول الناتو تقدر فعالية الأسلحة المشتركة، حيث تعمل جميع مكونات الجيش معا، ولكن لكي يعمل النهج الغربي بفعالية، فأنت بحاجة إلى جميع العناصر، والعنصر الرئيسي في ذلك هو القوة الجوية"، وفقا للعقيد المتقاعد في الجيش البريطاني هاميش دي بريتون غوردون.

ويقول خبراء إن أسلوب حلف شمال الأطلسي في القتال، الذي يعتمد على السيطرة على السماء، لم يختبر إلا في السنوات الأخيرة في الساحات التي كان للحلف فيها تفوق جوي. 

إذ "لم يشهد أي عضو حي في القوات المسلحة للناتو قتالا قريبا لما شهده الأوكرانيون خلال الأشهر الـ 18 الماضية، فطريقة حلف شمال الأطلسي في الحرب البرية لم تختبر بجدية ضد خصم دولة كبرى"، يؤكد ديفيس إليسون، المحلل الاستراتيجي في مركز لاهاي للدراسات الأمنية.

وأضاف أن "القوات المسلحة الأوكرانية خضعت لتدريب سريع للتخلص من عقيدة الحقبة السوفياتية، وهو أمر لا يختلف كثيرا عن الأساليب التي تستخدمها قوات موسكو"، ولكنه لفت إلى أن "بعض عناصر هذه العقيدة الراسخة تختلف اختلافا جوهريا عن الطريقة التي تعلّم بها القوات الغربية أوكرانيا الآن القتال، وذلك إضافة إلى نقص هائل في الأفراد ذوي الخبرة تعانيه كييف".

ويتساءل المحللون في الصحافة الغربية منذ فترة طويلة عما إذا كان تدريب أوكرانيا سيترجم إلى نجاح في ساحة المعركة، ومع تحقيق مكاسب صغيرة فقط في أسابيع من القتال ضمن الهجوم الأوكراني المضاد، واجهت أوكرانيا انتقادات بسبب بطء وتيرة التقدم، وهناك مخاوف بشأن أداء كييف أمام دفاعات موسكو المتحصنة في شرقي وجنوبي أوكرانيا.

 

الترقب

 

في انتظار اتضاح المواقف تتواصل حرب التصريحات وتبادل التهم بالتقصير.

صرح مستشار مكتب الرئيس الأوكراني، ميخائيل بودولياك، بأن نقص الأسلحة الذي تعاني منه قوات كييف المسلحة كبير جدا، ويصل إلى مستوى العجز البالغ بالنسبة للقتال.

وذكر بودولياك إن "السلاح ليس كافيا، بل إنه قليل. ومن وجهة نظر التكافؤ في القتال، إنه بالفعل عجز كبير".

وطالب بودولياك بالمزيد من الصواريخ والذخيرة من العيار الثقيل من الدول الغربية، وبحسب قوله، فإن هناك "نقصا" في معدات إزالة الألغام، حيث أشار إلى أنه يجب على أوكرانيا أن "تزيد بشكل كبير من قدرتها على إصلاح المركبات المدرعة بسرعة".

وفي الوقت نفسه، أضاف بودولياك أن القضية الرئيسية في المفاوضات مع الشركاء الغربيين هي نقل أنظمة الدفاع الجوي ومقاتلات "إف-16" إلى كييف.

وحذر ميخائيل بودولياك، الاتحاد الأوروبي من إمكانية اندلاع حرب شاملة في أوروبا في حال التوقف عن تقديم الدعم العسكري لكييف.

وأكد إنه "بمجرد توقف الدعم بلأسلحة ... سيعني ذلك تصعيدا حادا للحرب في أوروبا، وسوف تبدأ الحرب في بلدان أخرى، وسوف يزداد عدد الهجمات الإرهابية في أوروبا بشكل كبير، ولن يكون باستطاعة الأوربيين الجلوس في المطاعم وتناول الكرواسان بهدوء".

في نفس الوقت أكد بودولياك، أن الهجوم الأوكراني المضاد يسير وفقا للخطة. مفندا ما يؤكده سياسيون وعسكريون مؤيدون ومعارضون لكييف عن فشله فشلا ذريعا.

وأكد بودولياك: "العمليات الهجومية تسير وفقا لخطة هيئة الأركان العامة وهم يقومون بعمليات هجومية بشكل فعال". ووصف التصريحات التي تتحدث عن بطء الهجوم بأنها طفولية.

وأضاف بودولياك: "الأفضل لهم أن يشاهدوا "رامبو" بدرجة أقل ويقرأوا كتبهم المدرسية أكثر، عندها ستكون هناك طفولية أقل وتوقعات هوليودية لتطور الأحداث بشكل أقل".

تصريحات بودولياك المتناقضة تتعارض مع ما أعلنه منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، التي أكد فيها أن واشنطن أعطت الأوكرانيين كل ما طلبوه استعدادا لهجومهم المضاد، مشيرا إلى أن هذا الهجوم يجري بوتيرة أقل مما كان متوقعا، وأن مواصلته ستزداد صعوبة بحلول الخريف.

يذكر أن رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيف بوريل، كان قد صرح يوم 10 مايو 2023 بأنه يمكن وقف النزاع في أوكرانيا على الفور بسهولة. وأضاف في حديث تلفزيوني: "أعرف كيف يمكن إنهاء هذه الحرب على الفور: يجب التوقف عن تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا، ويجب أن تستسلم أوكرانيا خلال أيام قليلة. هذا كل شيء، بذلك ستنتهي الحرب".

لكن بوريل تساءل عما إذا كان السلام الذي يتم تحقيقه بهذه الطريقة يلبي مصالح الغرب، وقال: "السلام في أسرع وقت ممكن، ولكن أي سلام هذا؟". وشدد بوريل مجددا على ضرورة الاستمرار في تقديم الدعم لأوكرانيا.

 

تقديرات متضاربة

 

يوم 12 أغسطس 2023 أكد لاري جونسون المحلل السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في تصريحات على شبكات إخبارية أمريكية، أن قرار شن هجوم مضاد بدون الأسلحة اللازمة كبد قوات كييف خسائر فادحة.

وأضاف جونسون: "نتيجة للهجوم، فقدت القوات الأوكرانية حوالي 60 ألف جندي وهذه أعداد هائلة لحد الجنون. في رأيي، ما فعلوه مع هؤلاء الرجال جريمة".

وأكد أنه لم يكن لدى أوكرانيا أي فرصة للنجاح من البداية، لكن السياسيين الغربيين أقنعوا الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بخلاف ذلك.

وأكد أن السبب الرئيسي لهزيمة القوات الأوكرانية هو عدم توفر الكمية المطلوبة من المعدات ومنظومات الدفاع الجوي.

من جانبها ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن خسائر القوات الأوكرانية تجاوزت 150 ألف قتيل وجريح منذ فبراير 2022، مع تزايد مشاكل توفير قوة قتالية مناسبة نتيجة رفض الكثيرين الالتحاق بالتجنيد ومغادرة البلاد أو دفع الرشاوى لمسؤوليالتجنيد ومحاولة الفرار.

كما أنه وبسبب الخسائر الفادحة خلال الهجوم المضاد، وكذلك لحماية قطاعات أخرى من الجبهة، ولا سيما بالقرب من كوبيانسك، تحتاج أوكرانيا إلى تجديد صفوف قواتها المسلحة بشكل كبير، وفق الصحيفة.

ووسط عمليات الفرار الكبيرة من التجنيد التي تشهدها كييف، يتم اعتقال ما معدله 20 شخصا يوميا، يحاولون السفر بشكل غير قانوني إلى الخارج. وفق بيانات دائرة الحدود الأوكرانية.

موازاة مع مقال الصحيفة الأمريكية ويوم الجمعة 11 أغسطس أعلن زيلينسكي عقب اجتماع خاص لمجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، طرد جميع رؤساء شعب التجنيد، مشيرا إلى أن "السخرية والرشوة خلال الحرب تعتبر خيانة عظمى".

ولفت زيلينسكي إلى تعيين بدلاء لهم تحت إشراف القائد العام للقوات المسلحة الاوكرانية فاليري زالوجني.

وكانت السلطات الأوكرانية، قد اعتقلت مسؤولا عسكريا سابقا رفيع المستوى لتورطه في الفساد، حيث راكم ثروة ضخمة من الرشاوى مقابل منح إعفاءات من التجنيد.

 

نظرة سوداوية

 

في الولايات المتحدة الأمريكية ومع مواصلة إدارة الرئيس بايدن مطالبة الكونغرس بتخصيص مزيد من الأموال لدعم كييف، يتصاعد الجدل بين المسؤولين العسكريين والأمنيين الحالين والسابقين حول نجاح التكتيك الأمريكي في مواجهة روسيا عسكريا واقتصاديا، ويحاول كل طرف ترجيح وجهة نظره خاصة بعد أن بينت استطلاعات الرأي التي إجريت خلال شهر يوليو 2023 أن أغلبية من الأمريكيين لا يرغبون في استمرار استنزاف أموال دافعي الضرائب لدعم أوكرانيا.

يوم 12 أغسطس أعلن المستشار السابق للبنتاغون دوغلاس ماكغريغور، تزايد مستوى الاستياء في صفوف الجيش الأوكراني بسبب عدم تحقيق أي نجاحات على الجبهة، فضلا عن فرار المتطوعين الأجانب من خطوط المواجهة.

وأشار العقيد المتقاعد عبر قناته في موقع "يوتيوب"، إلى أنه "حتى المرتزقة الأجانب الذين قاتلوا في البداية بحماسة شديدة إلى جانب أوكرانيا يغادر معظمهم الآن، لقد جمعوا أغراضهم وفروا. ربما بقي البولنديون منهم فقط".

وبحسب ماكغريغور، قد تصبح حالات الفرار أيضا بوتيرة أكبر في صفوف القوات المسلحة الأوكرانية ونتيجة لذلك، سينقسم الجيش الأوكراني، ثم يهزم بالكامل في وقت لاحق.

وأضاف: "لا أستطيع أن أقول بالضبط متى سيحدث ذلك، لكنني أعتقد أننا قريبون منه بالفعل".

وخلص العقيد المتقاعد إلى أن الجنود الذين لا يسجلون نتائج واضحة فإنهم لا يفقدون معنوياتهم فحسب، وإنما يتوقفون أيضا عن رؤية الهدف من استمرار الأعمال القتالية.

 

تفاؤل 

 

جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم 13 أغسطس على موقع الحرة التابع للإدارة الأمريكية: بعد شهور من التقدم البطيء عبر حقول الألغام والقرى والسهوب المفتوحة في قتال شرس، تحرز القوات الأوكرانية تقدما نسبيا أكبر على طول خطين رئيسيين للهجوم، وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسؤولين أوكرانيين ومحللين.

ويقول المحللون العسكريون إنه "على الرغم من صغر مساحة الأراضي المستعادة نسبيا، فإن التقدم الأوكراني يجبر موسكو على تحويل قواتها إلى أجزاء أخرى من خط المواجهة".

ووصف معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، التقدم الأوكراني بأنه "مهم من الناحية التكتيكية"، قائلا إن إعادة انتشار موسكو "من المرجح أن تزيد من إضعاف الخطوط الدفاعية الروسية بشكل إجمالي، مما يخلق فرصا لأي اختراق أوكراني يمكن أن يكون حاسما".

هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية قالت إنها حققت "نجاحا جزئيا في روبوتين بمنطقة زابوريجيا"

وصرح مسؤولون عسكريون أوكرانيون، يوم السبت 12 أغسطس 2023، إن قوات كييف أحرزت تقدما في الجنوب وسيطرت على أراض‭ ‬لم يتم الكشف عنها كما أعلنت عن تحقيق بعض النجاحات قرب قرية روبوتين الرئيسية.

ومنذ يونيو، يشن الجيش الأوكراني هجوما مضادا بهدف استعادة الأراضي التي أصبحت تحت سيطرة روسيا، وسط آمال كبيرة في تكرار اكتساحه بمنطقة خاركيف خلال الخريف الماضي.

لكن هذه الآمال تبددت وسط خسائر فادحة، مما دفع القادة إلى تغيير الاستراتيجية من الهجمات المباشرة إلى "حرب الاستنزاف" والقبول بتحقيق مكاسب "ثابتة وقليلة"، مع الحفاظ على الموارد، وإضعاف تلك التي يملكها الروس.

ومع ذلك، قالت وكالة المخابرات العسكرية البريطانية، السبت، إن القوات الروسية واجهت "استنزافا شديدا بشكل خاص ومعارك عنيفة على خط المواجهة". 

 

استهداف شبه جزيرة القرم

 

في غضون ذلك، سعت أوكرانيا للوصول إلى ما وراء خط المواجهة باستخدام صواريخ بعيدة المدى قدمها الحلفاء الغربيون، لضرب شبه جزيرة القرم وما حولها، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هدف كييف هو "تقويض موقف روسيا في المنطقة، وجعل من الصعب على موسكو دعم قواتها في جنوب أوكرانيا".

والسبت، استهدفت أوكرانيا الجسر الوحيد الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي مجددا، في تصعيد لحملتها لعزل شبه الجزيرة التي ضمتها موسكو في 2014.

وصرح حاكم شبه جزيرة القرم الذي عينته روسيا، سيرغي أكسيونوف، إن "صاروخين أوكرانيين" أُسقطا فوق مضيق كيرتش خلال ساعة مبكرة من صباح السبت. وبعد ساعات، قال المسؤول الروسي نفسه، إنه "تم اعتراض صاروخ آخر في المنطقة". 

من جانبها، قالت وزارة الدفاع الروسية، إن القوات الأوكرانية "حاولت ضرب الجسر بصاروخ أرض جو".

وأظهر تسجيل مصور بثته وسائل إعلام رسمية روسية وأوكرانية، تصاعد الدخان على امتداد الجسر الذي افتتحه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شخصيا عام 2018، على الرغم من أن الروس قالوا إن ذلك كان "مجرد حاجز دخان يهدف إلى حماية الجسر".

ولم يعلق المسؤولون الأوكرانيون على الضربات بشكل رسمي، رغم أن كييف وضعت استعادة شبه الجزيرة ضمن قائمة أهدافها.

وقال ميكولا بيليسكوف، الباحث بالمعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية ومقره كييف، وهو مركز فكري تدعمه الحكومة: "عندما لا يكون هناك تقدم كاف على خط المواجهة، تزداد أهمية هذه الضربات".

ومن خلال إيقاف تجديد الإمدادات من شبه جزيرة القرم وإليها، تأمل أوكرانيا في أن تتمكن قواتها المحدودة من جعل الحياة والعمليات العسكرية في المنطقة التي تسيطر عليها روسيا "غير ممكنة"، مما يؤدي إلى "نوع من التراجع أو التفاوض أو تسهيل استعادة أوكرانيا لشبه الجزيرة"، وفقا لمحللين عسكريين.

ويعتقد محللون أن "الأضرار التي لحقت بالجسر وتنفيها موسكو، ستجبر على الأرجح القوافل العسكرية الروسية على استخدام طريق أطول بين شبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا".

وذكر أوليكسي ميلنيك، المدير الشريك للعلاقات الخارجية وبرامج الأمن الدولي بمركز رازومكوف، وهو مركز أبحاث مقره كييف، إن "المسافة عبر المعابر البديلة بالقرب من أرميانسك، أبعد بواقع 120 كيلومترا".

وأوضح أن ذلك "يزيد الوقت الذي تستغرقه القوافل العسكرية الروسية للوصول إلى خط المواجهة بواقع 3 ساعات"، مضيفا أن "اللوجستيات تتعلق بالحجم، لكنها أيضا تتعلق بالسرعة".

 

حاكم البيت الأبيض

 

يقول الكاتب البريطاني ريتشارد كيمب إن الوقت ليس لصالح أوكرانيا في هجومها المضاد الطويل الأمد، فإنها تقاتل ليس فقط ضد أقوى الدفاعات الروسية ولكن أيضا ضد تقلبات طقس أوروبا الشرقية والسياسات الانتخابية الأمريكية.

وأوضح كيمب في مقال له بصحيفة ديلي تلغراف نشر آخر شهر يوليو 2023، أنه لا يمكن التنبؤ بالحرب أكثر من أي نشاط بشري آخر، ولا يمكن لأحد، ولا حتى أولئك الذين يديرون الأحداث في كييف أو موسكو، معرفة ما إذا كانت أوكرانيا ستنجح أو إلى أي مدى. ولكن بعد قضاء شهرين ثمينين في محاولة تشكيل ساحة المعركة، مع اقتراب الخريف، لم يتبق سوى أسابيع قليلة قبل أن يتعثر أي تقدم مدرع. وهذا يعني أن العمليات الهجومية الكبرى يجب أن تتوقف مؤقتا على الأقل حتى بداية فترة التجمد في الشتاء في نوفمبر المقبل وربما حتى الربيع.

وأضاف أن هذا مفهوم جيدا وسيتم بناؤه في خطط القتال من قبل كل من أوكرانيا وروسيا. ولكن هناك مشكلة أكبر من الشتاء، الذي يمكن أن يعمل لصالح أي من الجانبين المتحاربين، وهي الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وأوضح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيتمنى أن تنتهي هذه الحرب قبل بدء موسم الانتخابات، لأنه يعلم أنها لا تحظى بالتأييد بين الكثير من سكان الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يؤدي استمرار القتال إلى خسارة الأصوات بدلا من الفوز بها، خاصة إذا ساءت الأمور بالنسبة لأوكرانيا، حيث سيتم إلقاء اللوم على بايدن في صناديق الاقتراع.

 

خسارة الأسلحة الأمريكية

 

تطرق موقع "ذا مسنجر نيوز" الأمريكي في مقال يوم 11 أغسطس إلى موضوع المساعدات والأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة والغرب لأوكرانيا منذ بدء الحرب. 

وأشار الموقع إلى أنّ المساعدات العسكرية اقتصرت في بداية الحرب، على نوع معين من الأسلحة والمعدات، لكن المساعدات المفترض تقديمها الآن تشتمل على بعض من أقوى وأغلى الأسلحة والمركبات في ترسانة الولايات المتحدة، بما في ذلك دبابات القتال "M1 Abrams" وأنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت، وقاذفات صواريخ هيمارس.

وأوضح الموقع أنّ "الحقيقة المؤسفة لكل من الأوكرانيين وداعميهم الأجانب هي أن العديد من هذه الأنظمة قد تم تدميرها بالفعل".

وبناء على التقديرات التي نشرها الموقع، فإن ما يصل إلى 20 في المئة من الأسلحة التي نقلتها أوكرانيا إلى الجبهة في الأسبوعين الأولين من هجومها المضاد الحالي - بما في ذلك العديد من المنصات الغربية الموردة - تضررت أو دمرت.

وذكر التقرير أن معدل الخسارة الفادح أجبر الأوكرانيين على تعديل تكتيكاتهم، وقد تضعف قدرة الغرب على مواصلة تقديم مجهودهم الحربي، وفق المعلومات المنشورة.

ولفت التقرير أيضا، إلى أن أحد أنظمة الأسلحة التي تعرضت لضرب شديد بشكل خاص، هو مركبة القتال الأمريكية "برادلي".

وفي تقرير نشر في شهر يونيو، أظهر أن المعدات العسكرية الأمريكية في ساحة المعركة في أوكرانيا تواجه مشكلات عملية في الميدان، سواء من ناحية الصيانة أو الكلفة أو سهولة الاستخدام، حتى أن البعض وصفها بالخردة الغالية الثمن.

 

عمر نجيب

[email protected]