تفْتَتَحُ السنة الدراسية اليوم الإثنين التاسع عشر أكتوبر بمشيئة الله عز وجل وفق بيان رسمي من وزارة التهذيب الوطني بعد تأجيل دام خمسة عشر يوما أَمْلَتْهُ و فَرَضَتْهُ علي ما يبدو "طوارئُ " صحيةٌ و "بَشَاِئرُ" مناخيةٌ و بعد عطلة أو "عُضْلَةٍ" دراسية "ابْتَلَعَتْ" ما ناف علي أربعة أشهر أي ما يزيد علي ثلثي العام الدراسي الذي لم يعد يتجاوز صافي ستة أشهر!! و قد تُرِكَ الأطفال طِوَالَ تلك العطلة الدراسية فريسة سائغة لسلطان الشارع الفاسد و سُمُومِ القنوات "الفَضَائِحِيًةِ" و الألعاب الألكترونية "المُدِرًةِ للعُنْفِ" و الفراغ الطويل الذي هو "رَحِمُ" الفشل و الانحراف.
و قد عرفت السنة الدراسية المنصرمة أطول "فراغ" دراسي و أدني نسب نجاح في الامتحانات الوطنية الكبري رغم أنها السنة المُعْلَنَةُ رسميا "سنة التعليم" و إن تم خلالها إنجاز بعض الإصلاحات "بالتقسيط" و "التجزئة" كالشروع في تشييد العديد من البني التحتية المدرسية و تنظيم ورشات تخصصية شخصت بعض الاختلالات و اقترحت التصحيحات المناسبة في ظل غياب مَعْرُوفِيًةِ أو مَقْرُوئِيًةِ مُقَارَبَةٍ تعليميةٍ شاملةٍ محددةِ الأهداف معلومةِ الوسائل مُبَيًنَةِ آجال التنفيذ و مُوَضَحَةِ وسائل التقييم و المتابعة...
و يُعاني التعليم في موريتانيا من جملة من المعوقات منها مثلا لا حصرا: ضعف الجاذبية و البيئة الطاردة ماديا و معنويا و تَقَاُعُد أو قرب تقاعد قدامي الأطر و مُسْتَوْدَعَاتُ الخبرة و الحكمة و التجربة و إحالة بعض المشهود لهم بالكفاءة و " الطًهَارَةِ المَالِيًةِ" إلي الهامش و التقاعد المُسَبًقِ و "تَوَلِي" وِفِرَارُ و تَسَرُبِ الكفاءات الشابة وشُحُ الوسائل المادية و "عَمَي" المناهج التربوية و إسناد تدبير و تسيير "أمر" المشروع التعليمي إلي غير أهله و"صَارُوخِيًةِ التًدَاوُلِ" علي الوظائف القيادية الأولي و "خُمُولِ" الأداء النقابي التربوي و الطلابي و تنامي الطلب و الحرص العائلي علي الكم و الكيف الدراسي...
ولكن أخطر ما يُهدد المشروع التعليمي الوطني هو ما يلاحظ من "تَعَدُدِ التًسَارُعَاتِ" التعليمية Enseignement à plusieurs vitesses و هو ما يمثل فَالِيًةَ الأَفَاعِي لخطر مجتمعي مَاحِقٍ فالمدرسة الموريتانية اليوم تكاد تنقسم إلي مدارس طبقية توفر عوازل بين الأغنياء و الفقراء و مدارس عرقية تتمايز فيها المكونات العرقية للبلد و مدارس شرائحية ترسخ التراتبية الاجتماعية الظالمة و مدارس أجنبية شرقية و غربية؛ الجميع بلا ضابط و لا رابط و لا قاسم مشترك كل يُنْفِقُ مما عنده و "يُغَنِي علي لَيْلاَهُ" و يُعَلِمُ المنهج التربوي الذي يَحْلُو له و كأن الأمر لا يتعلق بتعليم وطني جمهوري يجب أن يكون صَاهِرًا وَاحِدًا و مُوَحِدٍا أو أن مهمة التعليم عندنا علي عكس جميع دول و مناهج العالم هي الإعداد و التحضير لِصَدامٍ طَبَقِي و عِرْقِي و شَرَاِئحِي و "فوضوي خَلاًقٍ" نحن عنه في غَفْلَةٍ سَاهُونْ. ..
و بمناسبة بداية العام الدراسي فإني أقدم التهنئة و أرفع الدعاء بمباركة الابتداء لكافة الأسرة التربوية بَدْءً بوكلاء التلاميذ و التلاميذ و انتهاء بالطاقم التربوي المُوَسًعِ مُقَدِمًا بعض الاقتراحات التي أَحْسَبُ أن من شأنها إن قُدِرَ لها أن تري النور دراسةً و نظرًا أو تطبيقًا و عملاً أن تُحَرِكَ مياه التعليم الساكنة و الراكدة إن لم أقل المتجمدة و المتحجرة:
أولا: تنظيم حفل كبير لافتتاح السنة الدراسية: و يُستحسن أن يرأس حفل الافتتاح هذا رئيس الجمهورية أو الوزير الأول علي الأقل بإحدي المؤسسات التربوية بمقاطعة الرياض و ما أدراك ما مقاطعة الرياض!! و أن يكون مناسبة لثلاثة خطابات أولها بيان تفصيلي مقدم من وزير التهذيب الوطني عن الافتتاح و ظروفه و الأهداف العملية الرقمية المرسومة للسنة الدراسية و ثاني الخطابات يقدمه ممثل النقابة الأكثر تمثيلا لعمال التربية و التعليم أما الخطاب الثالث فينبغي أن يلقيه رئيس اتحادات روابط آباء التلاميذ علي أن يختتم الحفل بمؤتمر صحفي يرأسه وزير التهذيب الوطني.
ثانيا: استحداث جوائز مادية قيمة تساوي نصف مبالغ جوائز شنقيط علي الأقل تُخصص للتلاميذ الأوائل من مختلف شُعَبِ الشهادات الوطنية: شهادة الدروس الابتدائية، شهادة الدروس الإعدادية، الباكلوريا، اللصانص و الماستر وتمنح تلك الجوائز أيضا لستة أساتذة بمعدل أستاذين لكل سلك تربوي يتم اختيارهم بالقرعة من ضمن لائحة اقتراح بالأساتذة المتميزين تُرْسِلهَا الوزارة نهاية كل عام دراسي إلي مجلس جوائز شنقيط علي أن تقدم كل هذه الجوائز من طرف مجلس جوائز شنقيط خلال حفل توزيع الجوائز السنوية هذا بالإضافة إلي تنظيم حفل غداء خاص مع رئيس الجمهورية يحضره أعضاء مجلس جوائز شنقيط و التلاميذ المُكَرًمُونَ و وكلاؤهم والأساتذة المُكَرًمُونَ و أحد أفراد عائلاتهم؛
ثالثا: مراجعةُ النص القانوني أو النظامي المنشئ للمفتشية العامة للتعليم سبيلا إلي توسيع صلاحيات و استقلالية المفتشين و منحهم امتيازات مادية تساوي علي الأقل ثلاثة أرباع الامتيازات الممنوحة للمفتشين العامين للدولة و ذلك سبيلا إلي ضبط التسيب الحاصل في قطاع التعليم عموما و التعليم الحر خصوصا علي أن يتم حل التشكيلة الحالية للمفتشية العامة للتعليم ابتغاء تنظيم مسابقة كاملة الشفافية لاكتتاب المفتشين ضمن مسطرة معايير عادلة و مساوية للفرص؛
رابعا:إرساءُ التمييز الإيجابي داخل مؤسسات التعليم الخاص: و ذلك تفاديا للطبقية و العرقية و الشرائحية و تعزيزا للتنوع و التضامن و المُوَاطَنِيًةِ من خلال تحديد سقف أعلي و سقف أدني للرسوم المدرسية حسب المناطق الجغرافية و إضافة مبلغ يساوي 5 في المائة من الرسوم المدفوعة عن كل تلميذ يسمي "إضافي التضامن الوطني" توجه عائداته إلي تغطية تكاليف رسم تسجيل 20 في المائة من تلاميذ كل مؤسسة تعليم حر و تخصص نسبة 20 في المائة هذه للمنحدرين من الفئات الأقل حظا في التعليم علي أن يتم التشاور مع مختلف الفاعلين حول معايير انتقاء المستفيدين.
خامسا: استشراف ما بعد إعلان " 2015 سنة التعليم": و يجدر أن يُعْهَدَ بالدراسة و الاستشراف إلي مكتب استشاري خاص مشهود له بالاستقلالية و القوة في الحق ابتغاء إبراز الإنجازات و النجاحات و تبيان الأخطاء و الإخفاقات و اقتراح خطة عِلْمِيًةٍ،عَمَلِيًةٍ واقعية و قابلة للتنفيذ من أجل " إنقاذ" قطاع التعليم الذي هو المضغة التي إذا صَلُحَت صَلُحَ الوطن كله و الذي هو سلاح ذو حدين فإن كان ناجحا صالحا كان رَافِعَةَ تنمية و بِنَاءٍ و إن كان فاشلا فاسدا كان مِعْوَلَ هَدْمٍ و فَنَاءٍ و إذا تركته النخب الوطنية موالاة و معارضة و كبار علماء و مثقفين مقيمين أو مهاجرين علي ما هو عليه الآن من تَخَبُطٍ و تَرَدِي فلا أستبعد أن يقول أحد فقهاء القانون المجتهدين بأن هذا المستوي من "اللاًوَعْيِ" و "اللاًمَسْؤُولِيًةِ" لدي النخب الوطنية العليا يمكن تصنيفه ضمن جَرَائِمِ "عَدَمِ مُسَاعَدَةِ قطاع تعليمي فِي خَطَرٍ"!!.