المظاهر المتتعدّدة في مونديال كأس العالم في قطر و التي تُظهر و بوضوح وحدانية الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، و إلتفافه حول قضيته المركزية فلسطين لم تفاجئنا نحن أبناء الشعب العربي الواحد، و لكنها فاجئت كلاً من الأنظمة الرسمية العربية و دوائر القرار في العالم. الأنظمة الرسمية العربية ترتكز في وجودها و استمرارية بقائها في السلطة على دعاية ممنهجة تبثّها باستمرار عبر أجهزتها الإعلامية المتعددة ضد فكرة القومية العربية و ضد أي أمل بوطن عربي موحّد. و هذا متوقّع منها لأنّ وطن عربي واحد يعني زوالها. هذه الدعاية يردّدها من هم في كنف النظم الرسمية و الدوائر الملتفة حولها و المستفيدون منها، و قد تنطلي على بعض أفراد من الشعب العربي بحسن نيّة و بدون تمحيص. و لذلك نري البعض منهم ينبري لمهاجمة القومية العربية و كأنها آفة من آفات العصر أو رجعية متخلفة، مع أنّ الوضع الجيوسياسي للمنطقة العربية يثبت من الناحية الواقعية عدم إمكانية تحقيق الاستقرار فيها، و بالتالى النهضة الشاملة و الدفاع عن مقدراتها و صيانة حقوق و كرامة شعبها، إلاّ بوجود كيان متّحد (اتحاد فيدرالي كامل). العالم العربي يجمعه تاريخ مشترك و لغة واحدة و قومية جامعة ووحدة جغرافية متواصلة و دين واحد (في معظمه). و لذلك فإنّ العرب أولى بأن يكوّنوا وطنا موحداً من كثير من الإتحادات العالمية مثل الهند و الصين و روسيا، التي يتكون كلٌّ منها من عشرات القوميات و الثقافات و الأديان و اللغات المختلفة و مع ذلك أوطان موحدة!
دوائر القرار في العالم تفاجئت أيضاً و هي التي سعت وتسعى دائما لبث الفرقة بين ابناء الشعب العربي الواحد و وضعت الحدود المصطنعة منذ سنة 1916 عبر اتفاقية "سايكس-بيكو" و زرعت الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية لتفتيتها . ذلك يرجع الى الحقائق التي تميز الأرض العربية كملتقى لثلاث قارات و كخازنة لثروات طبيعية متنوعة و كنقطة تقاطع للحضارات العالمية الرئيسية القديمة، و كمنبع للأديان السماوية، ما جعلها "بؤرة كامنة لصراع الحضارات"! فلا عجب- إذن- أن يكون التآمر على المنطقة العربية بصورة أكثر تركيزا بسبب مميزاتها السابقة. و حيث أنّ الوضع العربي الحالى المفكّك لا يستطيع مواجهة التحديات المصيرية للأمة العربية، نجد القوى العالمية-التي تدرك ذلك جيداً- تعمل كل جهدها لعرقلة ما يحلم به أبناء الشعب العربي بقيام إتحاد عربي على أسس ثابتة.
المشروع العربي الذي لا يكف السياسيون العرب عن الحديث عنه و ضرورة وجوده لمواجهة التحديات المصيرية للأمة العربية لا يمكن أن يكون مشروعاّ للأنظمة الرسمية، حيث انّ كل ما ألمّ الوضع العربي من تفتت و إنحدار هي المسئولة عنه. و ستقودنا بالتأكيد إلى مزيد من الإنهيار و الضعف في المستقبل. المشروع العربي يجب ان يتبناه الشعب العربي بطرق مبتكرة. و لهذا جاءت مبادرة "الوطن العربي الإفتراضي" [1] كإحدى المسارات الواقعية لتجسيد الرغبة الملحّة للشعب العربي في الإتحاد على أسس علمية و منهجية و كبديل لحالة الغياب العربي السائدة.
المبادرة تمثّل مساراً عملياً مبنيّاً على مراحل للتنفيذ مع جدول زمني، و تستفيد من مميزات الفضاء الافتراضي لتوحيد العالم العربي على أُسسٍ علمية و منهجية. مخاطبةً اللّبنة الأولى في الكيان العربي، و هي الإنسان العربي نفسه، ترتكز المبادرة على أساسين رمزييّن (العلم و بطاقة الهوية) و على قاعدة دستورية (الدستور الافتراضي ) و على خمس برامج عملية، ثلاثة منها تتعامل مع الحاضر و اثنتان تحضّر للمستقبل. و المبادرة تستهدف القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق و الإنقسام العربي و التي تتمثّل في أمرين أولهما غياب- أو تغييب- الوعي الكامل عند الإنسان العربي بالحقائق الجيوسياسية للوطن العربي، و ثانيهما الإحباط المتراكم عند المواطن العربي بسبب فشل محاولات سابقة متسرعة للوحدة العربية حتى أصابه كثير من اليأس من امكانية تحقيقها!
الهدف الأساسي التي تقوم عليه المبادرة،إذن، هي معالجة هذين الأمرين -عبر مخاطبة العقل الجمعي العربي بواسطة "برنامج الإقناع" من خلال كشف و بيان الحقائق الخاصة بالوضع العربي من كل الجوانب و بشكل علمي منهجي و ملموس، تثبت الحاجة البديهية و الملحة لوجود الكيان العربي الموحّد بشكل عقلاني. و كذلك إنتشال عقل الإنسان العربي من حالة الإحباط عبر الدعوة- و الحثّ- الى التفكير، حيث أن مجرد بدء المرء في التفكير الجدي في مشكلة ما، هو أول الطريق الصحيح و الآمن للوصول الى التغيير الإيجابي.
المبادرة تهتم ببناء الوطن العربي الموحّد في عقول أبنائه أولاً، معتبرةً أن البناء في العقول يمثل أقوى و أكثر الأبنية ثباتا و استقراراً ، و بالتالي ستضعف تدريجيا القاعدة الصلبة التي تقف عليها أعمدة التفرّق و الإنقسام العربي، و ستصبح رخوة، و ما تلبث أن تبدأ هذة الأعمدة بالسقوط بصورة ذاتية! و ستنهار تدريجياً كل ركائز و شواهد الإنقسام العربي، و حينها سيتجه الشعب العربي بصورة طوعية و حضارية (هو من يقرر توقيتها و كيفيّتها) لتجسيد و تطبيق الإتحاد فعلياً على الأرض.
و لا تنتمي المبادرة لأي اتّجاه أو حزب سياسي أو حركة فكرية ما، و لا تسعى لذلك، بل تمثّل قاسماً مشتركاً بين مختلف التوجّهات الفكرية و السياسية والأيديولوجية. وهي خطة منهجية لا تمثّل حركة ثورية، و ليس في منهجها الدعوة الى مسيرات شعبية أو أي عمل حركي، و لا تحتاج لذلك! لمزيد من التفاصيل، يرجى الإطلاع على منصة المبادرة: http://virtualarabwatan.com
(تهنئة واجبة: ألف مبروك للمنتخب العربي المغربي انجازه الرائع و تأهله لنصف نهائي كأس العالم -مبروك لكل الشعب العربي)