من الممكن أن نرصد خمسة ملفات فى هذا الصدد ونبحث فى مدى التوافق فى سلوك إيران ومواقفها وبين قواعد القانون الدولى.
الملف الأول: هو مضمون العلاقات الروسية الإيرانية
هذا الملف تستفيد منه إيران من عدة أوجه الوجه الأول أن القوات الروسية فى سوريا تغطى الاجواء السورية سوى الاتفاق بين إسرائيل وروسيا على استثناء إسرائيل من عملياتها ضد القوات الإيرانية والجيش السورى وفى هذا المقام مادامت إيران تتعاون من عدة أوجه مع روسيا فإن إيران يمكن ان تطالب روسيا بالحماية المطلقة للاجواء السورية بما فى ذلك منع الهجمات الإسرائيلية على القوات الإيرانية والجيش السورى خاصة وأن موسكو تأكدت من أن إسرائيل تحارب روسيا فى أوكرانيا وربما أن الموساد هو الذى دمر الجسر الرابط بين روسيا وأوكرانيا وأن بوتن يفكر فى الانتقام من إسرائيل وصورة من صور الانتقام هو اسقاط الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الأراضى السورية واتصالا بذلك فإن حزب الله الذى يتعرض أيضا لهجمات إسرائيلية فى سورية يستطيع بدعم روسى أن يخفف الضغط على القوات الروسية فى أوكرانيا عن طريق ضرب بعض الأهداف الإسرائيلية داخل إسرائيل وربما يستطيع أن يضرب مفاعل ديمونه النووى حتى يربك الحسابات الإسرائيلية.
تستفيد إيران أيضاً أن موسكو تحمى إيران فى مجلس الأمن عن طريق الفيتو الروسى ثم أن إيران تتعاون نوويا مع موسكو وفى المحصلة النهائية إيران تتعرض للعقوبات الإمريكية كما تتعرض موسكو للعقوبات الغربية وكلاهما حلفاء فى منظمة شنغهاى المناهضة للولايات المتحدة.
الملف الثانى: هو الملف النووى
الذى يستحوذ على الاهتمامات الإيرانية والأمريكية والأوروبية وفى هذا المقام تؤكد إيران أن استخداماتها النووية سلمية وأنها لن تحولها إلى استخدامات عسكرية .والحق أن إيران ليست مضطرة إلى ذلك ومن حقها قانونا أن تتحول إلى قوة نووية عسكرية أسوة بإسرائيل فالقانون الدولى لايحظر صناعة السلاح النووى ولكنه يحظر الاثار المدمرة لاستخدامه وإيران انضمت طوعا إلى اتفاقية منع الانتشار التى ترفض إسرائيل الانضمام إليها وتستطيع إيران فى كل وقت ودون ابداء الاسباب أن تنسحب من هذه الاتفاقية فتتحرر من تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية مثل إسرائيل ثم أن تسلح إيران النووى لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية علي عكس فتوى الامام الخمينى من الناحية الدينية. ذلك أن تسلح إيران النووى يعتبر حقا مشروعا للدفاع عن النفس لأن الولايات المتحدة قامت بغزو العراق عندما أكد لها مدير عام الوكالة محمد البرادعى أن العراق لايملك أسلحة نووية خلافا للحجج المخابراتية التى أطلقتها الولايات المتحدة تبريرا للغزو ثم أن واشنطن لا تملك تفويضا مفتوحا من المجتمع الدولى لكى تغزو ما تشاء بأى حجة ولذلك كان الأمين العام للأمم المتحدة صادقا في اتهام واشنطن بأنها انتهكت ميثاق الأمم المتحدة وللاسف فان موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفيتى تحت حكم يلتسن لم تحرك ساكنا مما يعنى أنها تواطأت بشكل ما مع واشنطن على غزو العراق خاصة وان واشنطن استندت علي قرار مجلس الامن 1441 وكان يمكن لموسكو استخدام الفيتو لتعيق صدور القرار.
الملف الثالث: هو مبيعات الاسلحة الإيرانية إلى الدول الحليفة
احتجت الولايات المتحدة والغرب كله على بيع إيران للطائرات المسيرة التى استخدمتها موسكو واسقطت أوكرانيا بعضها فسارع الاتحاد الأوروبى بإدانة هذا العمل وأيد تحرك أوكرانيا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بسبب بيعها هذه الطائرات لروسيا فما مدى مخالفة بيع الأسلحة للقانون الدولى ؟
قبل الإجابة على السؤال يجب أن نشير إلى حقيقتين الأولى أن واشنطن عقدت اجتماعا طارئا لمجلس الأمن لإدانة إيران وفرض عقوبات عليها مما يخدم إسرائيل أساسا متجاهلة أن موسكو سوف تستخدم الفيتو لمنع صدور القرار فلماذا تحمست واشنطن لعقد الاجتماع؟ هناك سببان الأول سياسى وإعلامى وهو فتح باب المناقشة لإدانة إيران استمرارا للصراع الإيرانى الأمريكى وتوظيف أوروبا لخدمة الهدف الأمريكى وبالمناسبة علق الفيلسوف الأمريكى اليهودى شومسكى مؤخرا على المشهد فى أوكرانيا بأن الحرب الروسية على أوكرانيا قدمت أوربا لواشنطن على طبق من فضة.
فمبعات الأسلحة مسألة تجارية كما أن العقوبات الفردية مسموح بها كأحد وسائل الضغط فى السياسة الخارجية وأطلق عليها الفقه الغربى الاجراءات المضادة مثل الحرب التجارية بين أمريكا والصين.
والعقوبات الأمريكية فرضت على أكثر من خمسين دولة أما العقوبات الدولية المقررة من الأمم المتحدة فتجد سندها في الميثاق .
الملف الرابع : هو العقوبات الدولية على إيران
لاحظنا أنه قبل إبرام الاتفاق النووى فى فيينا عام 2015 أن مجلس الأمن بموافقة روسيا والصين فرض عقوبات على إيران بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة وبوسع إيران أن ترفع دعوى الأن وفى كل وقت أمام محكمة العدل الدولية للمطالبة بالتعويضات من الأمم المتحدة ذاتها وحتى لو لم تحصل على التعويضات فأنها تفضح هيمنة الغرب على قرارات مجلس الأمن وعدم جدية الأمم المتحدة فى احترام أهدافها ومبادئها فى الميثاق .
وهناك فرق بين عقوبات مجلس الأمن المفتوحة لانضمام جميع الدول إليها وبين العقوبات الأمريكية أو الأوربية ضد إيران فهذه العقوبات تؤثر على قدرة إيران وعلى سياساتها ولكنها ليست ضد القانون الدولى اللهم إلا فيما يتعلق بالتأثير على حقوق الإنسان الإيرانى فى الحياة والمتطلبات بسبب هذه العقوبات وتلك الحقوق يحميها القانون الدولي ويمكن لايران مقاضاة واشنطن بسببها
الملف الخامس: علاقة إيران بالمقاومة ضد إسرائيل
إيران هى السند الفعلى لكل أجنحة المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد إسرائيل وأن دخولها سوريا لمساندة النظام فيها يعتبر عملا قانونيا واضحا لأنها تدعم حكومة شرعية قائمة تتعرض لمؤامرة دولية تقف وراءها واشنطن وإسرائيل وللأسف بعض الدول العربية وكذلك فإن حسابات إيران السياسية بحسبان أن سوريا هى الحلقة الوسيطة بين إيران والمقاومة مسألة مشروعة ولذلك لايضير إيران مطلقا أن تستعين بالمقاومة للمحافظة على أمنها وهذا أشرف الآف المرات من مساندة الغرب للباطل الإسرائيلى ضد شعوب المنطقة وأولها الشعب الفلسطينى .
فالمقاومة رد لفعل وهو الغصب الإسرائيلى للاراضى الفلسطينية وتهديد لبنان وسوريا ولذلك فإن كل التحالفات الإيرانية مع روسيا ومع المقاومة هى تحالفات مشروعة أما فيما يتعلق باليمن فإن القانون لاعلاقة له بهذا الملف فهى منافسات سياسية وإقليمية لها قواعد فى العلاقات الدولية بين السعودية وإيران فإذا كانت السعودية تتدخل فى اليمن لنصرة حلفائها فمن حق إيران أن تتدخل هى الأخرى لنصرة حلفاءها خاصة وأن إيران تعتقد أن السعودية أداة فى يد الولايات المتحدة ولا يضير إيران أيضا حديث الولايات المتحدة عن أن المقاومة تشكل أذرع إيران فى المنطقة.
فالمقاومة عندما تدافع عن إيران ضد إسرائيل فإنها تدافع عن نفسها لأن إسرائيل لاتعبأ مطلقا فى المنطقة بغير إيران والمقاومة ولذلك تسعى بكل الطرق لتقويض الثورة الإسلامية فى إيران ومن واجب كل حر فى المنطفة وفى العالم أن يسند الحق ضد الباطل.
صحيح أن الصراع أمريكى إيرانى ولكن واشنطن تستخدم إسرائيل ودول عربية أخرى أداة فى هذا الصراع ولذلك قلنا سابقا أنه لايمكن أن تسفر المفاوضات الإيرانية السعودية عن أى حل فى اليمن مادامت واشنطن ترتدى وجوه متعددة فقد اعترفت بأنها تسلح الحوثيين ورفعتهم من قوائم الإرهاب وفى نفس الوقت تعلن أنها ملتزمة بأمن السعودية كما أنها ملتزمة بالسلام فى اليمن وهذا تناقض فادح ينال بالاضافة إلى عوامل أخرى من المصداقية الأمريكية فى المنطقة.
الخلاصة، أن إيران لا تخالف القانون الدولى فى هذه الملفات الخمسة لأنها تقف مع الحق ضد الباطل وعندما تطالب بأن مشاكل الخليج يجب أن تحل بين دول الخليج فهذه الصيغة مشروعة وتستبعد إسرائيل والولايات المتحدة.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري