بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد النبي الخاتم و على إخوانه من النبيين.
أيها السادة و السيدات،
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)
علينا أن نتعاون لأن السفينة تغرق و البيت يحترق، نحن اليوم نحاول إنقاذ السفينة كما أشار إليه الحديث النبوي و
نحن نحاول إطفاء الحريق الذي اشتعل في البيت فنحن إطفائيون إنقاذيون، ليست لدينا سفينة نوح فعلينا أن
نتضامن جميعاً و أن تتكامل أدوارنا طبقاً لمستوياتنا و وظائفنا.
رجال الدين وظيفتهم إطفاء الحريق في القلوب و النفوس، الإطفائي لا يسأل عن لم وإنما يسأل عن كيف، لذا أعلنا
في منتدى تعزيز السلم عن تقديم كيف على لماذا. و معنى ذلك أن قضية السلم لها الأولوية على قضية الحقوق هنا
أختلف مع كانت الذي يرى الأسبقية للعدالة و أؤيد توماس هوبس الذي يرى تقديم السلم، و هذا ليس تقليلاً من أهمية
العدالة لكن لأن السلم يمنح فرصة لنيل الحقوق أكثر من تلك التي تمنحها الحرب، و بذكر الفلاسفة فإنني أتفق مع
نيتشه الذي يرى أن الحضارات تمرض و أن الفلاسفة هم أطباؤها. حضارتنا مريضة و نحاول علاجها.
كانت وظيفة علماء المسلمين من أقدم التاريخ هي المحافظة على أمانة النصوص المقدسة و صفائها، و صحة تأويلها و
الصدق في ممارستها. بالتأكيد كانت المهمة محفوفة بخطرين، خطر الطغاة و الغلاة المتطرفين.
مع ذلك فإن العلماء كانوا و ما يزالون أو بعضهم على الأقل يحاولون أن يقوموا بمهمتهم هذه رغم الصعوبات و تغير
البيئات سأترحم هنا على علماء اغتالهم المتطرفون في السنوات الماضية في العراق و سوريا و باكستان و نيجيريا، و
قبل شهرين فقط كان أحد العلماء يقدم روحه لينضم لهذا الموكب في وسط مالي.
مهمة العلماء هذه هي التي نحاول في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة في أبو ظبي، أن نقوم بها في
تغيير العقليات و تصحيح المفاهيم، أذكر على سبيل المثال ما قمنا به في سنة ٢٠١٠ م من تصحيح فتوى ماردين التي
كان يعتمد عليها المتطرفون في كتاباتهم و ممارساتهم حيث صححنا خطأ عمره أكثر من مائة سنة، عندما ناقشنا
المتطرفون أخرجنا النسخة الوحيدة المخطوطة في مكتبة الظاهرية بدمشق التي أظهرت صدق كلامنا و زيف دعواهم.
نعمل على تصحيح المفاهيم كمفهوم الجهاد و مفهوم الدار و مفهوم الولاء و البراء لتكون كما كانت سياجاً للسلام و
ليست دعوة للحرب و هكذا عالجنا الذاكرة التاريخية المختزلة في الحروب بتقديم نماذج السلام في التاريخ الإسلامي
من خلال إنشاء جائزة الحسن بن علي سبط النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوقف أول حرب أهلية في الإسلام،
منحنا الجائزة لعالم هندي جاوز التسعين أمضى الكثير من عمره في الدعوة للسلام.
إن عملنا أيها السادة لا يتنافى بل يتكامل مع التدابير الاقتصادية و السياسية التي من شأنها أن توجد بيئة السلم و
الوئام في المجتمعات و نحن ندعو دعوة صادقة الحكومات و بخاصة الدول الكبرى ذات المسؤولية الخاصة أن تسعى
لإزالة المظلوميات التاريخية المزمنة حتى يستتب السلم المستدام.
نحن مستمرون في هذا العمل سواء تعلق الأمر بالتنظير أو تعلق بالعمل في الميدان، فالبنسبة للأول سنشارك في عقد
مؤتمر حول حقوق الأقليات و الطوائف الدينية في العالم الإسلامي الذي سينعقد في المملكة المغربية شراكة بين وزارة
الأوقاف المغربية و منتدى تعزيز السلم، بدأنا العمل في ٢٠١٢ م بندوة في انواكشوط عاصمة الجمهورية الإسلامية
الموريتانية ثم أخرى في تونس لينتهي إلى مؤتمر كبير يتمخض عن إعلان حقوق المواطنة على أساس صحيفة المدينة
المنورة التي أقرت الحقوق و الواجبات لمواطني المدينة من مسلمين و يهود و آخرين، حيث سنوضح أن الإسلام لا
يمارس الإبادة و لا العنف على المخالف دينياً قال تعالى: (لا إكراه في الدين)، كما يحمي بيوت العبادة فما هدم قط
كنيسة و لا كنيساً و لا بيت نار بل يحترمها كاحترام المساجد و من أهمها المسجد الأقصى المبارك.
ميدانياً سنستمر مع علماء نيجيريا بعد لقائين تم الأول مع ٢٠ منهم في أبوظبي و لقاء ثانٍ بحثت فيه مع صديقي
و سلطان سوكوتو سعد أبوبكر آفاق السلام بمناسبة اجتماع قادة (John Onaiyekan) كاردينال جون أونايكان
الأديان في أبوظبي و هو لقاء دعت له منظمة (أديان من أجل السلام)، التي يترأسها صديقي الأستاذ ويليام فندلي و
بمباركة مشكورة من حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة.
و سنعقد قريباً بالشراكة مع مركز خادم الحرمين للحوار اجتماعاً لإحلال السلام في إفريقيا الوسطى .
نحن بتوفيق الله تعالى ماضون في هذا السبيل نمد أيدينا لذوي النوايا الطيبة من الباحثين عن السلام من كل
المذاهب و المشارب سواء داخل البيت الإسلامي أو خارجه.
ندعو لحلف و استراتيجية ثقافية و فكرية تواجه خطر الحروب و العنف و جنون هذه الساعة الزمنية التي كأن الشاعر
العراقي في القرن الماضي يعنيها بقوله:
إنا لفي زمن لفرط شذوذه..
من لا يجن به فليس بعاقل
أيها السادة ندعوكم لبذل جهود في البحث عن السلام بوسائل السلام و بدائل الحرب، ندعوكم لاعتماد المناهج
الأخلاقية و البرامج الفكرية التي من شأنها أن تستقطب الشباب و أن تقدم الديانة لا كعدو و إنما كسبيل للسلام،
ندعو لتكريس جزء من ميزانيات الحرب لبرامج السلام.
ثم ختاماً أيها السادة إن الدين كالطاقة النووية قد تجلب الإزدهار و الاخضرار و الانتعاش الاقتصادي إذا كانت
سلمية لكنها قد تجلب الدمار إذا كانت عسكرية، فالدين في الأصل طاقة سلام و محبة و وئام لكن قد يسيء
استعماله من لا يعرفه بحسن نية أو سوء فيجلب الخراب و الدمار.
نسأله سبحانه و تعالى وهو العلي القدير أن ينزل السكينة و على أهل الأرض السلام، و أخيراً أدعوكم ألا ييأس
بعضنا من بعض و لنتذكر وصية يعقوب لأبنائه: (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه و لا تيأسوا
من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون).