هل فشل الغرب في منع تحول إيران إلى قوة نووية ؟.. معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية أصبحت من الماضي

ثلاثاء, 2022-07-26 10:27

بالرجوع إلى تجارب وممارسات دول مختلفة خلال العقود التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد تمكن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي من امتلاك السلاح النووي ومشتقاته الأكبر فتكا على مراحل، يمكن الخروج بإستنتاج أو بمعلومة قريبة من اليقين وهي أن إيران أصبحت على عتبة امتلاك السلاح النووي أو غدت تملكه بالفعل، وستضاف مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن إلى إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية كقوة نووية، ومن الواجب ضم جنوب أفريقيا إلى لائحة الدول النووية حتى وإن كانت قد أعلنت تخليها عن هذا السلاح بعد أن كانت قد جربت تفجيره بنجاح في سبتمبر 1979 في المحيط الهندي بالتعاون مع إسرائيل.

وقد استطاعت جنوب أفريقيا صناعة 6 قنابل نووية بصورة سرية، لكنها قامت بتفكيك برامجها النووية العسكرية، عام 1989، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.

إيران استغرقت وقتا أطول بكثير من باكستان والهند وكوريا الشمالية لتصل إلى القدرة على تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90 في المئة وتشكيل أجهزة تفجير يجب أن تكون صغيرة نسبيا، ويعود ذلك لعدة أسباب ومن أحدها حرص طهران على توزيع منشآتها النووية على مواقع متباعدة وجعل بعضها تحت الأرض لحمايتها من الضربات الجوية والصاروخية التي قد يقوم بها خصومها وكذلك التعافي من مسلسل من عمليات التخريب والاغتيالات التي طالت منشآتها وعلمائها على يد الأجهزة الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية.

تم التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية يوم 1 يوليو 1968، ودخلت حيز التنفيذ يوم 5 مارس عام 1970 وحاليا منتصف سنة 2022، تم التوقيع عليها من قبل جميع الدول تقريبا باستثناء الهند وباكستان وإسرائيل وقد انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة بعد أن وقعت عليها.

رفضت الهند دائما التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بسبب طابعها التمييزي، إذ ترى الهند أن المعاهدة تضفي ببساطة الشرعية على احتكار حيازة الأسلحة النووية وتكرسه من قبل الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

كما رفضت الهند أيضا التوقيع على المعاهدة التي تحظر التجارب النووية. أما باكستان فقد بنت دائما سياستها وفقا لسياسة الهند: "لن توقع طالما أن الهند لم توقع". وتعرضت الدولتان إلى عقوبات من قبل الولايات المتحدة التي انتهت برفع أغلبها.

وكانت الجمهوريات السوفيتية السابقة وهي أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا قد تخلت طواعية عن الأسلحة النووية في أوائل التسعينات بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في مقابل الضمانات الأمنية التي توفرها جميع القوى النووية الكبرى. في ذلك الوقت كانت أوكرانيا تملك ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، وكازاخستان الرابعة.

عدة دول طورت برامج تسليح نووي ولكنها تراجعت تحت تهديد التدخل المسلح والعقوبات من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا خاصة.

بدأت البرازيل في برنامج نووي عسكري سري في تسعينيات القرن الماضي ثم انهته، وكانت على بعد خطوات من امتلاك قنبلة نووية، الأرجنتين بدورها رضخت للضغوط الغربية بعد أن وصلت إلى مرحلة متقدمة.

في عام 1991، أجبر العراق على تفكيك برنامجه النووي، بعد هزيمته في حرب الكويت. وفي عام 2003 تخلى الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عن مكونات أسلحته النووية، وتم تسليمها للولايات المتحدة الأمريكية.

 

دول العتبة النووية

 

تمتلك دول عديدة التكنولوجيا والمعرفة العلمية الضروريتين لصنع الأسلحة النووية بسرعة، وتوصف ب "الدول العتبة" أي الدول المعروفة بقدرتها على الحصول سريعا على السلاح النووي ولكنها لم تطوره، ومن بين هذه الدول، الأرجنتين والبرازيل واليابان والمانيا والسويد.

في عالم متعدد الأقطاب، يبدو أن غياب النظام الأمني يدفع القوى المتوسطة إلى تعزيز ترسانتها. إلى حد الحصول على السلاح النووي. ربما يحتضر النظام الحالي للحد من انتشار السلاح النووي القائم على عدم المساواة بين الدول الحائزة على القنبلة والدول التي لا تمتلكها.

بعد الهند وباكستان نجحت كوريا الشمالية بدعم غير مباشر من الصين وروسيا في تفجير قنبلتها النووية الأولى في أكتوبر 2006 وعلى مدار 15 عاما أعقبت التجربة النووية الأولى، كدَست البلاد ما يصل إلى 60 رأسا نوويا، مع ما يكفي من المواد الانشطارية لبناء ست قنابل أخرى على الأقل سنويا. وعلى الأغلب فإن هذه الأسلحة الآن تستطيع الوصول إلى الأراضي القارية للولايات المتحدة الأمريكية، ولدى كوريا الشمالية بالفعل صواريخ طويلة المدى قادرة على ضرب الساحل الشرقي الأمريكي.

تم إطلاق برنامج إيران النووي في خمسينيات القرن العشرين بمساعدة من الولايات المتحدة في نطاق ما سمي برنامج "الذرة من أجل السلام". التعاون الغربي مع طهران توقف بعد أن قامت الثورة الإيرانية عام 1979 وأطاحت بنظام الشاه.

بعد وفاة الخميني في عام 1989 خضع البرنامج النووي لتوسع كبير وطوال السنوات التي تلت ذلك عرف البرنامج تحولات عديدة وسط حملة غربية معارضة لم تتوقف.

في 4 أبريل 2015 وبعد مفاوضات ماراثونية دامت 18 شهرا وقع ممثلو مجموعة "5+1" المكونة من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة وروسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا) في لوزان بسويسرا على اتفاق نووي مع إيران من 159 صفحة عرف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" "جيه سي بي أو إيه" (JCPOA).

وافقت إيران بموجب الاتفاق على قبول القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم وتخزينه وإغلاق أو تعديل منشآت في عدة مواقع نووية، والسماح بزيارات المفتشين الدوليين لها.

وأحدث هذا الاتفاق اختراقا مهما في أزمة دولية دامت 12 عاما.

لكن في 8 مايو 2018 انقلبت الولايات المتحدة الأمريكية رسميا على الاتفاق، وأعلن الرئيس ترمب انسحاب بلاده منه وأعاد فرض العقوبات على إيران.

وردا على ذلك بدأت إيران بتخصيب اليورانيوم فوق المستويات المسموح بها بموجب الاتفاق، وقلصت تعاونها مع المفتشين الدوليين.

 

صنع قنبلة نووية 

 

يوم 17 يوليو 2022 صرح أحد كبار مستشاري الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي إن بلاده "قادرة فنيا" على صنع قنبلة نووية، مضيفا إن واشنطن "لم تقدم ضمانات بشأن الحفاظ على الاتفاق النووي المبرم عام 2015"، محذرا من أن "أي استهداف لأمننا من دول الجوار سيقابل برد مباشر على هذه الدول وإسرائيل". وتزامنت هذه التصريحات مع نهاية جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن الشرق الأوسطية التي قادته إلى إسرائيل والسعودية واستمرت لأربعة أيام، وتعهد خلالها بمنع إيران من "امتلاك سلاح نووي".

و أكد كمال خرازي، أحد كبار مستشاري الزعيم الإيراني الأعلى علي خامنئي، إن طهران "قادرة فنيا" على صنع قنبلة نووية. وذكر في تصريحات: "خلال أيام قليلة تمكنا من تخصيب اليورانيوم لما يصل إلى 60 بالمئة ويمكننا بسهولة إنتاج يورانيوم مخصب لنسبة 90 بالمئة... إيران لديها السبل الفنية لصنع قنبلة نووية لكنها لم تتخذ بعد قرار صنعها".

وتزامنت هذه التصريحات مع نهاية جولة الرئيس الأمريكي الشرق الأوسطية التي قادته إلى إسرائيل والسعودية، تعهد خلالها بمنع إيران من "امتلاك سلاح نووي".

تؤكد إيران أنها لا تخصب اليورانيوم إلا من أجل الاستخدامات المدنية فقط، وقالت إن بوسعها وقف خرقها للاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى العالمية إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات وعادت للاتفاق.

في مارس 2022، تم الاتفاق بشكل أساسي على الخطوط العريضة لاتفاق جديد بعد محادثات غير مباشرة بين طهران وإدارة بايدن في فيينا على مدى 11 شهرا. لكن المحادثات انهارت بعد ذلك بسبب عقبات من بينها مطالبة طهران بضرورة أن تقدم واشنطن ضمانات بعدم تخلي أي رئيس أمريكي قادم عن الاتفاق مثلما فعل ترمب.

وقد هددت إسرائيل بمهاجمة المواقع النووية الإيرانية إذا فشلت الدبلوماسية في احتواء طموحات طهران النووية.وقال خرازي إن بلاده لن تتفاوض أبدا على برنامجها الصاروخي وسياستها الإقليمية كما يطالب الغرب وحلفاؤه في الشرق الأوسط.

 

جيل جديد من الأجهزة 

 

جاء في تحليل نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية يوم 17 يوليو 2022:

في عالم العلاقات الدولية تحمل عبارة "كل الخيارات مطروحة على الطاولة" معنى خاصا، إذ تعني احتمال استخدام القوة العسكرية، وتستخدم غالبا من قبل رؤساء الدول عندما يريدون إيصال رسالة قوية إلى خصومهم بأكثر الطرق دبلوماسية. 

ويرى دانيال ديبتريس وهو محلل سياسي مختص في مجال الدفاع وكاتب عمود في مجلة نيوزويك في مقال له بالمجلة، أنه لا توجد دولة على ظهر البسيطة وجهت لها هذه العبارة أكثر من إيران التي عادة ما يوجه لها هذا التحذير من قبل رؤساء الولايات المتحدة.

ويشير ديبتريس إلى أن إعلان الرئيس جو بايدن هذا الأسبوع بأن الولايات المتحدة "مستعدة لاستخدام جميع عناصر قوتها الوطنية لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي" كان أحدث تصريح في سلسلة طويلة من التصريحات المماثلة من قبل رؤساء الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق جورج بوش الأب.

كما يشير إلى أنه من الصعوبة بمكان التمييز بين خطابات رؤساء الولايات المتحدة الأربعة الأخيرين الموجهة لطهران، فالرئيسان السابقان باراك أوباما ودونالد ترمب -على سبيل المثال- يختلفان في كل شيء باستثناء جزء واحد من السياسة الخارجية، ألا وهو استعداد الولايات المتحدة للدخول في حرب مع إيران لمنعها من أن تصبح قوة نووية.

يقول الكاتب إن كثيرين في الغرب يرون هذا السؤال مثيرا للسخرية، ويفترضون أن طهران قد قررت بالفعل عسكرة نشاطها النووي عندما يحين أوان ذلك، ويرون أنه لا توجد أسباب غير ذلك تدفع العلماء الإيرانيين لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة، وهي خطوة تقنية قريبة من تلك التي تمكن من الحصول على الوقود المستخدم في صنع الأسلحة النووية.

كما يتساءلون عن أسباب قيام الإيرانيين بحفر سلسلة جديدة تماما من الأنفاق في أعماق أحد الجبال جنوبي موقع التخصيب الرئيسي في نطنز إذا لم يكن بغرض صنع وتجربة سلاح نووي، وعن أي تفسير آخر لاستمرار إيران في عرقلة تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وعلى الرغم من كل ما سبق -والكلام للكاتب- فإن الاستخبارات الأمريكية لم تتوصل بعد إلى استنتاج قاطع حول ما إذا كانت إيران تريد صنع قنبلة نووية أم لا.

وقد صرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز خلال حديثه في مؤتمر عقدته صحيفة وول ستريت جورنال في ديسمبر 2021 بأن وكالته "لا ترى أي دليل على أن المرشد الأعلى لإيران قد اتخذ قرارا بالتحول إلى صنع سلاح نووي".

كما أصدر مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية تقريرا حول تقييم التهديدات التي قد تواجه الولايات المتحدة نشر في مارس 2022، وتضمن ما يعزز التحليل الذي ذهب إليه بيرنز، حيث قال معدوه "نستمر في تقييمنا بأن إيران لا تقوم حاليا بالأنشطة الأساسية لتطوير أسلحة نووية التي نرى أنها ستكون ضرورية لإنتاج سلاح نووي".

ويخلص الكاتب إلى أنه على الرغم من أن هذه التقييمات قد تتغير مع تغير الوضع الإستراتيجي فإن علينا أن نضع في الحسبان كل الأسباب الأخرى التي تجعل اللجوء لصنع قنبلة نووية اختيارا سياسيا سيئا بالنسبة لإيران.

دانيال ديبتريس نسى في تحليله أن التقديرات الأمريكية القديمة حول قدرة كوريا الشمالية على صنع قنبلة نووية مطابقة لما يقال حاليا عن إيران.

 

وكالة الطاقة الذرية

 

يوم السبت 9 يوليو 2022 أكدت وكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة في تقرير، أن إيران زادت من مستوى تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة متطورة، في منشأة فوردو الموجودة تحت الأرض، والتي يمكنها التبديل بسهولة أكبر بين مستويات التخصيب.

وعبر دبلوماسيون غربيون مرارا عن قلقهم من استخدام هذه السلسلة أو المجموعة من أجهزة الطرد المركزي.

ويعني استخدام مثل هذه الأجهزة المعدلة أن بإمكان إيران أن تتحول بسرعة وبسهولة أكبر إلى مستويات تخصيب أعلى نقاء.

ورغم أن إيران مطالبة بإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن هذا التحول، فإنها في حالة عدم الإبلاغ ربما تحصل على مزيد من الوقت الذي يؤهلها لمزيد من التخصيب قبل أن يتحقق مفتشو الوكالة مما تم إنتاجه.

وأضاف التقرير السري الموجه للدول الأعضاء "في السابع من يوليو 2022، أبلغت إيران الوكالة بأنها بدأت في نفس اليوم في تغذية السلسلة المذكورة أعلاه بسادس فلوريد اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى خمسة بالمئة". ويشير سادس فلوريد اليورانيوم إلى غاز بنفس الاسم يتم ضخه في أجهزة الطرد المركزي ليتم التخصيب.

وفي تقرير في 20 يونيو، اطلعت عليه رويترز أيضا، قالت الوكالة إنه بعد شهور من إبلاغ إيران عزمها استخدام هذه المجموعة، بدأت في ضخ سادس فلوريد اليورانيوم بها لبدء عملية التخميل التي تسبق التخصيب. وذكر تقرير السبت أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحققت في السادس من يوليو من انتهاء التخميل.

وأضاف "في التاسع من يوليو 2022، تحققت الوكالة من أن إيران بدأت في ضخ سادس فلوريد اليورانيوم المخصب، لإنتاج يورانيوم-235 بدرجة نقاء تصل إلى خمسة بالمئة، في سلسلة تتألف من 166 جهاز طرد مركزي من طراز آي.آر-6 برؤوس فرعية معدلة للغرض المعلن وهو إنتاج سادس فلوريد اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى 20 بالمئة".

وتخصب إيران اليورانيوم بمستوى يصل إلى 60 بالمئة في مرافق أخرى.

 

هجوم عسكري

 

يوم الخميس 21 يوليو 2022 قال رئيس المخابرات البريطانية، إنه يشكك في أن الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي، يريد إحياء الاتفاق النووي مع القوى الكبرى.

وذكر ريتشارد مور، رئيس جهاز المخابرات المعروف باسم "إم آي 6" أمام منتدى آسبن الأمني في كولورادو: "أشك أن المرشد الأعلى لإيران يريد العودة إلى الاتفاق النووي الذي أبرم في 2015". وأضاف: "كما لا أعتقد أن الإيرانيين يريدون أن تنتهي محادثات الاتفاق النووي بسرعة، لذلك قد يماطلون وتستمر المحادثات لفترة مقبلة".

وكشفت واشنطن منتصف شهر يوليو، إن طهران أضافت مطالب لا تتعلق بالمناقشات حول برنامجها النووي في وقت أحرزت فيهتقدما مقلقا في برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وصرح الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس 14 يوليو، إن الولايات المتحدة لن تنتظر إلى الأبد ردا من إيران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي.

الرئيس الأمريكي، جو بايدن صرح كذلك يوم الخميس، بعد لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، ردا على سؤال في مؤتمر صحفي حول المدة التي كانت الولايات المتحدة مستعدة فيها لبذل جهود دبلوماسية، صرح بايدن إن إدارته "وضعت الشروط المطلوبة" لإحياء الاتفاق. وتابع: "عرضنا على القيادة الإيرانية ما يمكننا أن نقبله من أجل العودة للاتفاق، وننتظر ردها. متى يأتي ذلك، لست متأكدا. لكننا لن ننتظر إلى الأبد". وشدد بايدن على أن بلاده ملتزمة "بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي".

وكان الرئيس الأمريكي قد صرح في وقت سابق، إنه "سيستخدم القوة كملاذ أخير" لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وأضاف في مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، أنه "سيبقي الحرس الثوري الإيراني مدرجا على القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية حتى إذا كان ذلك سيؤدي إلى إنهاء الاتفاق النووي الإيراني المبرم عام 2015".

من جانبه أكد رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي يوم 17 يوليو 2022 أن إعداد خيار عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، أمر واجب، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي مستعد لهجوم عسكري في حال فشلت الدبلوماسية.

وأضاف أفيف كوخافي: "التاريخ أثبت أن الدبلوماسية يمكن أن تفشل والجيش الإسرائيلي يستعد لذلك".

وأكد كوخافي أن إعداد خيار عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، "واجب أخلاقي وأمر مهم للأمن القومي". وكان رئيس الأركان الإسرائيلي، قد أكد قبل أيام أن إيران تشكل خطرا إقليميا وعالميا، مشيرا إلى أن المنظومة الصاروخية التي استعرضها بايدن في قاعدة إسرائيلية، عامل رئيسي في مواجهة إيران وأذرعها.

وأضاف أن علاقة تل أبيب مع واشنطن ركيزة أساسية في مواجهة السباق الاستراتيجي مع إيران، على حد تعبيره.

 

طريق خطر

 

يختلف المحللون حول جدية التهديدات الأمريكية والإسرائيلية ضد إيران كما يختلف العسكريون في الغرب حول فرص نجاح أي هجوم عسكري في تعطيل البرنامج النووي الإيراني، بعض مصادر الرصد الألمانية والفرنسية ذكرت أن طهران ستستغل أي هجوم ولو محدود على منشآتها النووية لتعلن قرارها بصنع سلاح نووي لأنه الضامن الوحيد لأمنها وسيادتها. كما تضيف أنه لشن هجوم أمريكي إسرائيلي كبير على إيران لتدمير قدراتها النووية يجب حشد قوات كبيرة مسبقا وهذا سيكون عامل فشل لأن طهران ومن يساندها سيعد طرق المواجهة. ويشير محللون أن بكين وموسكو لا تعارضان امتلاك إيران لسلاح نووي خاصة وأن حدوث ذلك سيكون بمثابة كارثة لسياسات واشنطن في الشرق الأوسط وسيفتح الباب أمام دول عربية لصنع سلاحها النووي الخاص بكل ما يعنيه ذلك من تغييرات على موازين القوى في المنطقة وفقدان تل أبيب لميزة الانفراد بملكية السلاح النووي.

تسابق إسرائيل الزمن لمنع إيران أن تتحول إلى دولة "عتبة"نووية، وذلك من خلال العمليات والهجمات المنسوبة إليها، والتي تستهدف المنشآت النووية الإيرانية والعلماء الذين يشرفون على المشروع النووي، مع العلم أن هناك تقديرات متباينة تماما بشأن فعالية العمليات الإسرائيلية. 

على الرغم من أنه من غير المحتمل توجيه ضربة عسكرية مباشرة للمنشآت النووية الإيرانية على غرار قصف المفاعل العراقي عام 1981 أو قصف المفاعل السوري عام 2007، وذلك بسببالصعوبات اللوجستيكية والمخاوف من تداعيات مثل هذه الضربة واندلاع حرب على جبهات متعددة، تكتفي تل أبيب بتوجيه ضربات محددة دون أن يؤدي ذلك إلى إشعال حرب شاملة مع إيران وحلفائها في المنطقة وخاصة حزب الله.

لكن وفقا للتقديرات الإسرائيلية والسيناريوهات المتوقعة، يمكن لهجوم عسكري إسرائيلي على إيران أن يتصاعد إلى معركة واسعة النطاق مع حزب الله، كما يمكن أن يشعل الجبهة الشمالية مع سوريا أيضا وكذلك الجبهة مع قطاع غزة، والأمر من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية طويلة الأمد.

تشير التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أنه في حالة أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية في إيران، حتى ولو كان مستقلا، فإن طهران سترى نفسها حينئذ واقعة تحت هجوم من الولايات المتحدة والغرب وسيكون ردها متناسبا مع ذلك، ولكن هناك من ضباط الجيش الإسرائيلي والخبراء في تل أبيب من يعتقد أنه يستحسن اتخاذ مثل هذا الإجراء وتنفيذ أي هجوم عسكري إسرائيلي على إيران بـ "شرعية دولية" واسعة وبدعم أمريكي.

وترجح التقديرات الأمنية في تل أبيب أن فعالية هجوم إسرائيلي على البرنامج النووي ستكون عالية للغاية، لكن التطور المحتمل لحرب على 3 جبهات قضية تتطلب استعدادا كبيرا ودعما قويا، وهو ما يلزم إسرائيل لتكون جاهزة لها داخليا وخارجيا.

تجمع تقديرات موقف لمراكز أبحاث الأمن القومي ومحللين عسكريين على هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية وعدم الجاهزية الكافية للجيش لحرب متعددة الجبهات، حيث ستتكبد خسائر بالأرواح تقدر بالمئات يوميا، كما أن الجبهة الداخلية ستقصف بآلاف الصواريخ يوميا من قبل حزب الله أو حتى من إيران، وهو ما سيوقع الدمار الشامل في قلب المدن الإسرائيلية والمواقع والمنشآت الإستراتيجية والحيوية ومكونات البنى التحتية.

وفي محاولة لردع حزب الله، هدد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بأنه سيتم تدمير آلاف الأهداف في لبنان وسوريا خلال الحرب المقبلة.

لكن كوخافي أقر بالصعوبات، قائلا "علينا أن نتحدث بصدق عن الصعوبة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية خلال حرب مقبلة مع حزب الله، حيث ستسقط في إسرائيل الكثير من الصواريخ وستلحق أضرار وخسائر بالممتلكات وبالأرواح".

وأشارت تقديرات الجيش الإسرائيلي إلى أن 80 موقعا في عمق الجبهة الداخلية ستتعرض لتدمير شامل، جراء استهدافها بنحو 1500 صاروخ يوميا، من قبل حزب الله.

في نفس الوقت تعلن تل أبيب أن تمكن طهران من امتلاك سلاح نووي واستخدامه سيعني نهاية إسرائيل نظرا لضآلة مساحتها بينما إيران بلد ضخم المساحة ويمكنه تحمل ضربات كبيرة.

 

حرب دموية ومكلفة

 

في شهر نوفمبر 2021 كتب روبرت فارلي الأستاذ بكلية باترسون للدبلوماسية والتجارة الدولية في "جامعة كنتاكي الأمريكية مقالا في موقع "ناشونال إنترست" الأمريكي يستشرف فيه مآلات التوتر بين إيران وإسرائيل، ويستعرض ميزان القوى بين الطرفين والثمن الباهظ الذي سيدفعانه هما والمنطقة برمتها جراء الحرب.

ويرى فارلي أنه بالرغم من المناوشات التي جرت بين إيران وإسرائيل على مدى السنوات الثلاث الماضية، فإن الطرفين يدركان أن الحرب المفتوحة ليست في مصلحتهما، لكن إذا تغيرت تلك النظرة في طهران أو تل أبيب، فإن ذلك قد يقود إلى نشوب حرب بينهما.

ويشير الكاتب إلى أن طهران قد تقرر دخول حرب مع تل أبيب لتحويل الأنظار عن مشاكلها الداخلية، كالانتفاضة الشعبية وتدهور الاقتصاد. وقد ترى أن حربا قصيرة ضد إسرائيل قد تعود عليها بمكاسب سياسية في المنطقة تفوق المخاطر المترتبة على الحرب.

ومن جهتها، قد تقرر إسرائيل أن حربا سريعة ومدمرة قد تساعد في نزع الشرعية عن إيران وزعزعة استقرارها، وتسهم في الحد من نفوذها في المنطقة. الإسرائيليون يدركون أن قصف مدنهم بوابل من الصواريخ الإيرانية سيكون غير مريح، ولكنهم يرون أن الحرب مع إيران لا تشكل خطرا وجوديا بالنسبة لإسرائيل.

وفيما يتعلق بميزان القوى بين الطرفين، يرى فارلي أن إسرائيل تتفوق على إيران في شتى المجالات العسكرية باستثناء الصواريخ الباليستية.

تملك إيران مقدرات عسكرية كبيرة في كل من سوريا والعراق. وتستطيع صواريخ إيران الموجودة في البلدين ضرب أهداف في جميع أنحاء إسرائيل، وقد تتغلب مؤقتا على شبكة أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، كما تستطيع إيران قصف إسرائيل بالصواريخ الباليستية من الأراضي الإيرانية.

ويتساءل البروفسور والمؤلف الأمريكي في مقاله عن أمد الحرب في حال نشوبها، ويستعرض جملة من العوامل التي من شأنها أن تلعب دورا محوريا في تحديد ذلك، ومن بينها المخزون الصاروخي للفصائل والحركات التي تخوض حربا لدعم إيران، وقدرة تلك الجهات على تحمل "العقاب الإسرائيلي" كما يصفه الكاتب.

 

ميزان القوى

 

محمد مراندي، الأستاذ بجامعة طهران والمستشار الإعلامي لفريق التفاوض النووي الإيراني في محادثات فيينا وحسب "البي بي سي" صرح بشأن حرب الاغتيالات والتخريب، إن "قتل المدنيين الأبرياء وبحماية سياسية غربية ليس بالأمر الجديد على النظام الإسرائيلي، لكن الإسرائيليين يبالغون في قدراتهم لأغراض سياسية من خلال التظاهر بأن الحوادث والوفيات العادية هي من صنعهم "، وأضاف: " إيران سترد بالتأكيد، لكن إيران صبورة".

وأعلن قائد فيلق القدس الإيراني، ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري، الجنرال إسماعيل قاني أن إيران ستستمر في دعم أي حركة مناهضة للولايات المتحدة أو معادية لإسرائيل في أي مكان بعد أن قامت الولايات المتحدة بقتل سلفه قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة في العاصمة العراقية بغداد في يناير من عام 2020.

وكان سليماني في مرمى نيران الجيش الأمريكي عدة مرات لكنه نجا حتى قرر دونالد ترمب الضغط على الزناد تحت تأثير وزير خارجيته آنذاك مايك بومبيو. وصرح ترمب إن سليماني كان "الإرهابي الأول في أي مكان في العالم".

وسعت إدارة ترمب أيضا إلى تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط وزيادة عزلة إيران من خلال التفاوض على اتفاقيات إبراهيم التي اتفقت بموجبها الإمارات العربية المتحدة والبحرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن دبلوماسي إيراني أكد إنهم في طهران لا يرون أن الاتفاقات طويلة الأمد، واصفا إياها بأنها "علاقة غرامية عابرة" وغير مقبولة من جانب كل سكان المنطقة العربية.

مسؤول كبير في إدارة بايدن ذكر إن الولايات المتحدة لا ترى أن وتيرة الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي تجري خلف الستار قد زادت أو على الأقل ليس بطريقة تبعث على القلق. "إنها مستمرة منذ وقت طويل وهي تجري بوتيرة بطيئة وليست هناك خطوة مفاجئة من أي من الجانبين. هذا ما نراه منذ فترة طويلة، لكن الاختلاف أنها باتت مكشوفة الآن".

ريتش غولدبيرغ، كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن، أكد إن الحملة السرية الإسرائيلية قد يكون لها حدود. "إن العالم ينتظر لحظة كبيرة حين نستيقظ ونسمع عن غارات جوية إسرائيلية، لكن يبدو أن الإسرائيليين يقومون بهدوء بتطبيع حرب الظل التي يمكن أن تتصاعد بسهولة لتصل إلى هجوم مباشر على المنشآت النووية الإيرانية دون أن يسارع العالم ويقول: هناك ضربة عسكرية علينا أن نوقفها".

 

فشل اقامة "ناتو" عربي

 

في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي بايدن للشرق الأوسط التي استغرقت أربعة أيام صرح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن بايدن فشل في تشكيل تحالف عسكري ضد إيران، مؤكدا أن "دول المنطقة لا تثق بأمريكا". بينما جاء في تحليل نشرته صحيفة "يدعوت أحرنوت" الإسرائيلية المقربة من ساسة تل أبيب:

"لم يسفر مؤتمر جدة عن جبهة علنية قوية يمكن أن تقف ضد إيران، ولم تتوصل إلى اتفاق أمني إقليمي، ولم تعلن عن خطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والسعودية أو اقامة ناتو عربي كما روج لذلك قبل زيارة الرئيس الأمريكي".

يبدأ كاتب التحليل بالإشارة إلى أن بايدن غادر جدة بالمملكة العربية السعودية على متن طائرته الرئاسية يوم السبت، منهيا أول زيارة له إلى الشرق الأوسط منذ توليه منصبه بعد أربعة أيام قضاها في المنطقة دون الإعلان عن نتائج مهمة.

وأشار الكاتب إلى أن الاستقبال "الفاتر" وقلة الحماس كانا واضحين في اختيار أمير منطقة مكة، خالد الفيصل، ليكون في استقبال بايدن في المطار عند وصوله إلى مدينة جدة، في تناقض صارخ مع الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عندما زار الرياض.

ولفت الكاتب إلى أن الطريقة التي استقبل بها بايدن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مصافحا إياه بقبضة اليد بدلاعن المصافحة العادية، والتعبيرات الصارمة للوجوه التي حافظا عليها وهما بالكاد يحركان شفاههما، لم تترك أي شك حول شعور أحدهما تجاه الآخر. وتصدرت ثلاثة موضوعات رئيسة جدول أعمال زيارة بايدن إلى السعودية، وهي الأمن، والطاقة، والتكنولوجيا.

وأوضح الكاتب أن قمة جدة جمعت رؤساء حكومات الدول التي تنتج حوالي 50 في المئة من نفط العالم، وكانت فرصة للعديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، الذين ترسخ اعتقادهم بأن الولايات المتحدة حولت تركيزها من منطقتهم إلى آسيا، لإعادة ضبط العلاقات مع واشنطن.

وقال بايدن للقادة العرب في خطاب ألقاه خلال القمة التي حضرتها دول مجلس التعاون الخليجي الست: البحرين، والكويت، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات، فضلًا عن مصر، والأردن، والعراق: إن "الولايات المتحدة تستثمر في بناء مستقبل إيجابي للمنطقة، بالشراكة معكم جميعا − والولايات المتحدة لن تتخلَّى عن المنطقة".

وفي النهاية لم يرق البيان الختامي للقمة إلى مستوى الضجيج الذي سبق الحدث المرتقب بشدة، إذ فشل في تشكيل جبهة علنية قوية ضد إيران، أو إقامة اتفاق أمني، أو الإعلان عن أية خطوات للتطبيع بين إسرائيل والسعودية.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود للصحافيين بعد القمة الأمريكية العربية: إن قرار الرياض بفتح مجالها الجوي لجميع شركات الطيران الإسرائيلية لا علاقة له بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وليس تمهيدا لمزيد من الخطوات. وقال اللواء العراقي المتقاعد ماجد القبيسي: إن الرئيس الأمريكي استقبله "شرق أوسط مختلف لم يقرأه بايدن قراءة صحيحة".

يظهر أن أفول نجم الولايات المتحدة كالقوة العالمية المهيمنة قد أصبح أكثر وضوحا من أي وقت مضى.

 

عمر نجيب

[email protected]