قالت لماذا لا تتفاءل بمقالاتك؟ كل ما تكتبه سوداوي! لماذا نوجع الرأس العربي بأحلام التضامن و لا نريح هذا الرأس بمتابعة اللطائف مثل “الفاشينيستا” و الفنانين المبسوطين الذين تفتح بوابات الاستقبال الكبيرة لهم في أوطاننا لتشجيع الصياعة، أم هي السياحة؟ هل هو إدمانُ المستحيل العربي في تحقيق ولو القليل من المواقف التي ترفع الرأس بإنجازاتٍ لا يستهلكها التعرِّي و الرقص؟ هل الواقع الأمثل أن نتعالج من هذا الإدمان العروبي و نقبل قدرنا المزري وأمثال عجرم و رمضان في نفوذهم العميق تطويح العرب. هل من أحد في إعلامنا المزدهر على هذه الفتات يقابل نابشي حاويات القمامة كل يوم ليسألهم ماذا يأكلون وكيف يغتسلون و بِمَ يأملون ويحلمون؟ أو أطفال العمالة الشاقة في المشاغل القذرة و ماذا يعانون؟ الإعلام العربي يلهث يومياً وراء لون قميص فنان و تسريحة علتان و الظهور المبهر لفلتان. و مع كل صباح تزداد نسبة العاطلين عن العمل والفقراء من المحيط للخليج. في عوالم لا تلتقي. كما إن جيوش المثقفين والمطلعين و القلقين العرب لا تستطيع أن تهز ضميراً و لا تغير سياسةً و يستطيع الثنائي الفذ من “الفاشينيستا” و “المطربين” أن يغسل العقول و يخترق الآداب و يجني المال الكثير. أعرفُ عَالِماً يفني حياته في البحثِ المفيد لعلاج المرضى و لا يستطيع اقتناء سيارةٍ حديثة. و مثله أمثال. بينما بالمقابل يجتذب راقصٌ متنططٌ المروجين من القطاعين الحكومي و الخاص و المتابعين المائلين بأسرع من انتشار النار في الهشيم. يُدعىٰ لإحياء الليالي والحفلات و المهرجانات مقابل مئات الألوف التي تُدْفَعُ من عرق دافعي الضرائب و المكوس الظالمة. و إن كانت كلمة “إحياء” تتصل بالحياة و الحياء فليس في هذا الفن منفعة لحياة أو حياء. لكنه التوجه الإعلامي المصمم على إحلال التفاهات مكان العلوم و الكرامات والقيم و مكان الأعمال النافعة التي يجب أن تُتاح للعاطلين والفقراء.
ما هي صِلةُ هذا بالواقع العربي و كيف وصلنا له؟ رغم تفشِّي السخرية من نظرية المؤامرة فلا بد من أن هناك شيئاً ما. إما أننا العرب مجاذيب نرضى بالتفاهة دون اعتراض أو أننا منافقين نقول عكس ما نريد و نفعل أو أننا ضالعين عن سبق إصرار في التخريب الحضاري للشعوب. السؤال هو ماذا نحن؟ و من يدعم تحريك المجتمع العربي بالاتجاه المتفلت؟ غباء، نفاق، رضاء أم إجرام؟ و لو كان الأمر هو وجود هذا الاتجاه التخريبي للمجتمعات بجانب إرث و ممارسة الأخلاق الحميدة و المكتسبة عبر الدين و العادات التي تقاومه و تدفعه للزاوية فلا يبقى يتبعه إلا الاستثناء لقلنا أن هذا طبيعي في ظل وجود تيارين متنافسين منذ بدء الخليقة. لكننا نشهد فعلاً ارتفاع درجة و استقواء و نفوذ تيار التفلت و تكبيل يدي الآداب و تشويهها بما يمكن. والتكبيل لا يتم بتغيير المناهج و حسب و لكنه يتسلل كذلك بنشر الخرافات و الغيبيات غير المعقولة و التزمت المبني على أسوأ العادات التي لا ينص عليها دين. و في انتشارٍ لا يهدأ لتذليل الأخلاقيات للسخافات و الابتذال باستخدام كل وسائل الاتصال الممكنة. و سكوت الدولة العربية. تلعب هذه السياسات المقصودة لعبة أخذ الشعوب للقبول بما لم يقبلوه سابقاً إلا للاستثناء القليل و الذي صار اليوم حقيقةَ حياة و من يرفضها أو حتى ينأى عنها يُتهمُ برفض التقدم والتواصل الحضاري والحاجة للمرونة لكي نعيش. ماذا يعني كي نعيش؟ يعني هذا اليوم أن نجري وراء المنح و المساعدات، و اليد العليا هنا هي التي تقول لنا، لليد السفلى، ماذا تفعل. و الفعل بات واضحاً. التخلي أو التغاضي أو تشجيع و دعم كل حركةٍ مضادةٍ للأخلاقيات بغرض التعميم الذي يجعل من الحياء بمعناه الشخصي والمجتمعي والوطني سِمَةً تَنُمُّ عن السذاجة. يعني إن كان هناك في الزمان الماضي شارعٌ موبوء نتوجس منه و نبتعد عنه فاليوم كثيرٌ منها موبوء و لا تقدر أن تعترض. انسحب هذا على عموم الواقع العربي. كان هناك عدو صهيوني ولا من صلةٍ معه إلا للقلة المستثناة، مثل شارعٍ موبوء، و اليوم سباقٌ نحوه و فيه و لهُ للتواد معه. نعم. تمشي يداً بيدٍ مسيرة انهدام الخلق و مسيرة انعدام الحياء السياسي. فيا حسرةً على العرب الذين لياليهم يُحييها رمضان و عجرم و تاريخهم لقيصر و “كوفاخي”.
علي الزعتري دبلوماسي أممي سابق