هل أصبح الرهان على هزيمة روسيا عسكريا واقتصاديا سرابا ؟ الغرب ومتاهة البحث عن تسوية سياسية للحرب في أوكرانيا....

أربعاء, 2022-06-15 06:29

مع قرب استكمال الحرب الدائرة منذ 24 فبراير 2022 وسط شرق أوروبا لشهرها الرابع، تكثر المعطيات التي تؤشر على وجود توجه يزداد قوة داخل الأوساط السياسية الغربية وخاصة في الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تتضمن حصول موسكو على تنازلات من أوكرانيا. المدافعون عن هذا التوجه يدعمون موقفهم بالتأكيد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحقق مكاسب عسكرية وسياسية بشكل ممنهج ومتواصل منذ شرع في العملية العسكرية، والعقوبات أو الحصار الغربي على روسيا يتعثر بشكل خطير والصين تستفيد من انشغال الولايات المتحدة وحلف الناتو المركز بالصراع الدائر في أوروبا لتحقيق مكاسب واسعة ليس في منطقة جنوب آسيا فقط بل كذلك في المحيط الهادئ، زيادة على ذلك يتقلص نفوذ الغرب لصالح موسكو وبكين في قارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما تتمرد حكومات دول عدة على الإملاءات الأمريكية والغربية مما يضعف السطوة الاقتصادية الغربية ويسمح للمنافسين بالعمل على سحب البساط من تحت أقدام الشركات الغربية المهيمنة التي تتحكم في استغلال الثروات الطبيعية الضخمة في أغلب قارات العالم. موزاة مع ذلك تستفحل الأزمات الاقتصادية في الغرب ومركز الدولار كعملة دولية مهيمنة مهدد خاصة إذا تواصلت الحرب.

في نفس الوقت يسعى تيار آخر للحيلولة دون تقديم أي مكاسب للكرملين ويصر على أنه يمكن للغرب أن يتابع دعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا وسياسيا مع تكثيف الحصار والعقوبات على روسيا بحيث يجبر قادة الكرملين على الرضوخ لمطالب الغرب وبالتالي يسد الطريق أمام جهود روسيا والصين ودول آخرى تسعى لتعديل النظام العالمي القائم منذ نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي عندما ترك انهيار الاتحاد السوفيتي الفرصة متاحةللولايات المتحدة لتفرض نظام القطب الواحد.

لا أحد يمكن في التوقيت الحالي أن يجزم بشأن أي من الاتجاهين سيسود، ولكن المسلم به أنه بالاضافة إلى حصيلة المواجهات العسكرية الدائرة على أرض أوكرانيا بين روسيا من جهة وحلف الناتو من جهة أخرى ومسار المواجهات الاقتصادية والسياسية، هي التي سيمكن أن ترجح كفة طرف على آخر فأما مرحلة تهدئة وتسويات وأما توسيع للصراع والاقتراب أكثر من خطر الحرب العالمية الثالثة.

 

تقدم منهجي

 

أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم 12 يونيو 2022 بأن القوات الروسية تختار أهدافا إقليمية في عمليتها العسكرية الخاصة وتحقق تقدما منهجيا في السيطرة على شرق أوكرانيا.

وقالت الصحيفة أن أوكرانيا تفتقر إلى الأسلحة التي تحتاجها في ظل تأرجح الدعم الغربي العسكري تزامنا مع انشغاله في مواجهة ارتفاع أسعار الغاز والتضخم المتسارع.

وأشارت إلى أن الأيام الأولى الحماسية للحرب بدأت تتلاشى، وحسب المحللين فإن الحرب أصبحت عبئا يضغط على حكومات واقتصاديات الدول الغربية واقتصاديات أخرى في العالم.

يوم 9 يونيو وحسب وكالة رويترز قال أحد كبار مساعدي الرئيس الأوكراني لبي بي سي، إن ما بين 100 إلى 200 جندي أوكراني يقتلون على خط المواجهة كل يوم.

وأكد ميخايلو بودولاك أن أوكرانيا بحاجة إلى مئات الأنظمة المدفعية الغربية لتحقيق تكافؤ في القوة العسكرية مع روسيا في منطقة دونباس الشرقية. وأشار أيضاً إلى أن كييف ليست مستعدة لاستئناف محادثات السلام مع موسكو.

وذكر بودولياك: "لقد استخدمت القوات الروسية إلى حد كبير كل شيء غير نووي على الجبهة، بما في ذلك المدفعية الثقيلة وأنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة والطيران".

وكرر نداء أوكرانيا للحصول على مزيد من الأسلحة من الغرب، قائلا إن "الافتقار التام للتكافؤ" بين الجيشين الروسي والأوكراني كان السبب في معدل الخسائر البشرية الفادح لأوكرانيا.

وأضاف: "مطالبنا بالمدفعية ليست مجرد نزوة... ولكنها حاجة موضوعية عندما يتعلق الأمر بالوضع في ساحة المعركة"، مشيراإلى أن أوكرانيا بحاجة إلى 150 إلى 300 نظام إطلاق صواريخ كي تتكافأ قوتها مع روسيا، وهو رقم أعلى مما تلقته حتى الآن بكثير.

كما قال إن محادثات السلام لا يمكن استئنافها إلا إذا سلمت روسيا الأراضي التي احتلتها منذ بداية غزوها في 24 فبراير.

إشارة بودولياك إلى أن ما بين 100 و200 جندي أوكراني يموتون كل يوم هو أعلى من التقديرات السابقة. إذ كان وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، قد قال يوم الخميس 2 يونيو، إن أوكرانيا تخسر 100 جندي يوميا وأن 500 آخرين يصابون.

 

حرب المدفعية

 

جاء في تقرير نشره موقع الحرة الأمريكي يوم 12 يونيو 2022: جددت أوكرانيا مناشدتها للغرب لإرسال إمدادات عاجلة من الأسلحة، حيث حذر مسؤولون من أن الحرب مع روسيا تتحول بسرعة إلى سلسلة من المعارك المدفعية التي يتميز بها الجيش الروسي.

ويقول مسؤولون في واشنطن، بحسب ما تنقل عنهم صحيفة وول ستريت جورنال، إن الأسلحة والذخيرة الأوكرانية التي تتناقص بسرعة أحد أهم أسباب إعاقة جهود أوكرانيا للدفاع عن البلاد من الغزو الروسي، حيث تعزز ترسانة المدفعية الروسية المتفوقة قدرة موسكو على الاستمرار في شن حملتها العسكرية.

وكتب معهد دراسة الحرب، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، في تحليله اليومي للحرب، الجمعة 10 يونيو: "المدفعية ستكون حاسمة بشكل متزايد في القتال شرق أوكرانيا".

ونشرت وكالة الأنباء الأوكرانية UNIAN، السبت، صورة لما قالت إنه أول نظام مدفعي M777 قدمته الولايات المتحدة وقد دمرته القوات الروسية بالقرب من مدينة ليسيتشانسك في منطقة لوغانسك. 

إدارة المخابرات العسكرية في وزارة الدفاع الأوكرانية، من جهتها، قالت: "ما زالت روسيا تتمتع بإمكانات كافية لشن حرب طويلة على بلادنا".

وفي إشارة إلى إصرار موسكو على وضع يدها على ما يعتبره الكرملين أرضا روسية، سلمت الإدارة الموالية لموسكو في خيرسون، السبت11 يونيو، جوازات سفر روسية لعدد من سكان هذه المدينة التي دخلتها القوات الروسية في جنوب أوكرانيا.

وأعلنت هيئة الأركان الأوكرانية صباح الأحد 12 يونيو أن القوات الروسية تشن هجمات على سيفيرودونيتسك والسيطرة على المدينة ستفتح لموسكو الطريق لمدينة كبرى أخرى هي كراماتورسك في حوض دونباس المنطقة التي يشكل الناطقون بالروسية غالبية سكانها وتريد روسيا السيطرة عليها بالكامل. ويسيطر انفصاليون موالون لروسيا على أجزاء من هذه المنطقة الغنية بالمناجم منذ 2014.

 

استنفدت ترسانتها السوفياتية

 

استنفدت أوكرانيا ترسانتها السوفياتية، وأصبحت تعتمد الآن حصريا على الأسلحة التي قدمها لها "حلفاء أجانب" بما في ذلك المدفعية الغربية، وفقا لعدة مصادر عسكرية أمريكية.

ولطالما اعتمدت الجمهورية السوفياتية سابقا على المعدات السوفياتية والروسية في بناء جيشها وقطاع الدفاع التابع لها، من أسلحة صغيرة ودبابات ومدفعيات هاوتزر، وغيرها من الأسلحة ذات المعايير الروسية التي لا يمكن الاستعاضة عنها بتلك التابعة لجيرانها الغربيين، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأفادت المصادر الأمريكية، بأن هذه المعدات استنفدت أو دمرت في المعارك على مدى أكثر من ثلاثة أشهر منذ اندلع النزاع.

واليوم، تستخدم قوات كييف، أو تتعلم كيفية استخدام، أسلحة صنعت في الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين المنضوين في حلف شمال الأطلسي "ناتو".

وبدا الغرب حذرا في بداية الحرب حيال تزويد كييف بالكثير من الأسلحة خشية إمكانية تسبب ذلك باندلاع نزاع بين الناتو وروسيا، كما شعر الغرب بالقلق من إمكانية سقوط تكنولوجيا الأسلحة المتقدمة في أيدي روسيا.

وبدلا من ذلك، قدم حلفاء أوكرانيا مخزوناتهم من المعدات ذات المعايير الروسية، بما في ذلك الدبابات والمروحيات لدعم قوات كييف، حيث قادت الولايات المتحدة جهود تمشيط دول سوفياتية سابقة أخرى للحصول على ذخيرة وقطع ومعدات إضافية تلبي احتياجات أوكرانيا، لكن كل هذه المعدات استنفدت أو دمرت.

وذكر مسؤول أمريكي في حديثه عن الأسلحة السوفياتية أو ذات المعايير الروسية "لم تعد موجودة في مناطق العالم التي يمكن للغرب الوصول اليها"، يعني ذلك، أنه بات على القوات الأوكرانية الانتقال إلى أسلحة غير مألوفة بالنسبة لها صنعت بناء على مواصفات غربية.

وتحت مظلة "مجموعة الاتصال" المخصصة لأوكرانيا التي تضم 40 عضوا، ينسق قادة جيوش الدول الحليفة مساعداتهم لتمكين قوات كييف من الحصول على الذخيرة وقطع الغيار والأسلحة بلا انقطاع، بحسب مسؤول عسكري أمريكي آخر.

لكن مسؤولين شددوا على أنه إذا بدا أن الأسلحة تصل ببطء، فيعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن الحلفاء يرغبون في التأكد من أن القوات الأوكرانية ستتمكن من استيعابها بشكل ثابت وآمن.

وتهدف هذه الوتيرة البطيئة لتدفق الأسلحة أيضا إلى الحد من مخاطر تسبب القصف في أوكرانيا بتدمير أي أسلحة مخزنة، وبالتالي، ترسل الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية إلى أوكرانيا على مراحل.

وتشمل آخر حزمة بقيمة 700 مليون دولار أُعلن عنها في الأول من يونيو أربع راجمات صواريخ من طراز "هيمارس" و1000 صاروخ مضاد للدبابات من طراز "جافلين" وأربع مروحيات بمعايير سوفياتية من طراز "مي - 17". كما تشمل 15 ألف قذيفة "هاوتزر" و15 مدرعة خفيفة وغير ذلك من الذخيرة.

وصرح المسؤول الأمريكي "نحاول المحافظة على تدفق الأسلحة بشكل ثابت".

في هذه الأثناء ويوم 5 يونيو 2022 كشفت صحيفة تورنتو ستار الكندية، عن إقدام مسؤولين أوكران وبشكل غير قانوني على بيع الأسلحة التي قدمتها الدول الغربية إلى كييف، وسط شكاوى المسلحين من نقص في الإمدادات.

ووفق الصحيفة، اشتكى المسلحون والمرتزقة الأجانب الذين يقاتلون في أوكرانيا من نقص الأسلحة والإمدادات الطبية: "هناك نقص في الذخيرة. يندفع الناس إلى المعركة في أحذية رياضية وزي رسمي غير متطابق. ويكاد يكون من المستحيل الحصول على مسكنات قوية مثل المورفين والفنتانيل والكيتامين والبروبوفول".

 

فشل ذريع

 

رأت وكالة أنباء "بلومبرغ" الامريكية في تقرير لها يوم 9 يونيو أن رفض عدد من الدول حول العالم انتقاد تصرفات روسيا في أوكرانيا كان نتيجة "فشل" و "خطأ جسيم" من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

وذكرت أن رفض عدد من الدول في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا انتقاد العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، يعود إلى "خطأ فادح" من جانب الغرب، زاعمين بأن "التسامح المحبط" لجنوب الكرة الأرضية تجاه تصرفات روسيا هو "فشل للولايات المتحدة وأصدقائها" يحتاج إلى "تصحيح".

وبحسب الباحثين، فإن مزيج إمدادات الأسلحة الروسية والاستثمار الصيني و"إهمال الولايات المتحدة"، أقنع العديد من الدول بأن التحالف مع أمريكا "لا مستقبل له".

وفي الوقت نفسه، يلفت التقرير إلى أن هذا الاتجاه على ما يبدو أصبح عالميا. وهكذا، تسببت القمة الجارية للأمريكتين في توترات جديدة، حيث يقاوم قادة المنطقة "رغبة الولايات المتحدة في دعوة الدول حسب تقديراتها. وفي مايو، عانت قمة الولايات المتحدةوالآسيان "رابطة دول جنوب شرق آسيا" في واشنطن من "إخفاق يصم الآذان".

ويضيف التقرير في هذا السياق: "قدمت بكين لقاحات ضد فيروس كورونا إلى العديد من البلدان المنكوبة، فيما كانت روسيا ولا تزال موردا رئيسا للأسلحة، وكذلك الحبوب والأسمدة إلى الهند وجزء كبير من إفريقيا. وفي الوقت نفسه، لم تطرح موسكو ولا بكين أسئلة حول الشؤون الداخلية للدول ولا تدخلت فيها".

وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن سياسة احتواء روسيا وإضعافها هي إستراتيجية طويلة الأمد بالنسبة للغرب، والعقوبات وجهت ضربة خطيرة للاقتصاد العالمي برمته، لافتا إلى أن الأحداث الحالية ترسم خطا تحت الهيمنة العالمية للغرب في السياسة والاقتصاد، مشددا في الوقت نفسه على أن روسيا لن تعزل نفسها ولا يمكن عزلها بشكل قاس في العالم المعاصر.

 

خطأ فادحا ارتكبه بايدن

 

بتاريخ 8 يونيو 2022 أكد الخبير الأمريكي، يوري روغوليف، أنسياسة العقوبات المعادية لروسيا فشلت لأسباب أهمها الغرور المفرط، والاستخفاف بالمؤشرات الاقتصادية لروسيا التي نشرها الأمريكيون ويعتمدون عليها.

وقال مدير مركز "فرانكلين. روزفلت" للدراسات لوكالة "برايم": "هناك الآلاف من المحللين في وكالة المخابرات المركزية وحدها، وفي الخدمات الأخرى هناك عشرات الآلاف من الأشخاص الذين من المفترض أن يقارنوا ويحللوا ويقيموا وفقا للدولة، وقد استخفوا جميعا بدور روسيا في الاقتصاد العالمي، وتأثيرها".

وأضاف: "على الرغم من ذلك، اعتمدت الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن على رأي لا أساس له من أن ضربة خارجية واحدة ستكون كافية لانهيار روسيا بالكامل، ومع ذلك، لم تأخذ الولايات المتحدة في الاعتبار سلاسل التوريد للسلع والمواد الخام والمواد الغذائية الروسية".

وتابع: "تحتل روسيا المرتبة 11 من حيث الناتج المحلي الإجمالي في القائمة العالمية، ومن حيث القوة الشرائية المرتبة 5-6، وهو ما يمكن مقارنته بالاقتصاديات الأوروبية".

وأوضح أن "الاقتصاد الروسي على عكس الاقتصاد الأمريكي، له طابع حقيقي.. وهم ببساطة لا ينسجمون مع المفهوم الأمريكي للاقتصاد".

إذا كان تضرر الاقتصاد الروسي محدودا فإن الخسائر الغربية كبيرة جدا فوفقا لصحيفة "وول ستريت جورنال" تكبدت الشركات العالمية التي انخرطت في المقاطعة خسائر بأكثر من 59 مليار دولار من عملياتها في روسيا، مع تضرر الاقتصاد بفعل العقوبات، وتعهدت نحو ألف شركة غربية بالخروج أو تقليص عملياتها في روسيا.

وتتوقع شركة ماكدونالدز العملاقة، تسجيل رسوم تتراوح بين 1.2 مليار دولار و 1.4 مليار دولار بعد الموافقة على بيع مطاعمها الروسية إلى صاحب ترخيص محلي، بينما دفعت شركةExxon Mobil Corp أكثر من 3.4 مليار دولار بعد أن أوقفت العمليات في مشروع للنفط والغاز في الشرق الأقصى لروسيا.

 

عوائد أعلى من المحقق قبل الحرب

 

نقلت صحيفة الاقتصادي يوم السبت 11 يونيو عن آموس هوكشتاين مبعوث أمن الطاقة الأمريكي قوله للمشرعين، خلال جلسة في واشنطن، إن "عوائد روسيا من النفط والغاز ربما تزيد حاليا عنها قبل فترة وجيزة من الحرب في أوكرانيا، إذ عوضت الزيادات في الأسعار العالمية تأثير الجهود الغربية للحد من مبيعاتها".

وفي معرض رده على سؤال في اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ بشأن أوروبا والتعاون الأمني الإقليمي عما إذا كانت موسكو تجني الآن أموالا من مبيعاتها من النفط الخام والغاز أكثر مما كانت تحققه قبل شهرين من بدء الحرب، قال هوكشتاين "لا يمكنني إنكار ذلك".

وفي حين إن جهود الحظر الغربية أبطأت التداول العالمي في الوقود الروسي، فقد تسببت في ارتفاع أسعار النفط والغاز العالمية. واقترب سعر خام برنت من أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر متخطيا 123 دولارا للبرميل.

وأشار هوكشتاين إلى أن زيادة الطلب العالمي على النفط من الدول المستهلكة مع رفع قيود جائحة كوفيد - 19 كانت "أكبر بكثير وأقوى مما توقعه أي شخص".

في الوقت نفسه، تمكنت روسيا من بيع مزيد من الشحنات إلى مشترين آخرين، من بينهم مستهلكا الطاقة الرئيسان الصين والهند، من خلال عرض النفط بأسعار أقل من مصدرين آخرين.

وذكر هوكشتاين "إنه في حين إن المبيعات الروسية للصين والهند كانت بأسعار أقل مقارنة بأسعار الإمدادات من الدول الأخرى، فإن ارتفاع أسعار السوق العالمية يعني أن عوائد روسيا من المرجح أن تكون أعلى الآن".

وقالت وكالة الطاقة الدولية في مايو، إن "عوائد النفط الروسية ارتفعت 50 في المائة منذ بداية العام لتصل إلى 20 مليار دولار شهريا، مع حصول الاتحاد الأوروبي على الحصة الأكبر من صادراتها.

ونتيجة لتداعيات الحرب الروسية، قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة ترافيجورا العالمية لتجارة السلع الأولية إن "أسعار النفط قد تصل قريبا إلى 150 دولارا للبرميل، ومن المنتظر أن تقفز إلى مستويات أكثر ارتفاعا هذا العام".

 

لعبة خاسرة

 

تتباهى واشنطن وبروكسل برفض استيراد النفط الروسي، لكنهما تواصلان شراءه باستخدام طرق ملتوية متعددة. ومن المعروف أن الأوروبيين يتلقون "خليط النفط اللاتفي" منذ فترة طويلة نسبيا.

والآن باشرت الشركات الأمريكية باستخدام الحلول المماثلة وغيرها للحصول على النفط الروسي، وتقوم بنجاح بإخفاء مصادر النفط "من أجل الحفاظ على الإمدادات".

ووفقا لصحيفة The Wall Street Journal، رغم سريان الحظر الأمريكي على استيراد النفط الروسي منذ أبريل 2022، إلا أنه في مايو، وصلت ناقلات نفط إلى موانئ نيويورك ونيوجيرسي، ويعتقد أنها محملة بمشتقات النفط الروسي. وشددت الصحيفة على أن الطرف المستلم لهذا النفط يحرص على إخفاء أصله، وفقط يعرف أنه قدم إلى الولايات المتحدة عبر قناة السويس والمحيط الأطلسي من مصافي النفط الهندية التي تعتبر من المشترين الرئيسيين للنفط الروسي.

ويتم استخدام نفس الطرق الملتوية، لتوريد الوقود إلى أوروبا. على سبيل المثال، في أبريل، أفادت وكالة "بلومبرغ" بأن بعض الشركات الأوروبية تمكنت من تخطي قيود العقوبات: يتم استخدام ما يسمى بخليط لاتفيا الذي يتم تحضيره من أنواع مختلفة من النفط، وفيه أقل من 50 في المائة من النفط الروسي، ووفقا للوكالة، لا تعتبر شركة "شل" هذا انتهاكا للعقوبات.

في أبريل، تجاوزت آسيا الجانب الأوروبي لأول مرة من حيث مشتريات النفط الخام ومشتقاته من روسيا. اشترت الهند كمية كبيرة بشكل خاص: منذ فبراير، حوالي 62.5 مليون برميل، أي أكثر بثلاث مرات من نفس الفترة من عام 2021.

في الوقت نفسه، منذ بداية الربيع، زاد استيراد أوروبا لمشتقات النفط والوقود من الهند بنسبة 30 في المائة، وبالنسبة للولايات المتحدة بنسبة 43 في المائة. وهذا الأمر يسمح للهند بتحقيق أرباح كبيرة: تحصل على النفط الخام من روسيا بسعر مخفض (هذه الكمية تشكل الآن حوالي 20 في المائة. تشتري الهند النفط الروسي من ماركة Urals بسعر 89-92 دولارا للبرميل).

في الواقع، استغل الآسيويون الموقف لجني الربح: فقد قاموا بشراء النفط الروسي بسعر معقول وأعادوا بيعه بشكل مربح. وهذه العملية لا تضر روسيا بتاتا.

ما يتم مع النفط يطبق كذلك على الحبوب.

فيوم 10 يونيو كشف فلاديمير روغوف، عضو المجلس الرئيسي للإدارة العسكرية المدنية في منطقة زابوروجيه، أن أمريكا الشمالية تشتري الحبوب من الأراضي "المحررة" في منطقة زابوروجيه عبر دول ثالثة.

وذكر روغوف على قناة "روسيا-24" التلفزيونية يوم الجمعة: "منطقة زابوروجيه هي، في الواقع، مخزن الوطن الأم، إنها دائما سلة خبز جنوب روسيا. وفي السنوات السوفيتية، كان لدينا حصاد كبير جدا من الحبوب، وتم تكريم كل مليون طن من الحبوب بشعارات وجوائز وتكريمات. يتم الاتصال بنا من قبل المنتجين الزراعيين الذين ليس لديهم مكان لوضع الحبوب من فائضه منذ حصاد عام 2021".

 

حلول

 

قال ريتشارد هاس، رئيس المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، إن أوكرانيا لن تتمكن من العودة إلى حدود 23 فبراير 2022، وذلك رغم استمرار المساعدة الغربية بالشكل الذي يتم تقديمه الآن.

وقال هاس في مقال نشر يوم الجمعة 10 يونيو في مجلة Foreign Affairs إن "الولايات المتحدة رفضت إرسال أفراد عسكريين، ورفضت فكرة منطقة حظر الطيران فوق أوكرانيا وتخلت عن فكرة كسر الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية"، مشيرا إلى أن "ضبط النفس هذا أصبح مظهرا من مظاهر الحكمة، لكنه يؤكد مرة أخرى حقيقة أن أوكرانيا ستضطر للقتال بنفسها، وحتى بمساعدة الغرب، ربما لن تكون قادرة على استعادة الوضع الذي كان قائما قبل فبراير، ولا حتى عام 2014".

في الوقت نفسه، اعتبر هاس أنه على الرغم من ذلك، من غير المرجح أن توافق أوكرانيا في الوضع الحالي على إبرام سلام مع روسيا إذا كان ينص على توطيد تنازلات إقليمية خطيرة، لأن المساعدة الغربية المتاحة لا تزال تمنحها الفرصة لمواصلة القتال. ومع ذلك، يلاحظ الخبير أن أي مشارك في النزاع يجب أن يزن باستمرار إيجابيات وسلبيات استمراره مع الخسائر والمكاسب المحتملة من وقف الأعمال العدائية.

وتابع هاس: "التنازل عن الأراضي من أجل السلام قد يكون أو لا يكون خيارا جذابا لأوكرانيا، تعتمد الإجابة على المناطق وإلى أي مدى نتحدث عنها، وما إذا كانت هناك إمكانية لإعادة هذه الأراضي في المستقبل، بالإضافة إلى شروط السلام الأخرى.

قبل ذلك يوم 3 يونيو قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الأمر متروك لأوكرانيا عندما سئل عما إذا كانت كييف بحاجة إلى التنازل عن جزء من أراضيها لتحقيق السلام وإنهاء الغزو الروسي.

وأضاف بايدن، للصحفيين في ريهوبوث بولاية ديلاوير، يوم الجمعة: "لن أخبرهم بما ينبغي عليهم وما ينبغي عليهم فعله"، وتابع: "منذ البداية، قلت ولم يتفق الجميع معي لا شيء عن أوكرانيا بدون أوكرانيا إنها أراضيهم".

وذكر الرئيس الأمريكي: "في وقت ما، ستكون هناك حاجة إلى تسوية بين البلدين"، وتابع: "ما يستلزم ذلك، لا أعرف". وأكد بايدن أن بلاده ستواصل وضع الأوكرانيين في موقف يمكنهم من خلاله الدفاع عن أنفسهم.

 

تنازلات إقليمية من أجل السلام

 

يوم 12 يونيو صرح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في مؤتمر صحفي عقده مع الرئيس الفنلندي سولي نينيستي: "السلام في أوكرانيا ممكن. السؤال الوحيد هو ما هو الثمن الذي أنتم على استعداد لدفعه مقابل هذا السلام. ما هو مقدار استعدادكم للتضحية بالأرض، والاستقلال، والسيادة، والحرية والديمقراطية. هذه معضلة أخلاقية صعبة للغاية".

ووفقا له، سيستمر التحالف في دعم سلطات كييف، لكنه في الوقت نفسه سيحاول بكل الوسائل تجنب التصعيد مع روسيا. وأضاف أن هذا هو سبب رفض الحلف إرسال وحداته إلى الأراضي الأوكرانية، كما رفض إمكانية فرض منطقة حظر طيران.

في كندا أكد نائب البرلمان الكندي من الحزب الليبرالي، إيفان بيكر، أن "التعب" من أوكرانيا يتراكم في الدول الغربية، مما ينعكس في الدعوات الموجهة إلى كييف للموافقة على تنازلات إقليمية.

وقال بيكر لقناة "أوكرانيا 24"، يوم السبت 11 يونيو: "هناك تعب من أوكرانيا في عدد من الدول الغربية. فمثلا قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون مؤخرا إن هناك حاجة لتهدئة روسيا، والعمل لكي تكون روسيا هادئة. وقال واحد آخر إنه يجب على أوكرانيا أن تتخلى عن جزء من أراضيها. نعم، يجري حديث مماثل، وهذا ما يثير قلقا لدي".

وكان الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، قال، سابقا، إن التعب من الوضع في أوكرانيا يتراكم في العالم، وإن أطرافا تدفع كييف إلى نتيجة غير مفيدة بالنسبة لها فيما يخص اتفاقياتها المقبلة مع روسيا.

 

تحالف الصين وروسيا

 

ذكر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنغر، إن الغرب بحاجة إلى "إيجاد مكان" لروسيا بعد الأحداث في أوكرانيا، حتى لا تتحول إلى "موقع حصين" للصين في أوروبا.

وأضاف كيسنغر في مقابلة يوم 12 يونيو مع صحيفة "التايمز": "بعد استكمالها (العملية الخاصة في أوكرانيا)، سيكون من الضروري إيجاد مكان لأوكرانيا ومكان لروسيا، إذا كنا لا نريد أن تصبح روسيا موقعا قويا للصين في أوروبا".

وفي حديثه عن الناتو، أشار وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، إلى أنه من المهم الحفاظ على منظمة "تعكس التعاون الأوروبي والأمريكي". وأعرب عن رأي مفاده أنه من الضروري الاعتراف بأنه ستكون هناك "أسئلة كبيرة" في علاقات الشرق الأوسط وآسيا مع أوروبا وأمريكا.

وأشار إلى أنه ليس من الضروري أن تكون آراء أعضاء حلف شمال الأطلسي متجانسة، مضيفا أن أعضاء هذه الكتلة العسكرية اتحدوا بشأن الوضع في أوكرانيا لأنها "تذكرهم" بـ "التهديدات" القديمة.

واعتبر كيسنغر، أن الولايات المتحدة باتت منقسمة اليوم أكثر مما كانت عليه خلال حرب فيتنام.

وأضاف ردا على سؤال لصحيفة "التايمز" حول هذه المسألة: "نعم، أكثر (مما كانت عليه في حرب فيتنام) بما لا يقارن". وأوضح كيسنغر أنه في أوائل السبعينيات، كان التعاون بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة لا يزال ممكنا، وكانت "المصلحة الوطنية" مفهوما "له معنى" ولم تكن بحد ذاتها موضوعا للنقاش.

ويرى الوزير الأسبق أن كل إدارة في الولايات المتحدة تواجه اليوم "عداء مستمرا" من المعارضة المبنية على أسس مختلفة.

ووفقا لكيسنغر بالنسبة للولايات المتحدة، فإن توقع أن تصبح الصين "القوة المهيمنة" هي إستراتيجية لم تعد معقولة، مضيفا أنه لا يعتقد أن الهيمنة على العالم هو "مفهوم صيني"، لكنه يعتقد أن الصين يمكن أن تصبح "قوية" للغاية، وشدد على أن ذلك "ليس في مصلحة" الولايات المتحدة.

 

إعدام الاتحاد الأوروبي

 

يشير مراقبون غربيون أن أنصار الغرب في كييف مقبلون على مواجهة خيبة أمل جديدة تتعلق بروابطهم بالاتحاد الأوروبي الأمر الذي انضم إلى النكسات العسكرية قد يعصف بحكومة كييفويبدلها.

وعدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين خلال زيارة مفاجئة لكييف يوم السبت 11 يونيو برد بشأن ترشح أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وتطالب كييف ب"التزام قانوني" ملموس وبإشارة قوية لكن الأوروبيين منقسمون ويماطلون بشأن منح أوكرانيا رسميا بحلول نهاية يونيو وضع الدولة المرشحة للانضمام إلى اتحادهم على الرغم من تأكيداتهم المتكررة على انتمائها إلى "الأسرة الأوروبية".

وحتى إذا حصلت أوكرانيا على "وضع المرشح"، ستبدأ عملية مفاوضات وإصلاحات محتملة قد تستغرق سنوات إن لم يكن عقودا قبل ضمها إلى الاتحاد الأوروبي. ونبه كثير من دول الاتحاد كييف إلى أنه لن يكون هناك مسار "سريع" لانضمامها.

وبالنسبة لأوكرانيا، سيشكل الحصول على وضع الدولة المرشحة رسميا للانضمام إلى الاتحاد "نقطة انطلاق" لعملية طويلة من المفاوضات والإصلاحات، كما قال زيلينسكي في تسجيل فيديو مساء السبت، مؤكدا "سنعمل بجدية أكبر على المستويات كافة (...) إنه أمر مهم جدا بالنسبة إلينا".

والدول ال27 منقسمة بشكل كبير حول مسألة ترشيح أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وبالإضافة إلى أوكرانيا، يفترض أن تصدر المفوضية رأيها حول منح جورجيا ومولدافيا أيضا وضع الدولة المرشحة.

تدعم دول عدة معظمها في أوروبا الشرقية انضمام أوكرانيا، لكن بلدانا أخرى مثل هولندا والدنمارك وكذلك ألمانيا وفرنسا التي ترأس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية يونيو، متحفظة جدا.

وخلال انعقاد المجلس الأوروبي نهاية مايو، أكد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي أن "كل الدول الكبرى تقريبا في الاتحاد الأوروبي تعارض منح أوكرانيا وضع المرشح، باستثناء إيطاليا".

واعترف مصدر دبلوماسي من إحدى هذه الدول بأن "منح أوكرانيا وضع مرشح مسألة هائلة"، مشيرا إلى عقبات من بينها أنها في حالة حرب وتعاني الفساد، فضلا عن الإصلاحات التي يتعين عليها القيام بها.

وأضاف أن "دولا كثيرة داخل الاتحاد الأوروبي تريد أن تظهر أنها "الأكثر أوكرانية" في المجموعة لكنها تدرك جيدا أننا لا نستطيع إدخال أوكرانيا بتسرع"، موضحا أن هذه البلدان تدرك "أن علينا ألا نخفف شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإلا نقتل الاتحاد الأوروبي".

وصرح مصدر دبلوماسي آخر في بروكسل أنه "من الصعب تصور مفاوضات حول انضمام أوكرانيا حاليا، لكن تجري مناقشات في الوقت الراهن بين العواصم عن كيفية إعطاء الإشارة الصحيحة".

الرئاسة الفرنسية ذكرت إن القمة الأوروبية التي ستعقد في نهاية يونيو يمكن أن تقدم خيارات عدة لأوكرانيا مثل منحها وضع الدولة المرشحة بشروط أو وضع المرشح مع تحديد موعد لبدء المفاوضات أو بند مراجعة وضعها.

الباحث فرانسوا هيسبورغ قال إنه يتوقع "صيغا ملتوية ووعودا لا تلزم سوى الذين يسمعونها"، مشيرا إلى أن ترشح أوكرانيا "لا يثير حماسة" لا في باريس ولا في برلين، القوتين الأوروبيتين الكبيرتين.

من جهته، كتبت المحللة الإستونية كريستي رايك على تويتر "إذا فشل المجلس الأوروبي في اتخاذ قرار إيجابي في نهاية يونيو، فسيكون ذلك محبطا جدا لأوكرانيا ودول أعضاء تعتبر انضمام أوكرانيا إلى أوروبا ضرورة جيوسياسية حاسمة".

حاليا، هناك خمس دول (ألبانيا ومقدونيا الشمالية ومونتينيغرو وصربيا وتركيا) مرشحة رسميا للانضمام إلى الكتلة، بينما كوسوفو والبوسنة والهرسك مرشحتان محتملتان.

وقد انضمت إليهما أوكرانيا وجورجيا ومولدافيا التي قدمت طلبات انضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعد الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا.

 

عمر نجيب

[email protected]