الفصل الثاني : دردشة في السياسة داخل المخيمات :
السيد اطول عمرو من خلال سردك لتلك الأحداث بعمق وتحليلك لبعض جوانبها يبدو أنك على دراية لا بأس بها بمايدور في البلد من سياسات مما يجعلني أتمنى عليك لوسمحت لي بالعودة بك مرة أخرى إلى الماضي لأسألك عما إذا كنت في تلك الفترات المتتالية التي قضيت في مدينتي انواذيبو وانواكشوط في العقود الثلاث الماضية ، قد انضممت لإحدى تلك الحركات السياسية التي كانت متواجدة يومئذ في هاتين المدينتين لكي يؤ طرونك وذلك من اجل إيجاد عمل ما مناسب لك ولائق بقدراتك البدنية والذهنية ، ولعل ذلك قد كان لربما يغنيك عن الترحال لتستقر في وطنك ؟
وتلك الحركات التي أعني فهي الكادحون والبعثيون وكذا الناصريون ثم الأخوان المسلمون وجمعياتهم التعاونية الكثيرة المتعددة ،وأخيرا حركة الحر وتفرعاتها هي لإخرى تحت أسماء مختلفة .
فصمت عني برهة لربما كان يمنهج في ذهنه ما سيقول ، ثم تثاءب وحمد الله وأثنى عليه ، وقال فلم أكن في بداية حياتي أهتم كثيرا بالسياسة لأني لست متعلما ولا أعيش في بئة كان أهلها يتعاطون السياسة . ولكن بعد الأنتفاضة الشعبية التي قد حصلت في جمهورية مالي والتي أطاحت بنظام السيد الرئيس موسى اتراورى ، وقد اشاد بها الإعلام الغربي وقد طبل لها كثيرا ، والتي يبدو أن السيد الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع قد استشعر خطورة انتقال عدوى تلك الهبة الشعبية إلى بلادنا ، وبالتالي بادر مسرعا يومئذ بوضع دستور كي يمتص بوا سطته غضب الجماهير المتعطشة للتغيير ، وقد نص فيه على مجلس اجتماعي واقتصادي ، سرعان ما ماأضاف إليه إنشاء نظام للبلديات ولاحقا إنشاء الأحزاب السياسية ثم انتخاب برلمان مكون من غرفتين على غرار مافي فرنسا ، من حيث الشكل على الأقل ثم انتخابات رئاسة لاحقة .
فهذه الأحداث مجتمعة قد نبهتني إلى ضرورة الأضطلاع على بعض الأمور المتعلقة بنظم الحكم في بعض الدول . ولقد علمت لاحقا بأنه في إطار حقل السياسة توجد عدة أنظمة ديمقراطية منتخبة سواء كانت رئاسية أوبرلمانية، وأن هناك أنظمة أخرى دكتاتورية ، سواء كانت ملكية ، أو عسكرية ، وهذه تسمى بحكم الفرد ، وذلك لكون الملك أو الضابط (الرئيس ) يحتكر لنفسه معظم السلطات في تلك البلاد حيث وصل إلى الحكم بوسائل غير انتخابابية وهناك أيضا نظام ثالث شبه ديمقراطي من حيث الشكل وهو في الواقع نظام استبدادي ، فظاهره مؤسسات تشبه في شكلها الخارجي الأنظمة الديمقراطية ولكن من الباطن في واقع الأمر فما هو إلانظام دكتاتوري ، يفتقد للشرعية القانونية وكذا ( الشوروية )والعدالة ، ويمتاز ذلك النظام بكون البرلمان فيه شبه معين معظم أفراد غرفتيه من طرف السلطة الحاكمة ، وليست لديه من صلاحيات تذكر ربما سوى المصادقة على مشاريع القوانين ورقابة صورية للحكومة وكذا المصادقة على الإ تفاقيات الدولية لكو نها تحتاج إلى تلك المصادقة النيابية ولولاها لرأينا دولا كثيرة بلا برلمانات على الإطلاق ومنها بلادنا!
وإذاما وجد في ذلك البرلمان من ينتمي للمعارضة فإن ذلك سيكون مجرد أفراد لذر الرماد في عيون الغرب الذين يفرضون نمط أنظمتهم السياسية على معظم الدول ولو كان ذلك شكلياعلى الأقل ! ولكون الأ نتخبات أيضا عادة ما تكون مزورة في ذلك النظام الذي قد شرع لصالحه بأن الذي سيصوت أويقترع فهي بطاقة التعريف نفسها التي توجد عليها صورة وختم ، بغض النظر عمن يصوت بها، وبعد ذلك لايهم من يصوت ، فتارة سترى أمرأة مثلا تصوت ببطاقة رجل ثم العكس صحيح ، وحتى لو كانت تلك البطاقة عائدة لمية منذو سنوات ! ولجنة الانتخابات في هذا النظام فدورها يقتصر على تنفيذ الأوامر الشفهية للسلطات الحاكمة يومئذ ، والمجلس الدستوري فدوره مثل المحكمة العليا في الأنتخابات أيضا لايختلف كثيرا عما تصبوا إليه السلطات الحاكمة في شؤون أمور الحكم المختلفة !
فهذه الأوضاع وغيرها أعتقد بأنها هي التي قد جعلت تلك الحركات السياسية كلها والقريبة العهد من العمل السري وعديمة الخبرة في مجال الأنتخابات ، والتي ليست لديها اموال تنافس بها في سوق الحملات الأنتخابية ، كل ذلك جعلها تتبخر أو تذوب فجأة كفص ملح ألقي به في بركة ماء ساخنة !
إذن فهذه بعض تلك الظروف التي جعلتني أبحثت فيها عن قيادات تلك الحركات السياسية ، فإذا ببعضهم قد انضم لحزب النظام الحاكم الذي كان عدوا لهم بالامس القريب ، وهاهم اليوم ربما ينشرون له الدعاية ، ويبشرون بفجره الجديد ، وكو نه ستنعم في ظل حكمه كل البشرية بالأمن والرخاء ، وهو ذلك الحزب الذي يعد جاهزا طول الوقت بلا انتخابات وكأنه عربات قطار تنتظر على سكتها رأس قطار قد يسحبها نحو هدف سائققه الذي هو رئيس الدولة الجديد ! سواء قد كان رئيسا منتخبا أو منقلبا على رئيس سابق !
ثم كون مبادئ ذلك الحزب غير المعلنة تقوم أساسا على تبرير ممارسات الحكام ومساعدتهم على الإستمرار طيلة حكمهم على ظلم المواطنين ! وعلاقة أتباع ذلك الحزب برئيسه المعين بشبه مرسوم رئاسي عادة ما يكون شفهيا على إدارة ذلك المرفق الحزبي كما هو ظاهر من حالهم ، فتلك العلاقة ربما مقتبسة في معظمها من (گاف ) قديم متداول لدينا كان يترنم به بعض مجاذيب المتصوفة في مناطقنا الشرقية حيث ينشدونه في حالة انجذاب صوفي قائلين ( آن شيخ معروف ماه امكدر : ما يامرن امعروف ولا ينهين عن منكر ) .وذلك حال رئيس حزبهم الحاكم لا يختلف عنه كثيرا !
ومن تلك الحركات أيضا من سلك طريق المعارضة إذلم يروا موقعا مناسبا ومفيدا لهم في الحزب الحاكم مثلهم مثل المعارضة نفسها ، ومنهم من عاد إلى حضن زعيم قبيلته وذلك لليساعده في تحالفاته السياسية مع النظام ،ومنهم من تسلق سلم (لفرنكفونية) لكي يتقوى بهاعلى بلاده !
ولفرنكفونية لكل من لايعرف حقيقة نسختها الموريتانية فإنها بمثابة ما يعرف ( بمسمار جحا ) ذلك الذي قد تركه الفرنسيون مغروزا في جسم النظام السياسي الموريتاني منذ الأستقلال وحتى الآن ويحركونه كلما حاول النظام الموريتاني البحث عن هوية تجمعه مع من يشترك مع أكثرية شعبه في اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا والآمال والآلام وكذا التكامل الأقتصادي ، إلاوتحرك فرنسا ذلك المسمار الصدئ بواسطة الحركات لفرنكفونية الزنجية ، وكذا شركائهم من الحركات لفرنكفونية الأخرى الموريتانية و من مختلف تلك الفئات التي تعد مهمشة والذين لربما أكثريتهم دوافعها نفعية آنية محضة !
لليقول لفرنكفونيون بقيادة متطرفي تلك الحركة الزنجية توقفوا يادعاة ترسيم اللغة العربية مكانكم ، فلا تخطوا خطوة واحدة تجاه ترسيم اللغة العربية حتى تحققوا لنا نحن بعض المطالب المستعجلة ألا وهي : أن تطوروا لنا نحن أيضا لهجاتنا غصبا عنكم وحتى تصل إلى المستوى الحالي لغتكم العربية ، و ذلك بحروفها الخاصة ونحوها وصرفها وبلاغتها وعروضها وفكرها وما أرسل به الرسل والأنبياء بواستطتها من عقيدة ووعظ وحكمة !
وأن يخصص للغاتنا المطورة مجالها في كل من الإدارة وفي القضاء كذلك أيضا وأثناء ذلك فإن أردتم فلنعتري لغة أو نؤجرها لنتواصل بواسطتها ، وذلك بمقابل جزء من ريع اقتصادنا وثقافتنا وحتى كرامتنا الوطنية فهذا عندهم فهو مفهوم المساواة ثم العدالة وقد كانت كل طلباتهم تلك المتعلقة باللغة فيقدمونها باسلوب ومنطق التعجيز وبدلا مما قد سبق فقد كان على كل لفركفونيين الموريتانين وغيرهم من زنوج وعربا إن كانوا موضوعيين بأن يطالبوا بانعقاد مؤتمر دولي إفريقي نمثل نحن فيه أيضا وذلك من أجل إنشاء لجنة ما من خبراء اللغات وكذ اللسنيات أيضا لتطوير معظم اللهجات الإفريقية ، وسوف نشترك نحن في التمويل وفي استخدام مايعنينا أيضا من تلك اللغات إن وجدت .
أما وأن تعفى جميع الدول الإفيقية من مسؤولية تطوير لغات قومياتهم ، حتى بعض دولهم التي هم أكثرية فيها ، ونرغم نحن وحدنا فقط تحت سياط وشغب لفرنكفونية على تعطيل العمل بلغتنا الرسمية ، ولنتركها تراوح مكانها إلى أجل غير مسمى !
فمعنى ذلك بلغة التحليل السياسي بأن المستهدف بتلك المطالب شبه المستحيل تنفيذها في الوقت الحالي على الأقل فهم تلك الأ نظمة السياسية الموريتانية باعتبارها ناقصة الشرعية بالمفهوم الدستوري منذ نشأتها ولكل نظام منها عواره الخاص به !
بالإضافة إلى اعتبار شريحة البظان التي قد كانت الحاضنة للرؤساء بصفتها الأكثرية من جهة ، ولكونها أيضا لا يهتم معظم أفرادها بالسياسة ولا حتى بالدولة ذاتها من جهة ثانية ، وذلك منذ ما قبل الأستعمار ، بل اهتمامهم يكاد ينحصر كله في ماضيهم القبلي وكذا أصولهم التاريخية !والدولة بالنسبة لهم في أحسن أحوالها مجرد ضيف زائر سرعان ماسيرحل موصين بإن ( شوكة الخاطر لادگمهم ) إن حوار لفركفو نيين من وجهة نظري في شأن ما يتعلق بلغة البلاد الرسمية ، يشبه إلى حد بعيد مارد به ( الزير سالم ) على من طلبوا الصلح معه في شأن مقتل أخيه كليب، حيث كان جوابه لهم بالمختصر المفيد فهو كون ( ابنة أخيه تريد أباها حيا ) !
ومن تلك الحركات أيضا من أصبح بعضها يتاجر بواقع تلك الفئات الإجتماعية شبه المهمشة خصوصا شريحة لحراطين ، والمؤسف له أن تجار ( النخاسة الجدد ) أولئك لا يعطون شيئا للحراطين مما يأخذونه من الأوربيين ولا من الدولة ولا من رجال الأعمال باسمهم ! فلا ترى واحدا منهم يبني قسما دراسيا مثلا في آدوابه ولا يأتي بشاحنة محملة بمواد غذائة لهذه القرية أوتلك !
ومن هذه الحركات أيضا من قد صار كأنه خليجيا تنقصه الكوفية والعقال ، ويأتمر بأوامر تلك الدولة الخليجية التي تمولهم ماليا وتؤطر هم كذلك سياسيا ، وتدعمهم إعلاميا وتحميهم حتى من بطش وهيمنة سلطاتهم الحاكمة وكذا تقلب أمزجتها ، وذلك بنفوذ تلك الولة على دولتهم !
ومن هذه الحركات كذلك من تشجع وأسس حزبا خاصا بحركته السياسية ، ثم أعطاه إسما لليوحي بمبادئ تلك الحركة وأهدافها، ولكنه بعد مدة وجيزة سيتبين لهم بأن المنتسبين لذلك الحزب مازلوا مجرد أولئك الذين كانوا في خلاياهم السرية ، ناقصين من قد تسربوا منهم داخل حزب النظام وكذا أحزاب المعارضة وربما لزعماء القبائل ورجال الأعمال ، مما سيضطرهم لاحقا ، أي تلك الحركات إلى التنازل عن قيادات احزابهم ، لصالح زعماء شرائحيين فئويين أو غيرهم لديهم الإمكانيات المادية التي تمكنهم من تسيير ذلك الحزب وتكاليف نفقاته ليستثمروه سياسيا هم أيضا لصالح أهدافهم المعلنة وتلك المبطنة !
وقد يلجؤون أولئك الزعماء لذلك الأسلوب لما لم ترخص لهم الكحكومة أحزابا سياسية خاصة بهم بدعوى الفئوية المرفوضة يومئذ في القوانين المنظمة للأحزاب السياسية وبالتالي يبقى الحزب شكليا يحمل شعارات تلك الحركة المؤسسة له ،وجوهريا وموضوعيا فالحزب قد صار حزبا شرائحيا أو قبليا . وجماعته المؤسسة له ستصبح مجرد ضيوف على الحزب الجديد القديم وبعضهم غير مرحب به داخله للأسف حتى ولو كان ذلك رئيسه السابق !
إذا فإن اهتمامي بتلك الحركات السياسية يومئذ قد كان كما يبدو متأخرا شيئا ما حيث كان اتصالي بهم من جديد شبيها بمن كان يلعب في الوقت الضائع حيث وجتهم قد اصبحوا ليس لديهم من زخم يغري بالإنتماء إليهم ، كما أنهم هم أنفسهم أيضا قد صاروا في أمس الحاجة لمن قد يوظف لهم ربما مائات الشباب العطلين عن العمل من خريجي الجمعات و المعاهد و من غيرهم الذين لا يحملون من الشهادات سوى كونهم مسلمين مثلي تماما فقلت له فكيف قد استطعت جمع كل هذه المعلومات الدقيقة وتحليلها كما يجب ؟!
فقال لي فأنا من أوائل ما قد اقتنيت من شيئ فقد كان المذياع الذي قد اشتريته في أول أسفاري نحو السنغال حيث ظل يرافقني دائما وطيلة حياتي في حلي وترحالي ، ويؤنسني في خلوتي ويمدني بما أحتاج إليه من معلومات ثقافية وسياسية خصوصا ، كلما تقدمه إذاعة ( الببسي ) bbc تلك الإذاعة الدولية العالمية المتعددة الإهتمامات والإختصاصات والتي بفضلها علي فها أنا الآن أحاورك أنت حول الكثير من المواضيع والأمور والأحداث المهمة تلك التي دارت أحداثها في بلادنا وكذا في بعض دول العالم ، وقد عوضني الله خاصية الأستعاب بواسطة السمع بدل القراءة بالعين المجردة ، حيث قد كنت إذا ما استمعت لشيئ ما وأردت الإحتفاظ به ضمن ذاكرتي فإني بفضل الله عز وجل أستطيع ذلك ، وكلما أردت استرجاعه من جديد فالله يسهل لي الأمر للأ نتفاع به لا حقا إن شاء الله وقدر لي ذلك .
(يتبع)