فإسرائيل تجد نفسها امتدادا للحضارة الغربية ووكيلا عنها مهمتها تأكيد استمرار النفوذ الغربي بعد انسحاب القوات العسكرية الغربية أيام الاستعمار التقليدي.
أولا: العوامل الحاكمة لموقف إسرائيل من الثورات العربية
كل الدول العربية لديها أسباب مشروعة لتغيير الوضع القائم، ولكن هذا الوضع القائم الذي يتسم بفقر الشعب وقهره وغياب القانون والدستور الصحيح وتهاوي مؤسسات الدولة لصالح فئة تختلف من دولة لأخرى.
أما المشروع الصهيوني فهو واضح منذ البداية فزرع إسرائيل وجعلها الأداة الرئيسية لاكتماله في التهام كل فلسطين وإخضاع المنطقة بحيث تصبح إسرائيل هي مركز التفاعل الإقليمي والدولي وتقضي على الهوية العربية والإسلامية لصالح الصهيونية وخدمة بعض كراسي الحكام مقابل تسامحهم في النفاذ إلى الشعوب لتصبح الشعوب العربية مسرحا للمشروع الصهيوني فتقتلع العروبة من قلبها وتعتقل عقولها وتستعبدها لصالح المشروع الصهيوني.
أي أن المؤامرة ضد الوطن، والشعب هي الأساس في التوجه الصهيوني وتمكين واشنطن بالمؤامرة الصهيونية—من الأوطان العربية واحد الادلة هو نجاح اسرائيل في خلق مصلحة مشتركة مع الحكام ضد الشعوب.
اما مشروعية اسرائيل فتستمدمن واشنطن وقوة الجيش الاسرائيلي وبطشه بالعرب.
والغرب ان ترتيب أوضاع المؤسسات والنظام الأساسي لتحقيق هذا الهدف بالإضافة إلى حملة الدجل على المنطقة بالزعم أن إسرائيل زرعت من أجل إشاعة الديمقراطية وتهيئة المنطقة للخروج من إسار التخلف والفقر.
في سبيل ذلك تجمع بين إسرائيل والحكام العرب والولايات المتحدة هدف واحد وهو الهيمنة على الدول العربية من خلال الحكام ومساعدتهم على قهر الشعوب العربية.
ولذلك فإن ثورة الشعوب ضد الحكام هي الخطر الأكبر عليها وأن الوضع الراهن المتمثل في هيمنة إسرائيل على الحكام ومساعدتهم على قهر الشعوب وانتهاكات حقوق الإنسان ولا مانع من أن تنتقم من منظمات حقوق الإنسان العالمية.
ولذلك ليس غريبا أن تتعاون إسرائيل مع الحكام العرب للمحافظة على الوضع الراهن المفيد لإسرائيل والحكام، وأن الثورة في أي بلد تهدد عرش الحاكم كما تهدد امن إسرائيل المحفوظ بالدكتاتورية العربية، ولذلك عندما هبت الشعوب في معظم الدول العربية ضد حكامها كان ذلك مفاجئا للدراسات وأجهزة المخابرات التي ظنت أن السياسة القمعية حولت الشعوب إلى عبيد،
وراقبت إسرائيل أوضاع الدول العربية حتى إذا ما انفجرت المنطقة وكانت إسرائيل جاهزة بالتعاون مع الحكام لاستعادة الوضع الراهن بل ومعاقبة هذه الشعوب على تمردها وبطرها على النعمة التي ترفل فيها بفضل الحاكم المتعاون مع اسرائيل.بعد أن كان بعض الحكام يهادن إسرائيل ويشيعون العداءلها لدى شعوبهم فمكنت واشنطن اسرائيل من هويتهم وإسقاط نظمهم وشعاراتهم مما أدى إلى استبدالهم بحكام أكثر تفهما لمتطلبات المرحلة الجديدة، فحل أنور السادات محل عبدالناصر الذي يقول معظم الشعب انه ضيع سيناء واستردها السادات بدهائه كما أفهم الشعب الذي صور له السادات أنه بطل الحرب والسلام استنقذ سيناء وإلا كانت ضاعت كالجولان وذلك بفعل ذكائه وأنه ضلل الامريكان والإسرائيليين وضحك عليهم واضطرهم إلى توقيع كامب ديفيد والسلام وتوثيق العلاقات مع واشنطن بعد القطيعة معه.
هكذا أُفهم الشعب المصري عن السادات، أما عن عبدالناصر فقد أُفهم الشعب أنه الرئيس (الزعيم الخالد) الثوري ضد الاستعمار والتبعية والرجعية العربية ولكن المؤامرة الغربية كانت أكبر منه وقضى شهيدا في سبيل الأمة العربية .
وقد تصدت إسرائيل مباشرة للثورة في مصر،، بينما أعانت غيرها على قمع ثورة اليمن، أما في سوريا فإنها تظاهرت أنها تساند الثورة ضد الحكومة التي صورت أنها ترفض السلام مع إسرائيل وتدعم المقاومة ضد إسرائيل، ولذلك فالثورة تنهي الدكتاتورية والفساد وتقيم الديمقراطية وتجعل السلام مع اسرائيل مسموحا.
والحق أن الشعوب العربية كلها تستحق النظم الديمقراطية، ولكن لماذا ساندت إسرائيل الجماعات المسلحة في سوريا وهي تعلم يقينا أنها لن تقيم النظام الذي تريد فانطلقت الدول المختلفة لتسوية حساباتها فيما بينها على حساب الشعب والدولة في سوريا، كما أن هذه الجماعات معظمها جماعات إسلامية أجنبية استدعت تدخل روسيا وإيران لدعم الحكومة السورية.
روسيا تطمع في مكاسب إقليمية وإيران لدعم معسكر المقاومة ضد إسرائيل باعتبار سوريا هي الحلقة الوسيطة بين إيران والمقاومة.
بل إن إسرائيل ساعدت الحراك في العراق نكاية في إيران، وفي لبنان نكاية في إيران وحزب الله، وليس معنى ذلك أن إسرائيل تساند حرية الشعوب العربية وإنما تفنى إسرائيل يوم تدخل الديمقراطية إلى العالم العربي وأولها مصر.
ثانيا: العوامل الحاكمة لموقف إيران من الثورات العربية:
1-استبشرت إيران خيرا في ثورات الربيع العربي وأدركت بعمق مسارات هذه الثورات، ولذلك أدركت منذ البداية المؤامرة على سوريا لفك الارتباط بين إيران وسوريا الذي بدأ بالتخالف منذ عام 1979 وهو العام الذي شهد تخلي مصر عن دورها في المنطقة العربية عن القضية الفلسطينية وعن سوريا —- إيران في البداية اعتقدت أن كل هذه الثورات هي نتائج متأخرة للموجة الأولى وهي الثورة الإيرانية واختلط على إيران فظنت أن بروز الجماعات الاسلامية يدعم الاسلام الواحد.
2- قدرت إيران أن الثورات في العالم العربي لصالحها لأن معظم الدول العربية كانت تحت الهيمنة الأمريكية وواشنطن تناهض الثورات الإسلامية.
أما مصر فقد رحبت إيران بثورة مصر ضد مبارك لأنها تخيلت أن مبارك تابع لأمريكا وإسرائيل وهما أهم العوامل التي أعاقت تطبيع العلاقات بين إيران ومصر في جنيف بعد اتفاق مبارك مع الرئيس خاتمي المحسوب على القوى المعتدلة من جانب الغرب في إيران.
ولذلك راودإيران الامل في ان إزاحة مبارك كسب كبير في هذه المعادلة وظنت أن خلفه سوف ينفتح على إيران ويدير ظهره لإسرائيل وأمريكا ويبدو أن إيران لم تنزعج في البداية من بوادر مجيء الإسلاميين في مصر ربما ظنت أن الإسلاميين السنة والشيعة يدعمان النظام الإسلامي المعادي لإسرائيل.
وبالفعل زار الرئيس أحمدي نجاد مصر للمرة الأولى التي يزور فيها رئيس الدولة الإيرانية مصر منذ عام 1952 خاصة وان ايران ساءها لجوء شاه إيران هربا من الثورة الإسلامية وترحيب السادات به في مصر وقد انتقل السادات إلى معسكر الشاه وإسرائيل وأمريكا.
ولكن إيران فوجئت بموقف الأزهر وتحفظه على التقارب من إيران وأثار بهذه المناسبة نفس الاتهامات التي رددها الخليج ضد الثورة الإيرانية ولكن ظهر أن دعوة الإخوان المسلمين للرئيس الايراني قوبلت بعداء نكاية في الإخوان وليس موقفا مبدئيا من الازهر.
ولكن إيران أحسنت عندما ميزت بين تأييدها للثورة ضد مبارك وبين إزاحة الإخوان من السلطة ربما لأن إيران تتسم بالروح البراجماتية لا يهمها من يحكم في مصر، كما أن إيران لم تكن قد أدركت أن الإخوان هم ضدها في سوريا واليمن وفي كل المنظمات التي استهدفت إيران أيضا.
والخلاصة: أن إسرائيل أيدت الوضع الراهن الذي قامت الثورات العربية لتغييره، ولذلك اعتبرت هذه الثورات زلزالا يهدد مصالحها والتقت مصالحها في قمع الثورات مع مصالح الحكام الذين قامت الثورات لهدم نظمهم.
ولكن كل الثورات لم تعلن في أي مرحلة أنها ضد إسرائيل إلا في مصر حيث تسلق البعض ودخل إلى السفارة الإسرائيلية في القاهرة وأنزلوا العلم وعبثوا بمكاتب السفارة دون العثور على وثائق هامة، ولابد ان إسرائيل قد تحوطت لذلك، ولذلك اندس الموساد في الميادين ويبدو أن حادث السفارة الإسرائيلية قد أحرج المجلس العسكري مع واشنطن ولذلك يبدو ان المصلحة كانت مشتركة بين الجانبين: المصري لوقف الإحراج، والإسرائيلي: لقمع الثورة والإعانة على الهدف.
وبالمقابل فرحت إيران بهذه الثورات لأنها ضد أعدائها أمريكا وإسرائيل والحكام، ولكنها لم تتجاوز مرحلة الابتهاج على خلاف إسرائيل التي يبدو أنها لعبت دورا واضحا ضد الثورات.
السفير الدكتور عبدالله الأشعل كاتب مصري.