أحدثت زيارة الرئيس بشار الاسد اختراقا كبيرا في حالة الجمود العربي تجاه دمشق بعد أحد عشر عاما منذ بداية الازمة السورية، ولا شك أن الاشقاء العرب أدركوا أن بقاء العلاقات العربية مع سوريا على حالتها الجامدة لن تقدم شيئا يذكر ولا تخدم الأمن القومي العربي بل تخدم أعداء سوريا وأعداء العرب عموما، وهذا التوجه الجديد أو المتجدد ربما يسود الان قطاع واسع من الانظمة الرسمية العربية؛ لكن يبقى العائق الذي يحول دون عودة العلاقات العربية مع سوريا مرتبطا بالعامل الخارجي وتأثيره على الكثير من الدول العربية مع وجود العقوبات الامريكية على سوريا المتمثلة في قانون قيصر وموقف الولايات المتحدة من أي تقارب عربي مع سوريا وهو ما يعرقل أي توجه عربي نحو دمشق، وقد عبرت عن ذلك الخارجية الامريكية خلال الشهر الفائت بأن الوقت لم يحن للتطبيع مع سوريا وذلك أثناء محاولات عربية لمشاركة سوريا في القمة العربية المزمعة بالجزائر وكأن العلاقات العربية مع سوريا تتطلب موافقة من قبل الولايات المتحدة؟!
زيارة الرئيس الاسد لدولة الامارات العربية المتحدة حققت شيء من الانفراج في حالة الجمود العربي وفتحت الباب أمام بقية الدول العربية لإعادة العلاقات مع الجمهورية العربية السورية الى سابق عهدها، لأن مصلحة العرب تنبع من وجود علاقات عربية ايجابية وتفعيل آليات العمل العربي المشترك بما يحقق آمال وتطلعات الشعوب العربية، ولا شك أن الشعب السوري هو الذي يعاني من بقاء الاوضاع على حالتها في ظل استمرار قانون قيصر الذي يستهدف الشعب السوري مع ابتعاد العرب عن سوريا ليضيف ذلك بعدا آخرا لهذه الازمة، وبالتالي من يتحمل المعاناة هم أبناء الشعب السوري، وهذه الحقيقة واضحة لا تحتاج الى توصيف .
زيارة الرئيس الأسد الى الامارات العربية المتحدة ربما ليست مفاجئة للكثير من المراقبين فقد سبقها حالة من البناء على المسار السوري الخليجي بدأت في مسقط ولن تتوقف في أبو ظبي بل ستشمل عواصم خليجية أخرى، ولا يستبعد أن تسجل بعض العواصم العربية الأخرى مواقف مماثلة تعزز المسار العربي نحو دمشق، ومن المتوقع أن يساعد ذلك في عودة قريبة لسوريا الى جامعة الدول العربية .
اللافت في الزيارة هو مستوى الرد الخليجي الذي بدأ من العاصمة الاماراتية والرسالة القوية التي وجهتها الى عواصم القرار العالمي باعتبار أن مثل هذه القرارات في دول الخليج اليوم ليست مرتبطة بمواقف الغرب عموما والولايات المتحدة خاصة، لذا جاء تعليق الخارجية الامريكية لابراز حالة من الاستياء وخيبة الأمل كما عبر عنها المتحدث باسم الخارجية الامريكية، لكن زيارة الرئيس الاسد الى الامارات سبقتها رسائل خليجية أخرى مثل الاصرار الخليجي على بقاء سقف اوبك في تصدير النفط، وهذه الرسائل كلها تتوازى مع المشهد العالمي وتؤكد أن التوجه الخليجي يتسارع نحو تموضع جديد في خارطة التحالفات العالمية على خلفية ما يحدث من مواجهة بين الشرق والغرب وبداية تشكل نظام عالمي جديد اليوم وتصاعد محور روسيا – الصين على حساب المحور الغربي الذي لا يملك إلا أن يراقب المشهد عل وعسى أن تحدث معجزة توقف هذا التحول الجيواستراتيجي العالمي .
أعتقد أن دول الخليج تود أن تقدم نفسها بشكل مبكر جدا على أنها رقم مهم في المعادلة الدولية وأنه يمكنها الاستفادة من الحالة الدولية الراهنة عبر لافتة: “أن العالم يتغير ونحن ايضا نبحث عن مصالحنا كدول ذات سيادة ونملك من المصادر ما يمكننا تقديمه كأوراق رابحة في هذا المعادلة الدولية” ومن المؤكد أن دول الخليج اليوم تسعى لتحقيق مصالحها وفقا لحالة التوازنات العالمية وهناك إعادة صياغة جديدة في العلاقات الدولية، رغم أن التحالف مع واشنطن ما زال يتسيد الموقف. لكن يجب هنا أن يتم التمييز بين التحالف والتبعية في العلاقات الدولية .
زيارة الرئيس الاسد لدولة الامارات لها ما بعدها، وبالتأكيد أن الخطوة الاماراتية تقود نحو مسارات خليجية متقدمة بدأت في مسقط ولن تنتهي في أبو ظبي بل سيتبعها انفراجا في العلاقات العربية عموما .
خميس بن عبيد القطيطي كاتب عُماني