تسير العلاقات بين إيران وتركيا بحذر. فالاحداث التاريخية ذات طابع صراعى وكان العراق ضحية الصراع بين الدولة الصفوية الشيعية والدولة العثمانية السنية ولم يكن صراعا طائفيا قدر كونه صراعا سياسيا على النفوذ.
ولكن الدولة العثمانية اتجهت جنوبا صوب المنطقة العربية وغربا صوب أوروبا فتركت بصمات واضحة على أحداث التاريخ الإسلامى وجبالا من التارات بين العثمانيين والأوروبيين دينيا وقوميا وسياسيا فالسياسة التوسعية العثمانية هى الفيصل بين إيران وتركيا العثمانية. فكلاهما أحتل مصر مثلا ولكن الفترة متباينة، حيث مكث الفرس أيام الفراعنة قرابة 150 عاما وغزت فارس مصر مرتين، وكلاهما ترك آثارا ثقافيه مع الثقافة العربية باعتبار الفارسية والتركية لغات سامية من نفس الأسرة التى تنتمى إليها اللغة العربية. ثم أن فارس أرغمت على الإسلام بعد أن هزمها العرب المسلمون، ولكن الدولة العثمانية اختارت أن تقوم طوعا على الإسلام مع اختلاف أثر الدولتين فى الثقافة والفكر الإسلامى. أما الآن، فإن عوامل كثيرة تسبب التجاور فى الصراع بين إيران وتركيا، بينما يجمعهما القليل من العوامل. أما هذه العوامل المشتركة فهى كلاهما دولة إسلامية سنية وشيعية وكلاهما حريصتان على إحباط سعى الأكراد نحو الانفصال وصحوة الروح القومية الكردية مع الفارق بين الدولتين فى سياستهما تجاه الأكراد عموما. فاكراد إيران تحت سيطرة الحكومة الإيرانية، أما أكراد تركيا فهم يشكلون نسبة عالية من الشعب التركى وهم أكثر نشاطا وخطورة ولذلك صارت الورقة الكردية ورقة رابحة فى تركيا فى سياسات واشنطن وإسرائيل ولكن إيران الشاه كانت تدعم أكراد العراق ضد صدام حسين ولهذا اضطر إلى اقتسام شط العرب حتى يوقف الدعم الإيرانى للأكراد. وليس معلوما مدى تعاون إيران وتركيا فى قمع الأكراد ولكن الثابت أن تركيا تغير من حين إلى آخر على أكراد العراق، علما بأن العراق تحت النفوذ الإيرانى وليس معنى ذلك أن إيران توافق على توغل تركيا فى منطقة أكراد العراق فى الشمال.
أما فى المسرح السورى، فإن تركيا ترعى فريقا من المسلمين الذين تستخدمهم واشنطن ضد الحكومة السورية التى تدعمها إيران ومع ذلك ليس هناك احتكاك بين القوات التركية والقوات الإيرانية فى سوريا.
وأما العلاقة بإسرائيل فالتناقض بينهما لا يشكل مشكلة فى علاقات البلدين. فإيران الثورة قامت ضد واشنطن وإسرائيل وهى تدعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية، وتتعاطف تركيا مع حقوق الفلسطينيين ومعاناتهم وتحرص بحذر على السعى نحو تسوية الخلافات بين السلطة والمقاومة. كما أن تركيا عام 2010 حاولت كسر حصار إسرائيل لغزة.
أما علاقة تركيا بإسرائيل ففيها طابع عدائى خفيف ولكن واشنطن تحافظ على التوازن والتعاون بين تركيا وإسرائيل ولا يعد هذا مزعجا لإيران خاصة وأن التعاون التركى الإسرائيلى يشمل مجال الأسلحة وتتفق تركيا وإسرائيل فى دعم أجنحة من المنظمات الإسلامية المسلحة التى تقاتل الجيش السورى ولا تمانع إسرائيل فى سعى تركيا إلى إنشاء منطقة آمنة داخل الأراضى الحدودية السورية. كما أن تصدى تركيا لقوات البشمركة الكردية لا يزعج إسرائيل التى تدعم الأكراد.
كذلك فإن التناقض بين مواقف تركيا وإيران من واشنطن لايفسد العلاقات بين البلدين. فالمعروف أن إيران الثورة تعتبر واشنطن الشيطان الأكبر وتتصدى لنفوذها فى الخليج كما أن الصراع غير المباشر بين واشنطن وإيران واضح فى عدد كبير من الساحات مثل الجبهة السورية واليمنية والعراقية واللبنانية ويضاف الصراع الإيرانى الإسرائيلى إلى السجل المتوتر للعلاقات الإيرانية الأمريكية.
أما العلاقات التركية الأمريكية، فإن تركيا تحرص على توازن هذه العلاقات خاصة مع روسيا كما أن تركيا عضو فى حلف الناتو وتحرص على هذه العضوية فى مواجهة روسيا عند اللزوم.
وحتى الصراع فى ناكورنو كاراباخ فإن تدخل تركيا العسكرى لدعم المسلمين ذوى الأصل التركى ضد أرمنيا الحليف لروسيا لم يؤدى إلى نزاع بين تركيا وكل من إيران وروسيا ربما لأن للقانون الدولى يقف فى صف أذربيجان لأن ناكورنو كاراباخ تقع على إقليم أذربيجان، فتراجعت إيران عن مساندتها وفضلت الحياد خوفا من الصدام مع روسيا التى تساند أرمينيا وهى من الجمهوريات السوفيتية السابقة.
أما موقف تركيا من الملف النووى الإيرانى فيبدو أن ذلك لايزعج تركيا ويبدو أنها مع الصيغة العامة وهى إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
ويذكر أن كلا من تركيا وإيران لهما مشروعات إقليمية وكذلك إسرائيل وموقف المنطقة العربية أكثر عداءاً للمشروع الإيرانى كما أن صورة تركيا أكثر إشراقا فى المنطقة العربية أكثر من صورة إيران عند العرب سوى المؤيدون للمقاومة فيقدرون موقف إيران.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري