يعتبر الأمن من أهم مطالب الحياة إن لم يكن أهمها على الإطلاق ؛ فهو ضرورة لكل جهد بشري وهو عنصر أساسي لحصول مطالب الأفراد والجماعات ومع توفره يمكن تحقيق الأهداف السامية للحياة وبلوغ أرفع النتائج والغايات ، ومما لا شك فيه أن الأمن والأمان هما عماد التنمية وهما هدف مرتقب وغاية مطلوبة لكل المجتمعات ،وإن اختلفت المشارب ؛فالأمن مطلب الشعوب بلا استثناء وهو كنه الحفاظ على الضرورات الخمس التي نص الإسلام على حفظها ( الدين - النفس - المال - العقل -العرض ).
ومن المعروف أن الحالة التي أصبح عليها الأمن عندنا اليوم لم تعد ظاهرة طبيعية بل أصبحت مشكلا حقيقيا يتطلب الحل السريع ويستدعي تسخير الوسائل وابتكار أنجع السبل وأسلم الطرق ..
فظاهرة الجريمة تظل طبيعية نظرا لتوسع المدن وازدحام السكان وتراكم المشكلات المتولدة عن التمدن بصورة عامة إذا ما ظلت إحصائياتها في حدود المعقول كما وكيفا؛لكنها تتحول مباشرة إلى معضل حقيقي ومشكل عميق إذا ما كانت نتائجها صادمة ومولدة للذعر وجالبة للخوف والقلق الدائمين..وهذه لعمري هي الحالة التي بتنا نمسي عليها ونصبح ،ونحن الذين كنا إلى عهد قريب رغم أنف المدينة وإكراهاتها والحداثة وإملاءاتها مجتمعا مسلما مسالما ..!
وطبعا كان لتوسع المدن وانتشار المخدرات إسهام كبير في تطور الجريمة وانتشارها ؛حتى صرنا نلاحظ يوميا جرائم غريبة على هذا المجتمع ؛يدفع الأطفال ثمنها من أجسادهم وبراءتهم ؛تلك البراءة التي صارت مغتصبة ومهدورة في الصغر الشيء الذي لن يسلم المجتمع من الاكتواء بلظاه لاحقا شاء أم أبى ..
إن على رجال الأمن أن يخرجوا من سباتهم الذي طال ليله وعانى الكل سرمدية ظلامه وعليهم أن يزيحوا عن البرءاء هذه اللوحة السوداء ذات الإطار الدموي القاتم العفن النجس والمنجس ..وعليهم أن يبحثوا بجد في أسباب هذه الجرائم ؛وعن الدوافع الكامنة لهؤلاء المجرمين و العوامل المشتركة بينهم ، وهل أعمالهم الإجرامية هذه عفوية أم أنها جرائم منظمة تقف وراءها جهات معينة ؟ .
إن انتشار هذه الجرائم بين الأطفال والمراهقين حدثاء الأسنان يدل دلالة عميقة على الخلل البنيوي في مجال التربية والتعليم في ظل غياب صارخ لدور ونتائج الرقابة الأسرية .
إن من الملاحظ أن غالبية مرتكبي هذه الجرائم ممن تعاني أسرهم فقرا مدقعا وتربوا في واقع معيشي مزر ، أو كان لهم دافع قوي نحو محاكاة الجرائم المعروضة في القنوات الفضائية التي نصالحها جميعا بل يتتلمذ عليها كبراؤنا وسادتنا قبل عامتنا رغم عدائيتها لنا ولعبها بجد لدور الورم الخبيث المميت ، إن جل مرتكبي جرائم القتل والاغتصاب قبله فينا هم مقلدون مخلصون لمنفذي سيناريوهات القتل والاغتصاب في المسلسلات الهندية والتركية ومنهم من يكون لوحه أرفع ودروسه أخبث وأكثر تأثيرا إن كانت قنوات "الآكشن" هي منبع تغذية مخيلته المريضة .
كثيرا ما نسمع قادتنا الأمنيين يفتخرون بالقبض على الجاني وعدم تسجيل الجريمة ضد مجهول وهذا في حد ذاته حسن لكن ماذا بعد..؟!
وكثيرا ما نسمع بشكل رسمي تم ضبط الجناة وهم من أصحاب السوابق ..! ،ماداموا من أصحاب السوابق وضاحاياهم في هذا المجال الخطر كثر ؛لماذا يطلق سراحهم بعد القبض عليهم ؟ ، ومن المعروف أنهم سيعودون إلى تنفيذ عمليات أشنع..! ، لماذا لا يقتل هؤلاء فور إدانتهم بهذه الجرائم المغيبة لمن هم أكثر منهم قيمة وأصلح للمجتمع ؟ لماذا نحتفظ بهؤلاء بيننا ؟ ؛إن لم تكن لدينا رغبة أو قدرة على قتلهم بفعل الشرع والقانون فلماذا لا نقتلهم صونا للأمن وضرورة لبقاء الأصلح والأفيد؟ ، نعم نقتلهم ولو بالتصفية الجسدية داخل السجون بالطرق والوسائل المختلفة بعد ثبات جرمهم المقيت طبعا وبعد إصدار المحاكم لأحكامها عليهم .
إن على الدعاة والفقهاء التركيز على هذه الجرائم في خطبهم وفي دروسهم وعليهم تبيان خطورتها الآنية والمآلية ، وعلى الساسة والمثقفين والأدباء إدراج المواضيع المعالجة لهذا المشكل والتي من شأنها التخفيف من حدته في جلساتهم وندواتهم ونواديهم وصالوناتهم وسهراتهم وعليهم تقليص الحديث عن السياسة والقضايا الخارجية لمصلحة الوطن وأمنه واستقراره وتأمينا لسلمه الاجتماعي .
وعلى الكتاب والمدونين أن لا يألوا جهدا في سبيل معالجة هذا المشكل المؤرق فلقد بات صوت المدونين أبلغ وأرفع من أي صوت ولقد أصبحت كتابات الكتاب أكثر تأثيرا وفاعلية من غيرها في زمن الكتاب والمدونين وصار صوت الشباب المؤمن النشط المندفع نحو مؤازرة القضايا الوطنية ذات النفع العام والطابع المشترك أبلغ وأظهر في كل ميدان ومعترك ..
إن علينا جميعا معارضة وموالاة وآخرين أن نتعاون في سبيل تجاوز هذا المشكل وعلينا أن نتجاوز تبادل الإتهامات التي لا تفيد والتي تجعل القضية دوما في دوامة تدوير توجه فيه المعارضة أصابع الاتهام إلى النظام وأنه المسؤول الأول عن الانفلات الأمني بل هو الراعي الخفي له والمغذي الأساسي لروافد الجريمة سواء بسياساته أو غفلاته حسب زعم بعض المعارضين ،وعلينا أن نبتعد أيضا عن اتهام المعارضة وأذرعها المختصة حسب زعم البعض الآخر والذي يدعي وإن تحاشى الإعلان انها تذكي هذه الجرائم من أجل زعزعة الأمن والاستقرار وإظهار عجز النظام وكشف عوراته ، كما أن هناك من يلقي باللائمة على المنظمات الحقوقية واصفا إياها بالضلوع في تنامي مشكل الانفلات الأمني حبا في البقاء وإيجادا لمجال السباحة وزيادة النشاط وتحقيق الأهداف الخفية التي تعد البواعث الأساسية والدعائم القوية والمثبتات الوجودية لها .
أخيرا إن علينا جميعا أن ندرك أن قتل جماعة إجرامية قليلة من هؤلاء القتلة أمام الملأ سيعيد الأمور إلى نصابها وسيعيد المجتمع إلى سابق عهده النظيف وسيعيد للدولة هيبتها وللمتضررين شرفهم المستباح .