كانت جلسات مجلس الأمن منذ يوم الثامن من يوليو 2021 كاشفه ونقطة تحول كبرى للعلاقات الدولية والإقليمية فقد اعتبرتها إثيوبيا انتصارا واضحا لها على مصر والسودان وأكدت إثيوبيا أمام مجلس الأمن أن السد مشكلة اقتصادية وفنية لا علاقة للمجلس بها وأن الأحق بنظرها هو الاتحاد الإفريقى بينما أكدت مصر والسودان أن الاتحاد الإفريقى لم يقدم أى حل أمام تعنت إثيوبيا وأن مصر والسودان تستنفدان جميع الوسائل السياسية لاقناع إثيوبيا بالتعاون نحو التسوية. الواقع أن الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن كانت مع إثيوبيا وضد مصر وهى روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا وحتى بريطانيا رغم ما يبدو على السطح من تحالف أو تقارب بين مصر وهذه الدول جميعاً وقد صدرت تصريحات روسية وأمريكية تؤكد على ضرورة العودة إلى التفاوض وفى إطار الاتحاد الإفريقى أى اعادة الموقف إلى نقطة البداية مما اعتبرته إثيوبيا انتصارا دبلوماسيا كاسحا لها وعبر أبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا عن أن إعادة انتخابه بأغلبية كبيرة ومشروع السد أقنع المجتمع الدولى بمساندة إثيوبيا وبفشل مصر والسودان فى المعركة الدبلوماسية المفتعلة من وجهة نظره.
غير أن موقف مجلس الأمن تضمن الكثير من الرسائل الخطيرة.
أولا بالنسبة لمصر والسودان لم تترك إثيوبيا أى فرصة للتسوية السياسية وقد أصرت على انتهاك القانون الدولى والاستمرار فى جريمة إبادة المجتمع المصرى وهذه الرسالة إلى القوات المسلحة المصرية وليس إلى المتفاوضين الذين انتهى دورهم.
ثانياً: أن مجلس الأمن كشف عن فشل النظام الدولى الذى نشأ بعد الحرب العالمية الثانية وأعطى إشارة واضحة بأن جميع الجهود الدولية على مدى قرنين من الزمان لإعلاء كلمة القانون الدولى قد انتهت بالفشل ومعنى ذلك أن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة تتجمد لصالح استخدام القوة لاستخلاص الحقوق فى العلاقات الدولية وكأن المجتمع الدولى ارتد إألى مناخ القرن التاسع عشر ولم يتعظ بمعاناة البشرية فى حربين عالميتين حصدت أرواح أكثر من مائة مليون من البشر واهدرت طاقات أخرى بالاضافة إلى أكثر من 500 من الصراعات المسلحة الإقليمية.
فموقف إثيوبيا ليس انتصارا لها أو لرئيس وزرائها ولكنه هزيمة كاملة للمجتمع الدولى الذى رفض الدفاع عن حكم القانون وفضلت الدول الكبرى فيه مصالحها الذاتية.
ثالثاً: ظهر خلال هذه المناقشات تحالف الدول الكبرى ضد مصر بل وتحالف روسى أمريكى جديد لقيادة العالم يقوم على اهدار قيمة القانون الدولى وحكم القانون.
رابعاً: دفع مصر والسودان إلى استخدام القوة المسلحة نتيجة فشل المجتمع الدولى في وقف الجريمة الإثيوبية سوف يؤدى إلى كارثة عالمية وإقليمية وهى انهيار الاتحاد الإفريقى وانهيار النظام الدولى وشيوع الفوضى فى العلاقات الدولية لمدة طويلة والعودة إلى استخدام القوة والتهديد بها فى العلاقات الدولية.
خامساً: أظهرت هذه الأزمة تكتل إفريقيا ضد العرب فاتهمت إفريقيا العرب بأنهم ساندوا مصر والسودان فكان التأييد الإفريقى ردا على هذه العنصرية ولكن هذه المقولة أغفلت حقيقة هامة وهى أن الجامعة العربية ساندت الحق والقانون بينما الاتحاد الإفريقى ساند الفوضى والافلات من القانون. وإذا قارنا بين هذه اللحظة والعلاقات العربية الإفريقية والمصرية الإفريقية التى سادت منذ الستينيات وحتى الثامنينات من القرن الماضي خلصنا إلى دروس كثيرة أولها أن دول العالم الثالث تحاول أن تعتصم بالقانون لأن العودة إلى استخدام القوة هو لصالح الدول الكبرى وثانيا أن التضامن العربى الإفريقى والحوار كان دائما لمصلحة القضايا العربية والإفريقية العادلة والرابط بينهما هو القضية الفلسطينية ولكن العلاقات الجديدة بين العرب والإفارقة تظهر أن العرب متفرقين ولكن الافارقة مجمعين والضحية الاساسية هى القانون الدولى والسلم الإقليمى والقضية الفلسطينية وهذا المناخ يساعد إسرائيل كثيرا فى تنفيذ مشروعاتها وربما تفخر إسرائيل بأن ما حدث هو ثمار جهادها الطويل ضد العرب بالنظر إلى دورها للتحكم فى مصر من خلال منابع النيل ثم كانت كامب دايفيد بداية للتفكك العربى والصعود الإسرائيلى والتباعد الإفريقى فمصر تجنى الثمار المرة فى وجودها وبيئتها الإفريقية بسبب كامب دايفيد .
سادساً: كشفت هذه التطورات بسبب تعنت إثيوبيا عن أزمة جديدة للعلاقات المصرية الإفريقية وكانت هذه الأزمة قد بدأت عام 1979 بسبب سعى مصر السادات إلى جلب إفريقيا لمساندته فى التقارب مع إسرائيل وقد حضرت جلسة عاصفة سرية للقمة الإسلامية فى الدار البيضاء عام 1984 عندما كنت بالسفارة المصرية فى جدة وقد وضح لى فى ذلك الوقت أن المرحوم أحمد سيكوتورى رئيس غينيا كان يدافع عن استقلال إفريقيا بين مصر والعرب فى كامب دايفيد حيث تكالب كل طرف لاستمالة إفريقيا إلى جانبه وكانت النتيجة هي أن مصر التى كانت ضامنة لإفريقيا قد فقدتها بسبب قصر نظر الحكومات المتعاقبة بعد عبدالناصر وحتى الآن.
والخلاصة ان مجلس الامن كان ينتظر منه الانحياز للسلام والقانون الدولي وتبقي مشكلة مصر فمن ينقذ مصر من الجريمة الاثيوبية؟
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب مصري