فخامة الرئيس، وأخي العزيز..
بعد ما يليق بمقامكم من تقدير وتوقير، أتمنى أن أعرف متى ستتكرمون سيادة الرئيس بإصدار أمر رئاسي ذي طابع استعجالي إلى إدارة الحالة المدنية يقضي بإعطاء المواطنين في الخارج حق الاحتفاظ -ولو مؤقتاً- بأسمائهم في جوازاتهم السابقة، لأن تغيير الأسماء خلق لهم مشاكل في الدول التي يقيمون فيها لا تخطر على بال الإخوة في وكالة الوثائق المؤمّنة.
إنني أعرف عائلات كانت تخطط هذا العام لقضاء عطلة المدارس الصيفية وعيد الفطر في موريتانيا وتمنِّي بذلك أطفالها المتشوّقين المتحرّقين لرؤية أرض الوطن، ولكنها اضطرت في النهاية لإلغاء السفر، لأن السلطات تسحب في مطار نواكشوط من المغتربين الجوازات القديمة، والجوازات الجديدة أسماؤهم متغيرة فيها، ما يعني عدم مطابقتها مع بيانات إقاماتهم ووثائقهم في الجوازات القديمة، وبالتالي استحالة عودتهم بها عملياً. ولذا فضلوا قضاء العطلة خارج الوطن، وصاروا بمثابة منفيّين عن غير قصد، بسبب اجتهادات وتعقيدات بيروقراطية بكل تأكيد لم يكن غرض الإخوة في وكالة الوثائق المؤمّنة منها إلحاق الأذى بالمواطنين، ولكن هذا بالضبط هو ما وقع لكثير منهم للأسف، في النهاية.
وليس هذا فقط، فشهادات الميلاد التي تمنحها الوكالة صالحة لستة أشهر فقط، على ما أعتقد، ما يعني أن الشخص وفقاً لهذه الوثائق، انتهت صلاحية ميلاده بعد ستة أشهر! والعالم الآخر قد يجد صعوبة في فهم هذه القصة، شخص ولد قبل ستة أشهر، وما زال على قيد الحياة، ولكنه لم يعد مولوداً من الناحية النظرية القانونية مع انقضاء صلاحية الورقة!
وأنا على يقين أن فخامة الرئيس لا يرضى أن يقضي سيادته عطلة العيد السعيد مع أفراد أسرته الكريمة، حفظهم الله، فيما آلاف الموريتانيين محرومون، بحكم الأمر الواقع، من قضاء العيد مع أسرهم وذويهم وفي أرض وطنهم، بسبب تدابير غير موفقة يتخذها موظفون بيروقراطيون، سعياً لما يعتقدون أنه تحقيق لمصلحة عامة، وإن ترتبت عليه مفسدة عامة، أو حتى خاصة، وإخلال بحقوق أصيلة من حقوق الإنسان الفرد، وأولها حقه في أن يكون له رأي في اسمه الشخصي! وللأمانة على كثرة ما قرأت -كصحفي سياسي- من غرائب في قرارات كوريا الشمالية التعسفية بحق مواطنيها، لم أقرأ أبداً أن حكومتها تدخلت يوماً في أسماء أفراد الشعب الكوري الشمالي، فمن شاء أن يتسمّى "كيم" ومن شاء "هون" ومن شاء "هيم" أو "هوووه" وهكذا! لأن التدخل في أسماء الأفراد وفرض وصاية وطنية عليها أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه سابقة من عجائب الزمن، وآبدة من أوابد الدهر.
وقد يقول قائل إن السفارات الموريتانية في الخارج أبلغت الدول الأخرى بتغير الأسماء وهذا صحيح وقد فعلته السفارات مشكورة، ولكن ليس في كل الدول التي توجد فيها جالياتنا سفارات موريتانية، وهذا الحل أصلاً حل توقيعي مليء بالإجراءات المعقدة لبعض المواطنين فقط، ولكن تبقى ثمة مشكلة جدية، ففي حال تغير الاسم تصبح كل الشهادات الدراسية غير مطابقة للاسم في الجواز الجديد، وقد اضطر زميل من خيرة الصحفيين الموريتانيين لترك العمل في فضائية عربية لهذا السبب! ومن المعروف أن الجامعات الدولية تمنح الشهادة مرة واحدة فقط، بل إن بعض هذه الجامعات لم يعد موجوداً أصلاً من الأساس، ولذا لا يمكن حمل ورقة تغيير الاسم إليها وطلب إصدار شهادة بالاسم الجديد. وكذلك من كانت عنده ملكيات عقارية في الخارج قد يحتاج إلى رفع قضايا معقدة في المحاكم لتحويل الملكية على اسمه الجديد. وكل هذا يمكن تجنيب المواطن إياه، بإعطائه حقه القانوني والإنساني الأصيل بأن يكون له رأي في اسمه الشخصي.
بل إن تغير الأسماء قد يتسبب أحياناً في وقوع تشابه أسماء مع أشخاص مطلوبين للعدالة ولجهات إنفاذ القانون. وقبل فترة نزل مواطن موريتاني في مطار دولة كان فيها قبل ذلك بأشهر، ودائماً ما يزورها، بل عمل فيها، ولكن حين مد جوازه لضابط الجوازات أبلغه بأنه قد يكون مطلوباً لحكومة دولة غربية! ولأن يوم قدومه كان في وجه عطلة نهاية الأسبوع، فقد ظل رهن الاحتجاز عند السلطات حتى بداية أسبوع العمل، وأطلق سراحه حين تم التثبت لدى الأنتربول من أنه ليس هو الشخص المطلوب لتلك الدولة الغربية، التي يرجح أنها تبحث عنه لأسباب متعلقة بالهروب من الضرائب. وقد يكون سبب هذه الوعثاء في السفر هو تغير الأسماء، لأن الرجل كان يأتي لتلك الدولة دائماً ولم يتشابه اسمه من قبل مع اسم مطلوب موريتاني لجهات إنفاذ القانون. وفي المقابل يتيح تغير الأسماء فرصة ذهبية مجانية لأي مطلوب حقيقي للتخفف من اسمه السابق، ليصبح في كمبيوترات المطارات وكأنه شخص آخر غير مطلوب.
وقد يقول أيضاً قائل آخر إن الحالة المدنية لم تأتِ بأسماء من جعبتها وتطلقها على المواطنين، وهذا صحيح أيضاً، ولكن المواطنين الذين أدلوا بمعلوماتهم في الإحصاء استند لهم على إحصاء 98 ولم يكونوا يتصورون حينها أن الأسماء ستتغير عما في وثائقهم الثبوتية وشهاداتهم الدراسية يومها. كما أن كثيراً منهم حين أحصوا في الإحصاء الأخير لم يكونوا يعرفون أن ذلك سيسري على جوازات سفرهم، ولم يجدوا من ينبههم إلى ذلك، بل لم يجدوا من يتفهمه أصلاً ويقبل التعامل معه بإيجابية بحكم طبيعة الأوراق المطلوبة للإحصاء.
وفي الأخير نعتذر عن تأخير المعايدة فقد أخذتنا قبلها الاستطرادات ومواجع الأحباب أبناء جالياتنا في دول الاغتراب.. والمعايدة أساساً هي موضوع هذا المقال.. وكل عام وسيادة الرئيس بخير، وعيداً سعيداً وعمراً مديداً بدوام الصحة والسعادة إن شاء الله.
وتقبلوا فائق التقدير والاحترام..
ختاماً نلتمس الإذن من الإخوة كاتبي مراسلات الرئاسة عن استعارة بعض صياغاتهم المفضلة مثل بادئة "فخامة الرئيس وأخي العزيز" في مستهلّ البرقيات! وأتمنى أن يفهموا هذه الاستعارة على أن فيها نوعاً من الألفة والحميمية، وربما الإعجاب، لا أكثر.