حين عاد الزعيم عرفات إلى أرض الوطن . واجه سؤالا صعبا من الناحية السياسية والتقنية . سؤال خطير يصعب الإجابة عليه ( كيف ستتعامل السلطة مع فلسطينيي داخل الخط الأخضر الذين يحملون الهوية الإسرائيلية ؟ ) .
لو أجاب عرفات أنهم فلسطينيون ضمن مسؤولية السلطة لكان حينها اعطى المبرر الشرعي للاحتلال بسحب الهويات من العرب وطردهم إلى أراضي 67 \ ولو قال لا شان لي بهم لكانت الإجابة الأسوأ في تاريخ حركات التحرر !!
وحسم أمره بالقول : هؤلاء الفلسطينيون لهم حرية القرار ونحن معهم . وبالفعل ومنذ عشرات السنين يحتفظ فلسطينيو الخط الأخضر بمقاعدهم في المجلس الوطني وفي مؤسسات منظمة التحرير ولكنهم لا يشاركون في برلمان السلطة أو مؤسساتها .
وهكذا أبقى عرفات على جميع الأبواب مشرعة . فلعب على عنصر الزمان ولم يجرؤ على اللهو السياسي بالمكان .
الخلافات السياسية التي تعصف بالجمهور العربي داخل الخط الأخضر لا تختلف عن باقي قطاعات الشعب الفلسطيني . هناك حركات قومية ، وهناك حركات ليبرالية ، وهناك حركات إسلامية ، وهناك تكنوقراط .وهناك من يعطي صوته للأحزاب الصهيونية .
ومع ذلك ولمواجهة الهجمة الصهيونية عليهم . ولانتزاع حقوق المساواة والمواطنة . تجاوزوا جميع الخلافات ونجحوا لأول مرة في التاريخ السياسي للمجتمعات العربية كلها ، من الخليج إلى بلاد الشام والعراق ، إلى دول المغرب العربي ، إلى مصر فبلاد الشام . نجحوا في تشكيل قائمة مشتركة تحفظ للحركة الوطنية هيبتها وتمنع تشرذمها . ورغم ذلك تحفظ حق الاختلاف والاحتفاظ بالهوية السياسية .
في العام 2015 قدّمت جماهير الخط الأخضر قصة نجاح منقطعة النظير من خلال تجربة القائمة المشتركة , وانضم الجميع تحت رايتها ووقفوا صفا واحدا داخل الكنيست وفي شوارع المدن للدفاع عن الهوية وعن الموقف المشترك .
يبدو أن جماهير فلسطين داخل الخط الأخضر سبقت التنظيمات والأحزاب الفلسطينية كلها في هذه الفكرة . وألان تحاول التنظيمات الفلسطينية محاكاة التجربة في الضفة الغربية وقطاع غزة . وربما في جميع مناطق الشتات .
وقد يكون للقائمة المشتركة عيوب هنا وهناك . ولكنها تشكل قارب نجاة للقضية وللعمل الوطني .
في حال تتشكل قائمة مشتركة بين فتح وحماس وباقي التنظيمات والكتل الانتخابية فأنني لا أشك أبدا أن لها عيوب عديدة . ولكن هذه العيوب لا تذكر أبدا ، قياسا مع الحال الذي أوصلنا إليه الانقسام وما نجم عنه .
لم أقرأ عن أي مجتمع عربي في القرن الماضي . ولم أشاهد أية تجربة سياسية راقية وإبداعية , تشابه تجربة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وقدرتهم على تجاوز الخلافات وابتكار حلول نافعة .
تجربة واحدة أخرى تستحق الإشادة . وهي تجربة الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال . والذين تجاوزوا الانقسام منذ الأشهر الأولى وأصدروا وثيقة الأسرى الشهيرة عام 2007 .
أحيانا .. يتمنى المواطن أن يكون كل المسئولين وأصحاب القرار في زنازين السجن , علّهم يتعلّمون معنى المصلحة العامة وكيف يمكن أن ينصروا فلسطين وينتصروا لمصلحة القضية بدلا من الانتصار لمكاتبهم ومرافقيهم ومواكبهم وحساباتهم في البنوك .
د. ناصر اللحام