وضع الملك المغربي شرطين لزيارة إسرائيل؛ الشرط الأول يتمثل باستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والشرط الثاني يتمثل بموافقة إسرائيل على لقاء الملك المغربي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وما أهون الشرطين على إسرائيل! وما أثمن زيارة ملك المغرب لإسرائيل إذا تمت برفقة رئيس الوزراء سعد الدين العثماني، فإسرائيل ستطير فرحاً بزيارة سعد الدين العثماني أكثر بكثير من زيارة الملك المغربي نفسه، وذلك يرجع إلى الرسالة الاستراتيجية التي يريد جهاز الموساد الإسرائيلي أن يوصلها إلى جماهير الأمة العربية، بأن من حلمتم بهم أوفياء للمبادئ صادقين، هم أول يلهث خلف مصالحه، ويقيم العلاقات مع الإسرائيليين.
لقد تفاجأ شباب حزب العدالة والتنمية المغربي بمساندة الحزب الإسلامي لموقف سعد الدين العثماني من التطبيع، فقد اعتبر عبد الاله بن كيران الحزب جزء من بنية الحكم في الدولة، وبالتالي لا يمكنه رفض التوقيع، وأن الحزب يرأس الحكومة، وعضو أساسي في بنية النظام، ويتخذ القرارات في القضايا المصيرية.
إذن؛ فالحزب شريك في التوقيع، ويتحمل المسؤولية الكاملة، والقضية هنا ليست شخصية بمقدار ما هي حزبية، وبالتالي، فليس صحيحاً ما يقال عن توقيع العثماني بأوامر الملك، أو تحت ضغط الحاجة لاستقرار الحكومة، فكل هذه التبريرات لم تقنع شباب المغرب، ولم تقنع رجال الدعوة في حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، والتي استنكرت كل محاولات التطبيع والاختراق الصهيوني.
فهل كانت ضربة معلم وجهها الملك محمد السادس إلى أنف الحزب الإسلامي، حين كلف العثماني بالتوقيع على صك التطبيع، كي تصل الرسالة إلى كل الشعوب العربية، بأن هؤلاء الإسلاميين يبيعون الشعارات الدينية، ولا يختلفون بأطماعهم الدنيوية عن بقية النظم العربية؟
لقد وضع العثماني الحركات الإسلامية أمام الاختبار، فإما أن تبيّض صفحتها، وإما أن تكون قد فضحت عشقها للسلطة، وارتمائها في أحضان المصالح والمنافع، وهي التي سعت إلى تقديم نفسها للجماهير العربية كوجه مغاير للأنظمة العربية، وهذا ما أغاظ أجهزة الموساد الإسرائيلي، التي أغاظها ذلك الالتفاف الجماهيري حول الحركات الإسلامية.
فهل كانت مشاركة حزب العدالة والتنمية في التوقيع على اتفاق التطبيع حيلة ذكية، ورطت الحزب، ولاسيما أن المغرب على أبواب انتخابات برلمانية وبلدية عام 2021، والشعب المغربي الذي عرف بولائه وانتمائه وإخلاصه لأرض فلسطين لن ينتخب كل من تلوثت يده بالتوقيع على اتفاقية العار، وقد صدر بيان مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، والذي يرفض كل أشكال التطبيع الصهيوني؛ كيفما كان مستواها، وكيفما كانت طبيعتها.
ضمن هذا المشهد المهين لحزب العدالة والتنمية، والذي سيضعف مكانته لدى أوساط الشعب المغربي، والذي سيرتد وبالاً وخسارة على مجمل الحركات الإسلامية في المشرق والمغرب، ولاسيما حركة الإخوان المسلمين، فالمصلحة تقضي بأن يتدارك حزب العدالة والتنمية ما اقترفت يدا العثماني من خطيئة، وألا يتورط في أي خطوة تقرب لإسرائيل.
لقد تورط حزب العدالة والتنمية، ووقع في الشرك، فلا حركة التوحيد والإصلاح إلى جانبه، ولا الجماهير المغربية تثق بقيادته، وهو مطرود من تعاطف جماهير الأمة العربية، وهذا يؤكد أن الحزب لن يفوز بالأغلبية البرلمانية، وربما هذا ما سعت إليه أجهزة المخابرات الإسرائيلية سراً، حين قدم الخبثاء استشارتهم للملك؛ بأن يزج حزب العدالة والتنمية في معركة المواجهة مع الشعب، لتتجرع الحركة الإسلامية كأس الفشل بيد العثماني التي وقعت على اتفاق التطبيع، لا بيد رجال الموساد الإسرائيلي التي تعبث في الساحات الخلفية للأمة العربية.
د. فايز أبو شمالة كاتب فلسطيني