أفرجت وزارة التهذيب الوطني قبل يومين عن النتائج العامة لامتحان الحصول علي شهادة الباكلوريا برسم السنة الدراسية 2014-2015 و كانت نتائج التجاوز بالدورة الأولي مخجلة بكل الألوان و المقاييس( متوسط تجاوز أقل من 1 علي 10) و هو معدل لو حصل عليه أحد أبناء الساسة و القادة لاستغشي ثيابه و تواري من القوم و احتجب عن الأنظار.
و الأغرب المثير للشفقة و العطف و نصرة جمعيات "حقوق الإنسان" أن تلك النتائج لم تستنهض رفع عقيرة أي سياسي و لا رجل فكر و لا دين ولا إعلام و لا عمل مدني،... كما لو أن الجميع مستسلم، مطمئن و راض بقدرنا المحتوم و المرقوم في المحافظة علي ذيل ترتيب دولالعالم و المنطقة في مجال نجاعة و نوعية التعليم!
تظهر المقارنات أن نسبة النجاح في الدورة الأوليلم تصل حاجز 8% من أصل 41986 مترشحا في حين تجاوزت بفرنسا ( التي هي أم نظامنا التعليمي و التربوي) نسبة 87.7% و تجاوزت في كل من المغرب و الجزائر متوسط 51% و بلغت بالسنغال نسبة 31.3% كما تجاوزت بدولة مالي التي تعيش شبه حرب أهلية حاجز الثلث33.1% في حين وصلت نسبة 27.22% بتونس.
و التساؤل اللغز سيبقي حول مصير ما يزيد علي 36000 شاب موريتاني أخفقوا في تجاوز حاجز الباكلوريا هذا العام و حيل بينهم و بين ما يشتهون من مواصلة الدراسة و الذين يقارب عددهم جميع منتسبي أسلاك الوظيفة العمومية و أربعة أضعاف أفراد الأسلاك المكلفة بالأمن و ينتمون إلي الفئة العمرية 18-25 سنة التي ينتمي إليها قطعا و أثرا خير الشباب الموعود لكن ينسب لها إأيضا سواد التكفيريين و المنحرفين و نزلاء السجون ا!!!
و علاوة علي هذا التساؤل المخيف فإن متوسط التجاوز المخجل في امتحان الحصول علي شهادة الباكلوريا هذا العام يخفي العديد من الإختلالات المناطقية و الفئوية و التربوية الصارخة التي لا تزيد عجلة التعليم إلا مَوْحِلا وحالة الانسجام الاجتماعي إلا تصدعا و يمكن أن نذكر منها مثلا لا استقصاء:
أولا: تفاوت نسب النجاح حسب الولايات و المناطق : فعلى سبيل المثال لم تستطع ولايات غيدي ماغا و تكانت تجاوز عتبة 1% كما أنمجموع الناجحين بخمس ولايات هي الحوض الشرقي و الحوض الغربي و لعصابة وتكانت و كيدي ماغة لم يتجاوز نسبة %8.1 من المجموع الوطني للناجحين في حين يتجاوز عدد سكانهذه الولايات 1220000 فرد بما يمثل نسبة 40%من مجموع السكان حسب آخر تعداد سكاني و ينبغي أن يستحث استقراء من هذا القبيل سياسات عمومية تصحيحية تركز علي ضرورة التنمية المجالية المنسجمة و التوازن المناطقيالعادل.
ثانيا:شبه انعدام نسب النجاح في "مقاطعات الأمل":تظهر الاستقراءات الإحصائية انعدام أي مترشح من مقاطعتي باركيول و مونغل في حين أن عدد المترشحين في مقاطعات كنكوصة،ولد ينج و امبود بلغ 316 مترشحا في حين لم يتجاوز عدد الناجحين 7(سبعة أفراد) بما يمثل نسبة 0.02% و هو ما يوضح الحاجة الوطنية و الأمنية-المجتمعية و الاستراتجية لصياغة برنامج تعليمي خاص بالمناطق ذات التواجد المكثف لرواسب الاسترقاق.
ثالثا:تفاوت صارخ بين نسب النجاح بين الشعب العلمية و الأدبية:حيث يلاحظ ارتفاع نسبي لمعدلات نجاح الشعب العلمية ( الرياضيات ،التكنلوجيا العلوم الطبيعية) الذي بلغ 12%في مقابل تراجع معدلات نجاح الشعب الأدبية (العصرية و الأصلية) الذي لم يتجاوز 3%و ذلك عائد إلي تدني مستوي إتقان اللغتين العربية و الفرنسية المطلوبتين تقعيدا و تحريرا في امتحان باكلوريا الأدبية. وتلك إحدي نواقص و ثغرات المقرر التربوي يتعين تلافيها عاجلا قبل أن تؤثر علي حاجيات السوق الوطني من مخرجات الشعب الأدبية.
و صدق من قال إن شهادة الباكلوريا هي مرآة التعليم و أن هذا الإخفاق الماحق دليل و برهان علي فشل ماكنة التعليم كلها لكنه يجانب الصواب قليلا من يقول إن مرد ذلك عائد إلي إخفاق إصلاح التعليم 1996 ففي تقديري أن ألإصلاح المذكور جيد من الناحية النظرية عاجز من الناحية التطبيقية و اللوجستية و لا يتطلب الأمر اليوم إصلاحا جديدا و إنما مراجعة و تحيينا و ترتيبا لبعض الأولويات و عزيمة سياسية و إدارية فولاذية و توجيها لموارد مالية معتبرة.
و أخيرا فإنه من المتوقع أن يقدم وزير التهذيب الوطني عرضا أمام الاجتماع الاسبوعي للحكومة حول نتائج امتحانات الباكلوريا و الدروس المستخلصة كلي أمل في أن يمثلالعرض المرتقب القطيعة القطعية و الكلية مع تقاليد لغة الخشب و التحفظ وأن يضغط جهد الكف علي أجراس الإنذار كلها حتي يَدًكر من له قلب وطني سبيلا إلي إعداد "خطة مارشال وطنية " حول إصلاح التعليم الذي هو المضغة التي إذا صلحت صلح الجسم الوطني كله والذي سبق أن قلت إنه يعاني من التهابات عرقية و فئوية و شرائحية و حقوقية تزداد حدة يوما بعد يوما و تتطلب علاجا عاجلا و ناجعا.
المختار ولد داهى سفير سابق