مجرد إعادة نشر للتذكير ( بأهمية مسؤلينا ك عرب وحجم طموحهم ) أحدث كتاب الصحفي الشهير بوب وودوورد "حالة الإنكار" زوبعة سياسية وإعلامية في واشنطن بسبب ما تضمنه من معلومات عما وصفها بحالة الخلل وعدم التنسيق التي تطغى على حكومة الرئيس w بوش وجنوحها المعتاد لإخفاء الحقائق بشأن إخفاقاتها السياسية عن الشعب الأمريكي من خلال اعتماد سياسة التضليل والانكار. وقد اعتمد وودوورد على سلسة لقاءات صحفية أجراها مع عدد من المسئولين في الحكومة ومع مصادر لم يكشف عن هويتها داخل البيت الأبيض ومؤسسات الحكومة المختفلة بسبب حساسية الموضوع، كما أشار إلى مضمون بعض الوثائق السرية ومقارنتها مع التصريحات العلنية للرئيس بوش وأعضاء حكومته للكشف عن التباين الحاصل بين حقيقة الأمور، خاصة التطورات المتعلقة بالعراق انطلاقا من الفترة التي سبقت الغزو ومرورا بعملية الغزو ذاتها وما بعدها ووصولا إلى مرحلة التدهور الأمني والإقتتال الطائفي الحالية، وبين الخطاب الرسمي للرئيس بوش الذي يعمد إلى إظهار الوضع على أنه وردي وآخذ في التقدم نحو الأفضل. وقد ركز وودوورد على موضوع الإخفاق في العراق إلى جانب ما وصفه بإحفاق مسئولي الأمن القومي في الولايات المتحدة خاصة كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي أنذاك في تفادي حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر، على الرغم من جميع المؤشرات والتحذيرات الاستخبارتية التي كانت تؤكد أن شبكة القاعدة بزعامة أسامة بن لادن مصممة وعازمة على ضرب الولايات المتحدة داخل أراضيها.
الموضوع العام للكتاب
المراقب للتطورات في واشنطن منذ تولي الرئيس بوش السلطة مطلع عام 2001 يدرك ويعرف عن قرب صحة ما تضمنه كتاب وودوورد من خلاصات ومعلومات بشأن سياسات الحكومة سواء المتعلقة بالحرب على الإرهاب ومرحلة ما قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر وكذلك الحرب في العراق، لأن وسائل الإعلام وعددا من الكتب والأفلام الوثائقية تطرقت إليها من قبل. فعلى سبيل المثال قضية "تجاهل" كوندايزا رايس والرئيس بوش لمذكرة الإستخبارات التي تحمل عنوان "شبكة القاعدة عازمة على المهاجمة داخل الأراضي الأمريكية" قبل بضعة أسابيع من الهجمات سبق وأن تطرقت إليها لجنة التحقيق في هجمات الحادي عشر من سيتمبر خلال جلسات الاستماع التي عقدتها وفي التقرير النهائي الصادر عنها. كما أن التباين بين تقييم الرئيس بوش وأعضاء حكومته للوضع في العراق وبين أعمال العنف الطائفي المتصاعدة وعدد الجثث التي يتم العثور عليها يوميا في شوارع المدن العراقية وتحمل أثار التعذيب واضح للعادي والبادي، خاصة وأن معدل عدد القتلى في صفوف المدنيين العراقيين فقط يبلغ حوالى ألف قتيل شهريا ناهيك عن عدد القتلى في صفوف القوات العراقية وقوات التحالف وعمليات الاغتيال التي أصبحت شبه يومية وتستهدف الشخصيات السياسية والدينية والأمنية. لكن الجديد في الكتاب هو كشف المؤلف عن مضمون الحوارات التي دارت بين المسئولين في حكومة الرئيس بوش بشأن مختلف تلك القضايا التي تطرق لها من خلال استخدام العبارات والحوارات كما وردت بالإضافة إلى كشفه عن مضمون عدد من التقارير السرية التي وُزعت داخل الحكومة.
الجديد في الكتاب
القضية التي أثارت إهتمامي في كتاب وودوورد هي كشفه عن طبيعة العلاقة المتميزة بين الرئيس بوش وبين السفير السعودي السابق لدى واشنطن الأمير بندر بن سلطان الذي يقول الكاتب إنه يحظى بنفوذ وتأثير بارز ليس فقط في حلقة صنع القرار في واشنطن بل إن لديه منزلة خاصة لدى الرئيس بوش ذاته وبالتالي فإنه الشخصية العربية الوحيدة على الأرجح التي يستشيرها الرئيس بوش ويأخذ بآرائها على نحو جاد. سبق وأن تطرق كتاب آخر تحت عنوان آل بوش وآل سعود" The house of Bush and the House of Saud” العلاقة الوطيدة بين عائلة بوش وعائلة آل سعود الحاكمة في السعودية والمصالح السياسية والمالية المشتركة بينهما، لكن الأمر مختلف في كتاب وودوورد "حالة الإنكار" إذ أنه يبرز في فصول عديدة منزلة الأمير بندر ودوره الاستشاري لدى بوش ليس لكونه ينتمي لعائلة آل سعود بل بسبب دهائه السياسي ومعارفه واتصالاته الشخصية عبر العالم.
بداية علاقة بوش بالأمير بندر
يقول ووردوور إن الرئيس السابق بوش الأب أجرى في خريف عام 1997 إتصالا هاتفيا بأحد أبرز أصدقائه المقربين وهو الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية لدى واشنطن وقال له إن بوش الإبن الذي كان حينها حاكما لولاية تكساس يرغب في الحديث معه بشأن موضوع هام على انفراد وبعيدا عن الأضواء وطلب منه القدوم إلى تكساس. ويضيف الكاتب أن بندر الذي تتمحور شخصيته وعلاقاته على مثل تلك الاجتماعات البعيدة عن الأضواء لم يتردد ووافق من دون أن يسأل عن السبب، لكن القضية كانت واضحة خاصة وأنه كانت هناك تكهنات وتقارير صحفية تفيد بأن بوش الابن كان يفكر في ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة. قام بندر بالتخطيط لزيارته لتكساس وجعلها متزامنة مع موعد مقابلة لكرة القدم الأميركية يلعبها فريقة المفضل Dallas Cowboys واستخدمها كغطاء للزيارة. يقول الكاتب إن بوش الإبن أبلغ بندر عزمه ترشيح نفسه في انتخابات الرئاسة وقال له إن لديه أفكارا واضحة حول ما يتعين القيام به بشأن السياسة الداخلية الأمريكية لكنه أضاف "ليس لدي أي فكرة عن الكيفية التي يتعين علي التفكير من خلالها بشأن السياسة الخارجية، إن والدي أبلغني بأنه يتعين علي التحدث مع بندر قبل أن أتخذ أي قرار بهذا الشأن لأسباب عديدة:
أولها أنه (أي بندر) صديقنا-أي صديق للولايات المتحدة.
ثانيها أنه يعرف جميع الشخصيات التي لها وزن وتأثير عبر العالم.
ثالثا لأنه مطلع على التطورات في العالم ويستطيع المساعدة في عقد اجتماعات مع أهم الشخصيات في العالم
وهنا تكمن أهمية آراء بندر ومشورته والتي ستترسخ بشكل أكبر وأعمق خلال السنوات الموالية، مع الإشارة إلى أن بوش اتصل ليتباحث مع بندر بشأن السياسة الخارجية قبل الاتصال بكونداليزا رايس لتشرف على ملف السياسة الخارجية في حملة بوش الانتخابية. وودوورد يقول إن الأمير بندر قدم لبوش نصيحة ميكيافيلية مفادها أنه يتعين عليه التخلي عن كبريائه وأن يكسب ود خصومه السياسيين بأي ثمن، موضحا له أن معترك السياسة هو مجال صعب ودموي ليس فيه مجال للنزاهة.
بندر المستشار غير الرسمي
ويوضح الكاتب أن الاتصالات بقيت متواصلة بين بندر وبوش الابن، وأنه في الوقت الذي حاز فيه الأخير على ترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة إلتقى الرجلان في يونيو من عام 2000 خلال حفل بمناسبة عيد ميلاد باربرة بوش، وأن بوش الابن طرح السؤال التالي على بندر "بندر إنك أفضل شخص مطلع على شئون العالم، أخبرني أمرا واحدا، وهو لماذا يتعين علي أن أعير الاهتمام لكوريا الشمالية؟" في إشارة إلى التقارير التي تحذر من التهديد الذي يشلكه النظام الحاكم في بيونغ يونغ، ليجيب بندر بأنه لا يدري بالقدر الكافي لأنه لم يقم بأية مهام بشأن كوريا الشمالية لكنه أوضح أن أحد الأسباب قد يكون هو وجود ثمانية وثلاثين ألفا من القوات الأمريكية على الجانب الجنوبي من الحدود بين الكوريتين وأن اي إطلاق للنار عبر الحدود قد يسفر عن مقتل نصف تلك القوات الأمريكية خلال أي هجوم تقوم به كوريا الشمالية بالأسلحة الكيماوية أو البيولوجية أو حتى بالأسلحة التقليدية وبالتالي وبكل بساطة فإن الولايات المتحدة في حرب مستمرة مع كوريا الشمالية. ويشير الكاتب هنا إلى أن الرئيس بوش أعرب عن ارتياحه للبساطة في التفسير الذي قدمه بندر وقال "أود لو أن أولئك-المستشارين- يعرضون علي الأمور بشكل مبسط بدلا من تقديم نصف كتاب عن تاريخ كوريا الشمالية".
بحسب وودوورد يظهر هذا الحوار ذكاء الأمير بندر وقدرته على دراسة سيكولوجية الأشخاص الذين يتعامل معهم واستخدام ذلك لصالحه، وفي معرض تحليله لشخصية بوش الإبن يقول بندر إن "بوش جاء إلى السلطة ولديه مهمة يريد تحقيقها" هذه المهمة هي مهمة شخصية وهي بحسب بندر "رفع الظلم الذي لحق بوالده الرئيس السابق من خلال خسارته في الانتخابات على يد كلينتون".
الإجتماعات الشهرية والمشاروات بشأن قضايا العالم
من غير المعتاد أن يكون بإمكان سفير دولة ما الدخول إلى البيت الأبيض والإجتماع مع الرئيس الأمريكي في أي وقت شاء، لكن الوضع مختلف بالنسبة للسفير السعودي الأمير بندر، يقول وودوورد إن في الخامس والعشرين من شهر مارس من عام 2001، أي بعد شهرين من تولي بوش الرئاسة، توجه الأمير بندر إلى البيت الأبيض ليبلغ الرئيس بوش انزعاج السعودية بتصريحات صادرة عن وزير الخارجية كولين باول قال فيها إن الولايات المتحدة تعتزم نقل سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس باعتبارها عاصمة لدولة إسرائيل، ويضيف الكاتب أن الرئيس بوش أبلغ بندر بأنه يدرك مدى حساسية القدس لدي العرب وأن باول لم يكن موفقا في اختبار عباراته على الأرجح. ليناقش الرجلان قضيتي فلسطين وقضية الإطاحة بنظام حكم صدام حسين والمعارضة العراقية وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية. وليعرب الرئيس بوش عن رغبته في عقد إجتماع مرة كل شهر مع بندر من أجل إجراء حوار صريح بينهما.
بعد أسبوعين على اجتماع بوش وبندر في البيت الأبيض قامت الصين بإسقاط طائرة تجسس تابعة للبحرية الأميركية واعتقلت طاقمها المؤلف من أربعة وعشرين شخصا وهو ما شكل أول أزمة دولية تواجهها حكومة الرئيس بوش. وفي الوقت الذي شدد فيه البيت الأبيض على ضرورة الحفاظ على صورة الرئيس بوش لدى الرأي العام طلب وزير الخارجية كولن باول تدخل الأمير بندر لحل الأزمة من خلال استخدام نفوده وعلاقاته مع المسئولين الصينيين. وهو الأمر الذي حدث بالفعل وقام بندر بإقناع المسئولين في بكين بالإفراج عن المعتقلين الأمريكيين الأربعة والعشرين واعتبر المسألة على أنه جميل شخصي أسداه الصينيون له.
وأظهر الكتاب عددا من المناسبات التي تدخل فيها الأمير بندر وتحدث فيها إلى الرئيس بوش ليس بلهجة سفير دولة أجنبية فحسب بل بلهجة المستشار الملم بأمور العالم الذي يسدي النصيحة لرئيس دولة عظمى، وليكون بذلك الشخصية العربية الوحيدة على الأرجح التي يستمع إليها الرئيس بوش بتأني وإمعان.
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.
المصدر: تقرير واشنطن-العدد79