لا خصامَ فى أن أول الطموحات الواجبة فى حق البلد هو مراجعة العقد الاجتماعي الوطني بعد مُضِيِّ ستين حَوْلًا على التأسيس و التعاقد على “عجل و خَبَبٍ” و إعلان “الدولة الموريتانية رغم كل التحديات”.
وتطفلا على “أهلية” الإسهام فى النقاش الفكري لهذا الموضوع أسجل عبر هذا المقال “بالأحرف الأولى” موقفى من مسألة مراجعة العَقْدِ الاجتماعي الموريتاني التى يتحدث عنها كثير من الناس و قليل منهم يحرر مناطها و يحقق حالها و يستشرف مآلها،..
و إجمالا،فإن المتابع للشأن الموريتاني ملاحظ إجماع أهل الفكر و النظر علي الحاجة إلي مراجعة العقد الاجتماعي الوطني و انقسامهم اتجاه حجم و طبيعة و استعجالية تلك المراجعة إلي ثلاث فئات:-
أولا-فئة المطالبة بتحيين و ترميم العقد الاجتماعي: و تري هذه الفئة أن العقد الاجتماعي الذي تأسست عليه الدولة الموريتانية هو عقد تأسيسي سليم و مقبول و لا يستدعي إلا الحاجة الطبيعية و الروتينية إلي “الصيانة” المتمثلة في شيئ من التحيين الذي يتطلبه التطور الزمني و قدر من الترميم لبعض أخطاء الممارسة و أَعْطَابِ الطريق الشاق إلي بناء أول دولة مدنية علي هذه الأرض مترامية الأطراف، متعددة الأعراق و اللغات و العادات و “الأمزجة”،…
ثانيا-جماعة السعي إلي تطوير و إصلاح العقد الاجتماعي:و تسعي هذه الجماعة إلي توضيح و تثمين إيجابيات العقد الاجتماعي الحالي غير القليلة التي حصنت الدولة من هزات مجتمعية عنيفة و “أمراض سياسية” إقليمية مُعْدِيًةٍ.كما تهدف إلي التركيز علي النواقص العديدة للعقد الاجتماعي الحالي مطالبة بضرورة تطويره و تقويمه و إصلاحه من خلال ترتيب أولويات الشواغل الوطنية كإطفاء المظالم الاجتماعية التليدة و الطارفة، الموروثة و المكتسبة “شديدة قابلية الاشتعال” و اعتماد نموذج اجتماعي هدفه الأكبر و الرئيس تحقيق العدل الاجتماعي الذي هو “الرافعة الفعالة و الآمنة” لكل رقي سياسي و تنمية اقتصادية…
ثالثا-فريق الضغط من أجل هدم و إعادة بناء العقد الاجتماعي: و يعتقد أنصار هذا الفريق و الذين منهم من يوصف أحيانا “بالغلو السياسي” و منهم من ينعت بالتطرف العنصري و الشرائحي و المناطقي أن الدولة الموريتانية أُسِسَتْ من أول يوم علي الغبن و الحيف و عدم ترتيب الأولويات و أن الإصلاح المطلوب لن يكون عاصما من الهزات المجتمعية العنيفة إلا إذا جسد قطيعة كاملة مع الماضي من خلال هدم العقد الاجتماعي الحالي و إعادة تأسيسه علي أسس جديدة.
وإذا جاز لي أن أصف الفئة الأولي بالتبريرية و الثانية بالإصلاحية و الثالثة بالاستئصالية فإنه في اعتقادي أن رهانات التأسيس لا زالت راهنة ناتئة لم يحسم منها إلا رهان إثبات الوجود و تسجيل موريتانيا ضمن ” الحالة المدنية المُؤَمًنَةِ لدول العالم” و أن متطلبات تجذير الدولة الموريتانية تمر حتما عبر تحالف النخب الوطنية كلها -و لا أحاشي من الأقوام أحدا- تحالفا يتصدي لمقاربات الفئتين التبريرية و الاستئصالية و مناصرة الفئة الإصلاحية.
و ينبغي أن تتجسد تلك المناصرة أساسا إن لم أقل حصرا في تطوير و إصلاح العقد الاجتماعي الوطني الحالي إصلاحا استباقيا، استشرافيا، تقدميا و جريئا يجعل “إطفاء المظالم الاجتماعية” و تحقيق العدل الاجتماعي و تملك النهضة المعرفية و القِيًمِيًةِ و العمل بجهد وتضحية و نزاهة من أجل تنمية اقتصادية عاجلة شاملة و عادلة أُمًهَاتِ الشواغل و الأهداف و المقاصد الوطنية.