قرنفلة إفريقيا وسواد عيونها ، المغتسل بالنيل الأزرق قدُّها ، المُغَمَّس في الليل المقمر بهاؤها ، المُغَطَّى بوِشاح الشمس رأسها ، المفتولة بمعارك المجد أطرافها ، المزيَّنة بمحاسن الطبيعة ما ظلَّ عَبْرَ العصورِ مِنها ، ذِكْرَى على ألْسُنِ البشريَّة مُعَظِّمَة تاريخها ،والأخير مزهواُ بما حفظه على مَرِّ الحِقب مَعْرِضاً لتراثها ، سَيَّجَهُ الاحترام المفعم بالتقدير ليدوم رَسْماً ناطقاً بمسير حضارة من عصر بداية الحياة على أديم الأرض إلى آخر لحظات وجودها ، انها "السودان" المنقادة (من طرف عناصر قلة حاكمة) كرها لبني صهيون ليغتصبونها ، وما تبقَّى مِن عرب يتفرَّجون عليها ، منتظرين دورهم في تطبيع يجهز على كرامتهم وشرفها ، وكأنَّ شعوب المشرق الأقربين لعين المكان مغلوبة على أمرها ، لتضيعَ عروبَة "السودان" أو تُلحَق بالطَّاعنين ظهر الصامدة فلسطين لم يعد وقوعه يهمها ، تاركة عنان التوجُّه لعصر الانحطاط العربي لبعض حُكامٍ باعوا تَرِكَةَ أجدادِ أجدادِ تلك الأوطان لمن استباحوا عرضها ، ممَّن ابتدعوا ديناً من أركانه عبادة البيت الأبيض والحج لتل أبيب وما تبقَّى من شعائر مذلة وانبطاح وفقدان الضمير هناك ملحق جامع لشرحها . قد نضعه بين أذهان محبي الحق ليبتدعوا على ضوء معلوماته لِقاحاً يُوقِف زحف فيروس التبعية العمياء لاسرائيل وأذنابها، ويُوَجِّه المُلَقَّحين به (عن قرب أو بعد) صوب حيوية مناعة الكفاح المصيري لتنهض فلسطين الحبيبة بكل منتسبٍ لها عبر العالم جذوراً ومولداً ونشأةً داخلها، مشتتا عن قهر خارجها ، مهاجراً لظرف ما بين القارات الخمس جميعها ، أن تنهض لفك القيد عن معصميها ، وتنطلق بملايين الملتفِّين حولها ، والمؤيدين لتحقيق الإستقال على يمينها ، وكل القرارات الأممية الصادرة على امتداد عقود من طرف الأمم المتحدة أو المحافل المكمِّلة لنشاطاتها الإنساني على يسارها ، وحميع ما تملك من قوة بشرية رابطة مصيرها باقامة دولة فلسطينة عاصمتها القدس أمامها ، فقد ولَّت مراحل التفاوض على التفاوض للتفاوض من جديد بتفاوض أكثر تفاوضا مما تمّ عليه التفاوض المنتهي باجراء ما بقي من تفاوض يتطلَّب المزيد من التفاوض لغاية استدراك نقطة انطلاق متل المهزلة لتُغلَقَ الدائرة على واقع مرّ انفجر بفضيحة مهرجان التطبيع مع الكيان الصهيوني الهادف إلى حرمان فلسطين من إستنشاق الهواء العربي ، الذي ملأ رئتيها باكسجين الدعم المعنوي قبل المادي ، ليصبح في جزء منه مُنحبساً بطريقة تدق ناقوس الحذر من وصول المؤامرة الغربية / الأمريكية / الاسرائيلية أوج مردودياتها ، على أرض الواقع عازمة القضاء على الحق الفلسطيني في الوجود المستحق لها .
السودان شعب وليس حفنة من سياسيين متحالفين مع بعض عسكريين لا صلة لهم بالثورة حراكاً عفويا كانت عن ارادة تناشد التغيير القائم على البدء من جديد في التأسيس لنظام قائم على الإنصاف وحقوق الإنسان بأكمل قيمها ، ومعالمها الواضحة ، وعزيمة لا تنحني لرياح الطامعين في ركوب موجة التصحيح الشامل ،المُهيأ له مؤسسات منتخبة أحق ما يكون الانتخاب ، بشروط تفرزها قواعد مضبوطة منظّفة من نُظُمِ الماضي، التي مزَّقت "السودان" وقذفت بجزء منه بين كفي جسد رأسه في أمريكا ، وأجزاؤه في بعض من أوربا ، وذيله في بعض بلاد شرق أوسطية . السودان شعب عظيم متمسِّك بأعرافه محافظ على كرامته وشرفه ونقاء تاريخه المرصَّع بجواهر مواقف لا زالت تلمع بدروس لقَّنها لجبابرة الغزاة على امتداد العصور والأحقاب ، وليس قلّة من أفراد احتلُّوا المناصب العليا بكيفية عراها الزمن وفضحتها ممارسات تصب في مستنقع تبعية غرضها استغلال الأراضي السودانية لصالح دول تتقدمها اسرائيل ، لذا الشعب قادر على اعادة وطنه لحرية تضمن له رفع علم يرفرف بعزة يتحدى بها كل طامع بمصيدة التطبيع يشتري فيه ويبيع . قلة لم تستأذن الشعب صاحب الشأن الأوحد في دولة السودان ، فتصرفت كذئاب أصابها السغب فاندفعت لفريسة من صنف جنسها تغطي فخاً وسطه تقع ، فما وجدت بعد المصيبة ما لها ينفع ، سوى حسرة مترجمة ألماً في الضمير وشقاء بما جفونها بالدمّ تدمع ، إذ الشعب السوداني شريف ومَن خانه لثمن مرتفع ، يومه أو غداً (رغماً عن أنف منصبه) يدفَع ، أما فلسطين الحبيبة مهما حصد غذر بعض بني العمّ بها من فاقدي البصر والسَّمع ، قادرة بنزع استقلالها من الغاصب المحتلّ بما (بعد الآن) ستزرع .
مصطفى منيغ