كثيرة هي المحاولات التي هدفت الى احداث تغيير نوعي و استراتيجي في معادلة الازمة في سورية على مدار السنوات الاربعة الماضية.
اخر المعطيات تشير الى سقوط اخر المحاولات الساعية لاحداث تغيير استراتيجي على الارض الامر الذي قد يفتح الباب لتداعيات سياسية و امنية قادمة تطال المحيط السوري.
فشل ما يسمى “عاصفة الجنوب” تفرض على الاردن- تحديداً- تحديات حقيقية قد لا تقتصر على البعد الأمني او العسكري بل قد تشمل البعد السياسي أيضاً. على مدار السنوات الماضية و تحديداً منذ اندلاع الازمة السورية لعب الاردن دوراً صنفه كثير من المحللين ب “الغامض” و الساعي لارضاء الجميع. التصريحات الرسمية كانت تنفي اضطلاع الاردن بأي دور سلبي تجاه الازمة في سورية، لا بل ان الخطاب السياسي الاردني كان يصر دائماً على التأكيد ان الحل السياسي هو الحل الوحيد للازمة في سورية. في المقابل كانت كثيرمن المعلومات و المعطيات التي يتم تسريبها على نطاق واسع تشير الى دور عملياتي و لوجستي كبير تحتضنه جبهة الجنوب السوري الامر الذي اشار باصابع الاتهام الى الاردن و دول المحور الامريكي. لسنا هنا بصدد الحديث و التفصيل في طبيعة الدور الذي انخرطت به كثير من الدول في الازمة السورية، لكن من الاجدى الحديث و من وجهة نظر استراتيجية، عن متطلبات اليوم بعد مرور ما يزيد عن اربعة سنوات على الازمة السورية و تحول هذه الازمة الى نقطة تفجير باتتنيرانها و تداعياتها قادرة على استهداف الجميع.
استراتيجياً يجد الاردن نفسه مضطراً لايجاد شريك حقيقي في الجانب السوري ليس فقط من اجل تنسيق عمليات مكافحة الجماعات الارهابية بل ايضاً للحفاظ علي امنه القومي و التأسيس لعودة اللاجئين السوريين الى اراضيهم مستقبلاً خصوصاً ان تداعيات الارهاصات على الجانب السوري بدأت باستهداف الداخل الاردني الامر الذي يصعب ضبطه مستقبلاً. السيناريوهات المفترضة و المتعددة التي فرضتها السنوات الماضية او حتى الرهانات المتعددة اثبتت عدم جدوى كافة المحاولات الساعية لايجاد اطراف “وهمية” من طراز ما يسمى الجماعات المعتدلة او اطراف “غير حقيقية” من طرازالعشائر “السنية”. خصوصاً ان الاردن يدخل المرحلة الحالية مع تزايد خطر ولادة امارات ارهابية في المناطق الحدودية و ارتفاع خطر الاستهداف الامني لكثير من الدول و الذي قد يصعب السيطرة عليه في مراحل متقدمة.
معادلة التغيير الاخيرة في سورية و التي راهن عليها الكثيريون منذ اندلاع معركة ادلب و جسر الشغور وصولاً الى التلويح بايجاد منطقة عازلة في الشمال و من ثم الانتقال الى تأسيس منطقة مشابهة في الجنوب تسقط اليوم و تعيد ترسيخ القناعة بأن الحل السياسي هو المخرج الوحيد لانهاء الازمة.
ضمن هذا المناخ تعود ورقة مكافحة الارهاب لتقدم خدمة ذهبية لكافة الاطراف لاحداث تغيير جذري في مواقفهم و اغلاق ملفات الماضي و المضي قدماً نحو تفكير مستقبلي يضع نهاية للازمة المستشرية. الحديث عن ضرورة تشكل تحالف جديد من اجل مواجهة خطر الارهاب المستشري ووضع حد لتنظيم داعش بعد فشل كافة محاولات بناء تحالف يستطيع مواجهة التنظيم على الارض يقدم مادة مهمة لكثير من الدول المنخرطة في تأجيج الصراع في المنطقة لتغيير مواقفها و الالتفات لازماتها الداخلية الناتجة عن طول امد الازمة من جهة او تفريخ ازمات جديدة من جهة أخرى. ايجاد صيغة تحالف جديد قادرة على انهاء الخلافات الحالية و توحد الاولويات بمكافحة الارهاب قد يقدم بارقة امل جديدة لانهاء الصراع المستشري قد تولد قريباً.
راي اليوم- عمان- الدكتور عامر السبايلة