السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إخوتي أهديكم هذا الحوار اللطيف مع الشيخ محمّد الأمين الشنقيطي، (آب ولد اخطور)
كان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي قد ذكر في بعض دروسه في المسجد النبوي أن والدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الفترة وذكر ما يقوله أهل العلم في أهل الفترة.
وفي إحدى الليالي استدعاه الشيخ عبد الله الزاحم إلى منزله فلما حضر رحّب به وأوسع له في المجلس إلى جنبه وكان مجلسه ذلك الوقتَ ليس به إلا المنتسبون للعلم وكان بين أيديهم كتاب فيه مرجع..
قال الشيخ محمد الأمين : فلما انتهى التسليم ناولني الشيخ عبد الله الزاحم الكتاب فإذا هو شرح النووي على صحيح مسلم والمرجع فيه عند حديث : (إن أبي وأباك في النار) .
قال الشيخ عبد الله الزاحم : إنك قبل أيام قلتَ في الدرس كذا وكذا لما قرر من أنهما من أهل الفترة ..
قال الشيخ الشنقيطي : قلتُ ما قلتُ اعتمادا على نص من كتاب الله قطعي المتن وقطعي الدلالة وما كنت لأردّ نصا قطعي المتن قطعي الدلالة بنص ظني المتن وظني الدلالة عند الترجيح بينهما فهذا الحديث خبر آحاد ومثله حديث أبي هريرة عند مسلم : (استأذنت ربي أن أزور أمي فأذن لي واستأذنته أن أستغفر لهما فلم يأذن لي) ولكن أخبار الآحاد ظنية المتن فلا يردّ بها نص قرآني قطعي المتن وهو قوله تعالى : (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الإسراء/15، أي : ولا مثيبين..
وهذا النص قطعي الدلالة لا يحتمل غير ما يدل عليه لفظه بالمطابقة بخلاف حديث : (أن أبي وأباك في النار) فإنه ظني الدلالة يحتمل أنه يعني بقوله : "إن أبي" عمَّه أبا طالب ، لأن العرب تسمي العم أباً ، وجاء بذلك الاستعمالُ كتاب الله العزيز في موضعين :
- أحدهما: قطعي المتن قطعي الدلالة، وهو قوله تعالى في البقرة : (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) البقرة/133 ، وإسماعيل عمه قطعاً فهو يعقوب بن سحاق بن إبراهيم..
- والموضع الثاني : قطعي المتن لكنه ظني الدلالة وهو قوله تعالى : (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ..إلى أن قال : (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً) الأنعام/84/86 ، فهو نص قرآني على أن إبراهيم يطلق عليه أبٌ للوط وهو عمه على ما وردت به الأخبار إلا أن هذا النص ظني الدلالة لأنه يحتمل أن يكون الضمير من قوله تعالى : (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ) يرجع إلى نوح لأنه قال في الآية من قبل ذلك : (وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ) ولكنه احتمال مرجوح لأن الكلام عن إبراهيم..
وإذاً فإنه يحتمل أنه لما سأله الأعرابي بقوله : أين أبي؟
وقال له : إن أباك في النار وولّى والحزن بادٍ عليه فقال : (ردوه علي) فلما رجع قال له : (إن أبي وأباك في النار) يحتمل أنه يعني بأبيه : أبا طالب لأن العرب تسمي العم أبا لا سيما إذا انضمّ إلى العمومية التربية والعطف والدفاع عنه..
ثم قال : والتحقيق في أبويْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما من أهل الفترة لأن تعريف أهل الفترة أنهم القوم الذين لم يدركوا النذارة قبلهم ولم تدركهم الرسالة التي من بعدهم فإذا كان ذلك كذلك فإن والد النبي صلى الله عليه وسلم التحقيق أنه مات والنبي صلى الله عليه وسلم بأبي وأمي هو حمل في بطن أمه وأمه ماتت وهو ابن ستة أعوام بلا خلاف وإذاً فإنهما من أهل الفترة..
• فقال أحد الحضور : العرب كانوا على دين إسماعيل فعندهم نذارة أدركوها..
• فقال له الشيخ الأمين : هل أنت على بصيرة مما تقول؟
• قال : نعم،
• قال له الشيخ محمد الأمين :
أين أنت من قوله تعالى في سورة يس : (لتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) وما هنا نافية على التحقيق بدليل الفاء في قوله : (فَهُمْ غَافِلُونَ)
أي : لعلة عدم إنذارهم.
- وأين أنت من قوله تعالى في سورة القصص : (وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ)..
- وأين أنت من قوله تعالى في سورة سبأ : (مَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ)..
- وأين أنت من قوله تعالى في سورة السجدة : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ)..
• قال شيخنا : إن التحقيق في أهل الفترة والبله وأولاد المشركين الذين ماتوا صغاراً أنهم تُشب لهم نارٌ يومَ القيامة في عرصات المحشر فيؤمرون باقتحامها والله يعلم من خلقه مَن هم للجنة فيقتحمونها فتكون عليهم برداً ويذهب بهم ذات اليمين ويعلم من خلقه مَن هم للنار فيمتنعون من دخولها فيذهب بهم ذات الشمال ذكر ذلك ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)..
وقال : إنه جاءت بذلك أحاديث منها الصحيح ومنها الحسن ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن وإذا كانت أحاديث الباب متعاضدة على هذا النمط أفادت الحجة عند الناظر فيها..
• فقال أحد الحضور : هذا تكليف والآخرة دار جزاء فهي يوم الدين..
• فقال له شيخنا : هل أنت على بصيرة من قولك هذا ؟
• قال : نعم..
• قال الشيخ محمد الأمين : قال تعالى في سورة القلم : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) أيُّ يوم هذا يا معشر الحضور؟
وهل كان هذا تكليفاً في عرصات القيامة بنص كتاب الله ؟
وأيضاً قد ثبت في الصحيح أن المؤمن يسجد لله يوم القيامة وأن المنافق لا يستطيع السجود وتكون ظهور المنافقين مثلَ صياصي البقر أليس هذا بتكليف في عرصات القيامة ؟
• قال أحد الحضور : أليس بالإمكان حمل الخاص على العام؟
لأن الخاص يقضي على العام عند الجمهور فقوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) دليل عام والأحاديث الواردة في أشخاص معينين دليل خاص فما أخرجه دليل خاص خرج من العموم وما لم يخرجه بقي على عمومه داخلاً فيه..
• قال شيخنا : إن هذا التخصيص لو قلنا به لأبطل ذلك حكمة العام لأن الله تعالى تمدَّح بكمال الإنصاف وأنه لا يعذب أحداً حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل له في دار الدنيا فلو عذب أحداً من غير إنذار لاختلّت تلك الحكمة التي تمدَّح الله بها ولثبتت لذلك المعذب الحجة على الله التي أرسل الرسل لقطعها كما بينه تعالى في سورة النساء : (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) وهذه الحجة التي أرسل الرسل لقطعها بيّنها في آخر سورة طه بقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى) وقال تعالى في سورة القصص : (وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) فيتعين بكل هذه الحجج عذر أهل الفترة بفترتهم في الدنيا وأنهم ممتحنون يوم القيامة ولا يعلم من يقتحم منهم النار ممن يمتنع إلا الله الذي خلقهم والعلم عند الله تعالى هو حسبنا ونعم الوكيل..
ثم إن الشيخ عبدالله الزاحم قد نصح بعض الحضور لهذه الجلسة قائلا : إن من نصيحتي لك أن لا تتكلم في مجلس فيه هذا الرجل الذي تسلح بآيات كتاب الله ينظر إليها كأنها بين عينيه فلا يُؤمَن على أحد عارضه أن يرميه بآية تخرجه من الملة نسال الله السلامة والعافية..
وبعد هذا المجلس بنحو ثلاثة أيام دعا الشيخ عبدالله الزاحم الناس دعوة عامة على شرف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي حضرها كثير من المنتسبين للعلم وكانوا يتكلمون ويبحثون بحثا عاما كل فيما يحلو له وكان من عادة الشيخ الشنقيطي عدم الكلام في المجلس إلا إذا سئل عن شيء أو إذا سمع غلطا لا يحسن السكوت عليه..
فبينما الحضور في ذلك البحث العام إذ قال أحدهم : إن التاريخ محفوظ من عهد آدم إلى يومنا هذا..
فاعترضه الشيخ، عليه رحمة الله قائلا : لا تقل هذا فالتاريخ غير محفوظ..
• فأجابه قائلا : هذا ابن كثير في البداية والنهاية أتى به مبينا وقائع كل سنة فهو محفوظ..
• فقال الشيخ الشنقيطي : يا أخي إن الله تعالى يقول لنبيه في سورة النساء : (ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك)..
• فأجاب الباحث قائلا : يمكن أن يكون قصهم عليه في نوع آخر من الوحي غير التنزيل..
• فقال الشيخ الشنقيطي : أحسنت في جوابك هذا ولكن ما جوابك عن ما جاء في سورة إبراهيم : (ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله) أفعلمهم ابن كثير حتى يكتب عنهم ؟
٠ وعندَها صاح الشيخ عبدالله الزاحم قائلا : هذا الموقف الذي كنت أخشاه عليك أجب : (لا يعلمهم إلا الله) أفعلمهم ابن كثير ؟
نصحتك لكنك لم تقبل نصيحتي..
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم اجعلنا من أهل القرآن والسنة النبوية اللهم اصرف البلاء والوباء اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجميع سخطك اللهم إن هذا الوباء قد صار من حولنا وأمره بين يديك فحل بيننا وبينه بلطفك وسترك وعفوك ورحمتك واحم بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين من شره وبلائه وأدم علينا الأمن والأمان يا أرحم الراحمين اللهم إنا نبرأ إليك من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوتك فاحفظنا وأهلنا ومن نحب يا رب العالمين اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمن له حق علينا يا أرحم الراحمين اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا،،،،
إخوتي صلوا على الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا،،،،
ليل سعيدة.