سامي كليب : مع ٣٩ مليون عاطل عن العمل جديد، وفشل كبير في مواجهة جائحة كورونا، يتوجه الآن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو معركتين كبيرتين ومعارك أخرى صغيرة بغية ضمان عودته الى الرئاسة وقد ينجح في ذلك رغم كل المغالاة التي نشاهدها عبر وسائل الاعلام وبينها عربية .
المعركة الأولى تتمثل بتجييش العرق الأبيض وعنصريي أميركا العميقة ورجال المال والأعمال ورجل الدين من الانجيلينين لصالحه بعد مشاهد التظاهرات والعنف التي تجتاح أميركا حاليا في اعقاب قتل شرطي لرجل أسود. وكلما زاد العنف والتكسير والنهب، كلما زادت حظوظه في التجييش.
والمعركة الثانية، تتعلق برفع مستوى التوتر مع الصين الذي يكاد يصل الى حد قطع العلاقات ، ويمكن ان نضيف الى ذلك استمرار رفع الضغط على ايران بما في ذلك قانون " قيصر" الذي وان كان ظاهره هو لخنق سوريا فان باطنه يستهدف كل المحور وعلى رأسه طهران .
نحن أمام عودة الى ما تُسمى باستراتيجية الجنوب ( Southern Strategy)، أي تلك التي اعتمد عليها الرئيس السابق ريتشارد نيكسون في ستينيات القرن الماضي لإقناع الناخبين البيض في الجنوب الأميركي بالتصويت للحزب الجمهوري، ذلك ان هؤلاء كانوا يصوتون تاريخيا للديمقراطيين. لماذا ؟:
يُمكن ان نسرد حتى الصباح تصريحات عنصرية ادلى بها ترامب عبر تاريخه او في حملته الانتخابية او مع كل مشكلة عنصرية تخللها قتل في أميركا أو الآن. هذا ليس جديدا. فتقرير الاستخبارات الأميركية نفسه اكد في تشرين الثاني ٢٠١٨ ان نسبة جرائم الكراهية ازدادت بأكثر من ٢٠بالمئة في أميركا ضد الأقليات العرقية منذ تولي ترامب الرئاسة. ويمكن أن نسرد عشرات عمليات القتل العمد التي تعرض لها السود بما في ذلك مهاجمتهم داخل كنيسة لهم. هذا أيضا ليس جديدا. كلها أيضا كانت تظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والشاشات. هذا كذلك ليس جديدا.
صحيح أن الطريقة المُذلة والحاقدة والمجرمة التي تعاطى بها الشرطي الأميركي الى جانب رفاقه مع الشاب الأسود جورج فلويد، تثير مشاعر أي انسان عبر العالم اذا كان يتمتع باقل مبادئ الإنسانية، لكن مئات الأبرياء قُتلوا، ومعظم ناشطي حركات التحرر السوداء اغتيلوا، ولم نشهد ما يحصل حاليا في أميركا.
ما نراه اذا هو نقمة السود على ما يتعرضون له منذ عشرات السنين وليس فقط الآن، لكن هذا بالضبط ما يُشكل حصانا مهما جدا لترامب في معركته الانتخابية. فهو أصلا لا يعول على العرق الأسود، ذلك ان ٨ بالمئة من الناخبين السود صوتوا للجمهوريين في رئاسيات ٢٠١٦، أما الباقون فغالبا ما يصوتون للديمقراطيين. وكل تصريحات ترامب التي قالت منذ سنوات انه خفّض مستوى البطالة بينهم لم تعدل المشهد ابدا. القوة الضاربة لناخبيه هي في مكان آخر تماما، هي في عقر كارهي السود والمؤمنين بتفوق العرق الأبيض الجرماني مع امتداداته الدينية المعروفة.
الحرمان يضرب السود في أميركا في كل العهود حتى اثناء رئاسة المحامي الأسود لاميركا أي باراك أوباما. نسبة البطالة بينهم تصل الى حدود ٧،٥ بالمئة بينما لا تتخطى ٣ بالمئة عند البيض. ٢٠ بالمئة من السود البالغ عددهم نحو ٤٨ مليونا يعيشون في حال الفقر، أي اكثر بمرتين ونصف من حال البيض. راتب الأبيض اعلى بنحو ٣٠ بالمئة او اكثر من الأسود .حالات الوفاة عند النساء الافريقيات الاميركيات يفوق بأكثر من مرتين ونصف نظيره عن البيضاوات. ورغم ان السود في اميركا لا يمثلون اكثر من ١٢ بالمئة من الشعب الأميركي، الا ان ٣٣ بالمئة من السجناء هم من السود. وما غيّره ترامب حيالهم تعلق بوظائف ثانوية ، وما يزال المثال على حاله والقائل بأن " الأسود آخر من يحصل على وظيفة وأول من يُطرد"
جو بايدن منافس ترامب، يتخطاه بما بين ٦ و٨ نقاط، هذا رقم يشكل سابقة في الانتخابات الأميركية حيال رئيس في نهاية ولايته، والوضع الاقتصادي الذي بنى عليه ترامب كل أحلامه للبقاء في البيت الأبيض ، يعيش أسوأ أحواله منذ الانهيارات التاريخية الكبرى.
مع ذلك فأسلحة ترامب ما تزال عديدة. أموال حملته الانتخابية تفوق بمرتين ونصف ما لدى منافسه ( نحو ٢٥٠ مليون دولار) . لائحة ارقام هواتف المناصرين تتخطى ٣٥ مليون رقم، لديه ٣٠٠ ألف متطوع جديد لحملته الانتخابية، ناهيك عن قدرته الهائلة على مهاجمة الخصم وتحطيمه واستخدام لغة تُعجب اميركا العميقة .
سيقاتل ترامب في الأشهر المتبقية لإعادة الحياة الاقتصادية ووقف الحجر الالزامي. سيقاتل كذلك لمنع التصويت الالكتروني ( لان هذا يرفع مستوى الافارقة المصوتين لكون يوم التصويت هو يوم عمل عادي وهم لا يضحون عادة بقوت يومه لأجل التصويت) . ثمة خشية عند خصومه من تزوير الانتخابات في حال تم الاصرار على التصويت الالكتروني . وبعد أن تهدأ موجة الغضب الأسود، لن نُفاجأ اذا ما سمعناه يُحمّل السود المسؤولية ويقول ان الدخلاء على اميركا هم السبب .
ما لم تحدث مفاجآت كبيرة، فان حظوظه بالبقاء في البيت الأبيض اذا تبقى كبيرة، ولذلك قد يكون من المفيد عدم المبالغة بتوقع سقوطه وانهيار اميركا، الا اذا كانت الاهواء تغلب على العقل في التحليل. وهذا بحث آخر.