للتعليق على الظاهرة "الترامبية" التي تجعل لكل مدوّن دواءه الذي يناهض أو يقترح على الأطباء والمصالح الصحية المختصة، أنبّه فقط إلى أنه قبل اعتماد أي دراسة علمية ما كمرجع طبي، يقوم المختص عادة بتقييم تلك الدراسة من خلال الاطلاع على معلومات واسعة حول طبيعتها. هل الباحث و"المرضى" يعرفون هويّة من سيتلقى الدواء (موضوع التجربة)، أم أنهم لا يعرفون ذلك، وأن الدراسة تعتمد طريقة "العمى المضاعف" (Double-blind study) للتخفيف من درجة الانحياز (Bias) والرغبة في أن تتجه النتائج لمسار خاص؟ وما هو حجم العينة المدروسة وطبيعتها، من حيث العدد والعمر والتنوع والسابقة الوراثية والبيئية، وغير ذلك من الخصائص المطلوبة قبل الحكم بتعميم النتائج أو التحفظ عليها؟ ثم ماهي الجهة الممولة للدراسة وهل لها مصلحة في ظهور النتائج بطريقة ما؟ وهل هناك دراسات مساندة، أو معارضة، لها خصائص وظروف تجريبية أفضل؟ وغير ذلك من التدقيق العلمي الضروري في المجالات الطبية. الموضوع أعمق من مجرد الاطلاع على عنوان "خبر صحفي"، أو حتى خلاصة علميّة منشورة في مجلة علميّة محكمة، إخوتي وأخواتي الكرام.
أما في جائحة عالمية مثل كورونا، فيدرس المختصون الرسميّون عادة (بالإضافة لما سبق) نجاعة الطرق العلاجية التي اعتمدتها بقية دول العالم والتي يتلقونها من السلطات الصحّية الميدانية بشكل رسمي مباشر، هذا بالإضافة إلى تقييم الخبرات الذاتية المكتسبة من خلال استعمال مختلف المقاربات الدوائية محليا، وإسقاط التجربة المخبرية على الواقع...
أخوتي وأخواتي الكرام، لنتأكد تماما أنه لا يوجد طبيب (أحرى فريق طبي رسمي) يبني خططه العلاجية على أساس نصائح الفضاءات الافتراضية. فحتى لو كان أحدنا كبير خبراء في اختصاص طبي ما، وله فيه تجربة واسعة، فسيظل رأيه أضعف دليل يعتد به في سلّم البحث العلمي (empirical opinion).
دعونا نبقى في نقاش الشأن المحلي العام كرقيب على سلطاتنا العمومية، نلفت انتباهها من حين لآخر إلى مواطن القصور والتقصير. وإن كان لا بد لنا من "انتهاك حرمة" اختصاص ما فلنا في الفقه والتشريع الإسلامي خير فضاء، فقد تعودنا على السباحة فيه "بشكل آمن"، واستسلم لنا أصحابه، وحققنا فيه انتصارات "خارقة".