قيل ويقال وسيقال الكثير عن فيروس كورونا؛ الهمّ الوحيد لسبعة مليار وسبعمئة مليون إنسان. وقد يكون الكثيرون منهم غير مبالين بالوباء أساساً، ما دامت ظروفهم المعيشية لن تتأثر به إلا في حالة واحدة، ألا وهي الموت، وهم ليسوا بغرباء عنه.
بعد 3 أشهر من اكتشاف الفيروس في الصين، العدو اللدود لأميركا، يتحدث البعض عن حرب بيولوجية أميركية، وقد تكون إسرائيلية، لا تستهدف الصين أو إيران فحسب، بل ربما أوروبا الكاثوليكية، أي أيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
مهما كانت جدية هذه النظريات، وهي ليست غريبة عمن يفهم عقلية الصهيونية العالمية وتفسيرها للتوراة، فقد بات واضحاً أن الضجة مبالغ فيها، مهما كان السبب. على سبيل المثال، منذ الاحتلال الأميركي لأفغانستان، ثم العراق، وبعد ذلك ما يسمى بالربيع العربي، لقي ما لا يقل عن 3 مليون إنسان مصرعهم في الحروب التي دمرت المنطقة بأكملها، وكلّفت دولها ما لا يقل عن 3 تريليون دولار.
لم تثر هذه الأرقام، وما زالت، أي ضجة إعلامية أوروبياً وأميركياً، وعالمياً أيضاً، كما هو الحال في مواجهة "الفيروس الصغير"، علماً أن عدد الذين توفوا حتى الآن جرّاءه وصل إلى حوالى 17 ألفاً فقط، ويساوي ذلك ضعف الذين لقوا مصرعهم في حوادث المرور العام الماضي في تركيا وحدها، والتي توفي فيها العام المنصرم أيضاً حوالى 70 ألف مواطن متأثرين بأمراض الجهاز التنفسي فقط.
إذاً، لماذا تثار هذه الضجة التي دفعت العالم أجمع، حتى أولئك الذين يقال إنهم صنعوا الفيروس، إلى اتخاذ تدابير متشابهة في مواجهة كورونا الذي لم يعد يفرق بين الأميركي والأوروبي والصيني، كما لم يعد يفرق بين المسلم والمسيحي واليهودي والهندوسي وغيرهم؟
ترى كيف ومن سيستغل هذه الضجة وما فرضته من تصرفات عملية أجبرت الملايين إن لم يكن مليارات البشر على البقاء في منازلهم؟ بشر على وشك أن يقتلوا بعضهم البعض، لولا انشغالهم بأجهزتهم النقالة، عصب إنسان القرن الحادي والعشرين وشرايينه، وهم لا يدرون أن هذه الأجهزة تحوّلت إلى سلاح قاتل لكل قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم الإنسانية، هذا إذا ما تجاهلنا إمكانيات الوصول إلى كل معلوماتهم الخاصة عبر هذه الأجهزة من قبل من تهمهم هذه المعلومات! عسى أن يساعد هذا الفيروس القاتل الناس حتى يتذكّروا عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم الإنسانية التي يسعى البعض لطمسها إلى الأبد، حتى يتحول الإنسان إلى رجل آلي في عالم ما بعد فيروس كورونا.
وهنا، يضع المسؤولون والاختصاصيون والمنظّرون العديد من السيناريوهات حول التاريخ المحتمل للقضاء على الفيروس أو محاصرته للتخلص منه، بحسب الطلب، ووفق حسابات كل دولة وحكامها، فقد اتهمت المعارضة التركية الرئيس رجب طيب إردوغان بإخفاء الحقيقة عن الشعب التركي، وقالت إنه تأخر في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الخطر الذي أجبره على البقاء في الحجر الصحي، ربما متذكراً السلطان محمد الثاني، الذي بقي في صربيا عندما سمع بالوباء الأسود الذي أصاب عاصمته إسطنبول، وكان عائداً حينها من فتوحات البلقان في العام 1467.
كما هرب السلطان بيازيد الثاني في العام 1491 إلى مدينة أدرنة على الحدود مع بلغاريا الحالية، بعد الوباء الذي أودى بحياة الآلاف في العاصمة إسطنبول، التي نقل إليها بيازيد بعد عام الآلاف من يهود إسبانيا خلال سقوط دولة الأندلس، وذلك في إطار صفقة مع بابا الفاتيكان إينوسيت الثامن وملك فرنسا تشارل الثامن، حتى لا يساعدا شقيقه جام ليعود إلى إسطنبول ويستولي على السلطة. وأدى هؤلاء اليهود لاحقاً دوراً مهماً في تاريخ الدولة العثمانية وتاريخ المنطقة، بما في ذلك فلسطين.
إن المتفائلين يتوقعون القضاء على وباء كورونا قبل حزيران/يونيو القادم، والأقل منهم تفاؤلاً يقولون لنا اصبروا حتى نهاية العام الجاري. أما الأكثر تشاؤماً، فيصفون الحالة بأنها صعبة ومعقّدة، ويستبعدون القضاء على الفيروس قبل أواسط العام القادم، وهو ما سيعني كارثة حقيقة لن ينجو منها أحد، بمن فيهم "أصدقاء الفيروس وأحباؤه!".
على سبيل المثال، إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فسوف ينهار القطاع السياحي في العالم، وستواجه الكثير من الدول، وفي مقدمتها إيطاليا وإسبانيا وتركيا واليونان، أزمة اقتصادية ومالية خطيرة بكل انعكاساتها على القطاعات المرتبطة بالسياحة، والتي لن تصمد حينها أمام الهزات الارتدادية لزلزال كورونا.
وسيضرب حينها هذا الزلزال جميع القطاعات الأخرى في جميع أرجاء العالم، وأهمها القطاع المصرفي، وهو شريان الحياة بالنسبة إلى الرأسمالية العالمية التي تواجه أخطر أزماتها بعد سقوط النظام الشيوعي الماركسي، وهو ما سيعني سلسلة من الكوارث الاقتصادية والمالية بعد أن يفقد حوالى 100 مليون إنسان عملهم، ليؤدي ذلك إلى كوارث اجتماعية ونفسية إنسانية لن يكون سهلاً على البشرية أن تواجهها بأي شكل كان.
وربما لهذا السبب قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: "إن فيروس كورونا هو الخطر الأكبر الذي تواجهه ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية"، وهو ما قد يعني بداية حرب عالمية ثالثة، ليس بالمفهوم العسكري، بل الإيديولوجي والفلسفي، ولن يخرج منها أحد منتصراً أو سالماً، إلا إذا كان مدركاً خطورة الفيروس وما سيؤدي إليه، لا من حيث عدد الإصابات والوفيات فحسب، بل أيضاً من الجانب الاستراتيجي لهذه القضية، إن كانت طبيعية أو مصطنعة على طريق الحرب البيولوجية، أي الجرثومية، القادمة!
إن العالم مقبل على تغيير تام بكل أفكاره ومؤسساته العملية والنظرية، والأهم من كل ذلك قيمه السياسية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية، بل وحتى الدينية، التي قد تعني في نهاية المطاف عنصراً جديداً بدأ يثير سلسلة من النقاشات، عندما تأخرت الحكومات في إغلاق المساجد وأماكن العبادة، كما هو الحال في تركيا.
وتقول المعارضة التركية إن تفشي الفيروس في البلاد سببه 21 ألفاً من العائدين من العمرة، والذين لم يتم وضعهم في الحجر الصحي. وقد أثار ذلك نقاشاً واسعاً في الأوساط الطبية التي اتهمت الحكومة بعدم الاهتمام بالقطاع الصحي، بعد أن زادت ميزانية رئاسة الشؤون الدينية، وهي بمثابة وزارة الأوقاف في الدول العربية، على ميزانيات 6 وزارات معاً، بما فيها التعليم والصحة والثقافة.
لقد بات واضحاً أنّ على الجميع الاستعداد لهذا الفيروس، بعيداً من الهموم اليومية التي لن تعني أي شيء في حال انهيار النظام العالمي، والبقاء فيه لن يكون إلا للأقوى أو القوي الذي استعد لكورونا وما بعده بكل ما أوتي من قوة.
عسى أن لا يبقى خطر هذا الفيروس قائماً، حاله حال وباء جوستنيان، نسبة إلى الإمبراطور الروماني جوستنيان، والذي استمر حوالى 300 عام (541 - 750)، فلو تكرر، لن يبقى للكلام أي معنى بعد الآن!