ابراهيم ناصرالدين
دعوة عبدالله المعلمي الممثل الدائم للمملكة العربية السعودية في مجلس الامن لادراج حزب الله على قائمة «الجماعات الارهابية»، ليست الاولى من نوعها على المستوى الخليجي، فقد سبقه الى هذه الدعوة وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة في ايلول عام 2013 خلال كلمة له أمام الجمعية العامة للامم المتحدة، بعد اتهامه الحزب « بنشر الفوضى في المنطقة، وبسبب اعمال القتل التي يمارسها»، لكن ثمة فارق جوهري بين موقفي الرجلين فالاول تتجنب بلاده ادراج حزب الله على لائحتها الخاصة بالمنظمات الارهابية فيما انبرت البحرين منذ قرابة العام الى ادراجه على لائحة الارهاب، ماذا يعني هذا الكلام؟
يعني برأي اوساط ديبلوماسية في بيروت، بأن المملكة العربية السعودية لا تزال حذرة جدا في تعاملها مع حزب الله، فهي تواصل ممارسة الضغوط عليه دون ان «تكسر الجرة» معه، ولو كان مندوبها في الامم المتحدة جاد في مطالبته ادراج الحزب على لائحة الارهاب لكان الاجدى ادراجه قبل ذلك على لوائح المملكة الارهابية والذهاب الى الامم المتحدة بالادلة والبراهين وبموقف رسمي يشرح اسباب الموقف السعودي، وكان حري برئيس الجلسة سؤال السفير السعودي عن سبب احجام المملكة عن القيام بهذه الخطوة فيما تطالب المنظمة الدولية باتخاذها؟ ولو كانت السعودية بصدد «هدم الجسور» مع حزب الله في الوقت الراهن، لكانت المؤشرات الاولية على ذلك قد ظهرت على لائحة الامارات للمجموعات الارهابية التي صدرت قبل ايام وشملت منظمات شيعية عراقية، دون ان تقترب من حزب الله. فهل سقط الامر سهوا؟
بالتأكيد ليس الامر كذلك، ووفقا لتلك الاوساط، فان مقاربة دول الخليج للعلاقة مع حزب الله مختلفة ويجري التعامل معها بواقعية كبيرة حتى الان، فالمملكة العربية السعودية تدرك ان اي «دعسة ناقصة» في هذا السياق سيكون لها تداعيات خطيرة على اكثر من ساحة ساخنة في المنطقة، وسيترك الامر تداعيات كبيرة على الساحة اللبنانية التي يلعب الحزب فيها دورا رئيسيا ومحوريا ويصعب تجاوزه في اي استحقاق مهما كبر او صغر، واي خطوة سعودية جدية باتجاه اتخاذ خطوات عملية تجاه الحزب ستكون مدعاة للاستغراب والتأمل في هذه المرحلة الحرجة في المنطقة، وستطرح العديد من التساؤلات عما تغير منذ ثلاث سنوات حتى الان من عمر الحرب في سوريا حتى تتجه المملكة الى مثل هكذا خطوة غير محسوبة في هذا التوقيت؟ والسؤال الملح، هو هل تستطيع تحمل تبعات هذا التصعيد الذي سينعكس تصاعدا في التوتر مع ايران؟
طبعا لا تعيش السعودية في حالة من الاسترخاء الامني والسياسي تضيف الاوساط، التي تسمح لها بفتح ابواب جديدة للصراع في المنطقة، ورهانها على حماية حلفائها في لبنان من خلال الاستقرار الهش القائم راهنا، سيتعرض لهزة عنيفة اذا ما استتبع موقف مندوبها في الامم المتحدة بترجمة عملية تمهد لادراج حزب الله على لوائح الارهاب الخليجية او الاممية، وما تتهيب منه دول الاتحاد الاوروبي لن يكون بالامر السهل بالنسبة للسعوديين، فالسؤال عن مصير الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل ليس هو «بيت القصيد»، بل السؤال يتعلق بالتركيبة السياسية والامنية والدستورية في لبنان حيث يتواجد الحزب في كافة مفاصل هذه التركيبة التي ستكون عرضة للانهيار وتفتح «ابواب» الفوضى في بلد يعيش دون رئيس جمهورية وتديره حكومة يشكل حزب الله طرفا رئيسيا في تركيبتها، فهل تتحمل السعودية وزر تفجير البلد وادخاله في المجهول؟ وكيف ستبرر لاحقا اي تسوية لا تمر الا عبر الحوار مع الحزب؟
واذا كانت المملكة تعتبر نفسها لاعبا رئيسيا او رأس حربة في التصدي للنفوذ الشيعي في الشرق الأوسط، الا انها تدرك جيدا ان «الابل» لا يمكن ان «تورد» بهذا التهور في ظل الاضطرابات غير المسبوقة التي تعصف بالمنطقة، فثمة «خطوط حمراء» تقول الاوساط، متفق عليها ضمنا ويحاذر اي من اطراف الصراع تجاوزها خوفا من ارتداداتها، واذا ارادت السعودية توجيه «الرسائل» الى ايران فهي تدرك ان التعرض لحزب الله هو اكبر من «رسالة» وخروج عن قواعد «اللعبة» السائدة، وخطوة متقدمة نحو التصادم الاكثر شمولية، فهل تستطيع المملكة توسيع نطاق المواجهة وهي تواجه ليس فقط ازمات خارجية وانما العديد من التحديات الداخلية، من بينها ارتفاع البطالة بين الشباب وعودة الجهاديين من العراق وسوريا، وتزايد الانتقادات المحلية لآل سعود في وسائل الإعلام الاجتماعية وحالة التذمر المشتعلة في المنطقة الشرقية التي تقطنها أغلبية شيعية.
وبرأي تلك الاوساط، فان ما قام به الملك عبدالله من انجاز للمصالحة الخليجية ومحاولته ادخال مصر في خضم المصالحة مع قطر، لا يرتبط فقط بحاجات سعودية خارجية، فالاوضاع الداخلية السعودية تبقى في قائمة الاولويات لديه خصوصا انه لم ينجح حتى الان في بلورة الانتقال السلس والمنظم للسلطة، فالملك عبد الله البالغ من العمر 90 عاما، يدرك ان حسم وراثته في حكم المملكة في السنوات القادمة يمثل قضية شائكة لم يجر تسويتها بعد، وهو يدرك انه بحاجة الى تهدئة داخلية ولا يريد ان يفتح ملف المنطقة الشرقية التي تعرضت لهزة امنية خطرة جدا في الاحساء، ولمس تعاونا ايرانيا كبيرا للملمة تداعيات الهجوم على المجلس العاشورائي، وتهدئة خواطر الشيعة هناك، فهل يرد على «المعروف» بالتصعيد في «جبهة اخرى»؟
حتى الان لا تملك تلك الاوساط اي معطيات جدية حول نية السعودية الذهاب بعيدا في خطواتها العملية، وهي ترى ان مطالبة الامم المتحدة بإدراج حزب الله على لائحة الارهاب ومساواته مع جماعات المستوطنين الاسرائيليين التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين، وكذلك مع تنظيم «داعش» الذي سبق وصنف ضمن القائمة، هو جزء من «الكباش» المحسوب مع ايران، وليس اكثر من موقف سياسي ضمن سياسة تشويه «الصورة» دون مفاعيل جدية لابقاء الضغط على حزب الله، اما اذا كانت للمملكة حسابات «انتحارية» للرد على التقارب الغربي مع ايران في الملف النووي، فان هذا الامر ستظهر معالمه قريبا وبشكل اوضح في القمة الخليجية المزمع عقدها في الدوحة في التاسع والعاشر من الشهر المقبل، فاذا كانت الرياض جدية في الذهاب بعيدا بهذا الملف فستعمل على ادراجه على «بساط البحث» للخروج بموقف خليجي موحد في شأنه، مع العلم انها ستواجه انقساما واضحا في الرؤى والمواقف التي تميل الى عدم الدخول في «مغامرة» غير محسوبة، وعندها ستكون الرياض ايضا امام خيار التفرد بقرار ستتحمل وحدها نتائجه «الكارثية». أما حزب الله فهو لا ينتظر شهادة «حسن سلوك» من أحد ويدرك ان تجاوزه صعب للغاية بعد ان اصبح لاعبا رئيسيا في المنطقة، وهو ازداد «تألقا» بعد تصنيفه اميركيا كمنظمة ارهابية، وهو لا يشعر بالقلق من اي خطوة مماثلة، بل على الاخرين سؤال من سبقوهم الى هذه الخطوة عما اذا كانوا قد شعروا «بالاطمئنان» والراحة.