عطفا على قصة ليلى "الأحمدية" وما تم تداوله مؤخرا بخصوص حجم ضحاياه(ا) وتنوعهم وتعدد أساليب الاحتيال عليهم.. أٌذَكِّر فقط بأن السيد(ة) ليلى ليس(ت) إلا رقما بسيطا في قائمة محتالين على درجة عالية من الذكاء والاحترافية دأبوا على استغلال براءة البعض للإيقاع بهم والاحتيال عليهم بغية جني مكاسب مادية في الغالب، ولعلي أشارككم تجربة شخصية عشتها مع أحد هؤلاء كدت فيها أن أكون ضحية نصب لولا أن الله سلم..
في شهر فبراير من عام 2018 اتصل بي أحدهم وقدم نفسه عائليا بصفته ابن أسرة موريتانية عريقة -وإن كنت لا أعرف أحد أفرادها بشكل مباشر-، ومهنيا بصفته موظفا ساميا في تازيازت...
اتخذ من مقابلة كنت أجريتها مع إذاعة موريتانيا عن نشاط لاتحاد إعلاميات موريتانيا حول أطفال الشوارع مدخلا لحديثه.. مؤكدا أنه يحب عمل الخير وينفق عليه ويطلب مني أن أعطيه عناوين منظمات ناشطة في مجال الطفولة... طبعا كل ذلك بعد كثيرمن الإطراء لشخصي البسيط ...
كان اتصاله مساء الخميس واستمر أكثر من نصف ساعة تطرق خلالها بالإضافة إلى الموضوع الجوهري "الرغبة في مساعدة الأطفال المحتاجين" للعديد من المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان علي حسن الإصغاء لاحترامي الكبير لعائلته "المفترضة" من جهة ولأنه الاتصال الأول من جهة أخرى... شجعته على المسعى الطيب، ووعدته بالبحث عن بعض العناوين المطلوبة في أقرب وقت ممكن وانتهى الاتصال...
في زوال اليوم الموالي اتصل بي في حدود الساعة الواحدة والنصف، وقال إنه اختار ذاك التوقيت لتوقعه أن يكون المنزل خاليا من "الرجال" وقت صلاة الجمعة! وأن أهمية الموضوع و "حساسيته" بالنسبة له تتطلب ذلك الإجراء الاحتياطي!! زاد فضولي لمعرفة السر العجيب الذي يتطلب كل تلك الإرهاصات!! قبل أن يقرر أخيرا أن يبوح...
قال: " كما تعلمين، توفي مؤخرا رجل بارز من أهل لبراكنه.. وقد تنادت موريتانيا بكل جهاتها وأعيانها لتعزية آله الكرام... ولم أعلم بالموضوع للأسف قبل اليوم.. لأني في تازيازت ولا يتاح لي من وسائل الاتصال إلا المذياع أو الهاتف!! "
المهم -يضيف- اتصلت بسائقي الشخصي في نواكشوط، وطلبت منه أن يأخذ جزورين من إبلي ويحملهما إلى أسرة أهل (....) في ألاك، ويبلغهم سلامي قبل أن أجد وقتا للذهاب إليهم بنفسي...فذلك ما تقتضيه الأصول! لكن السائق -يردف- اتصل بي قبل قليل لخبرني أن وقود السيارة نفد وهو على بعد ستين كلم من ألاك وأنه بحاجة لمبلغ من المال يجلب به البنزين للسيارة، وأنا بحكم مكانتي كرجل ثري وشخصية سامية لا أستطيع الاتصال بأحد معارفي الكثر لتامين مبلغ تافه أدفعه للبعض في العادة ثمنا لرصيد الهاتف! لذلك أطلب منك أن تدبري لي بسرعة مبلغ أربعين ألف أوقية ولو من عند صاحب البقالة المجاورة لأبعثه إلى سائقي الغبي الذي لم يتفقد البنزين قبل مغادرته!! وسأرده لك يوم الإثنين المقبل، على أن يبقى الموضوع سرا بيننا!! فأنا كما تعلمين شخص مهم!! ولا يليق بي إبداء الاحتياج لمبلغ سخيف كهذا، خصوصا من سيدة معروفة مثلك!!!
وعدته بالتفكير في تدبير المبلغ الذي لا يوجد بحوزتي منه وقتها سوى 250 أوقيه!! وطلبت منه معاودة الاتصال بعد ساعة تقريبا ريثما يعود "أهل الجمعة" أو يفتح صاحب البقاله!.. وافق على مضض مؤكدا أن الأمر في غاية الإلحاح والاستعجال والحساسية أيضا!!
لم تقنعني قصة السائق والجزورين ونفاد البنزين.. والجرءة على الاتصال بي أصلا في موضوع خصوصي كهذا دون سابق معرفة بالمعني!! وبدات الشكوك تساورني - وأنا الحذرة بطبعي- حول صدق ادعائه الانتماء لتلك الأسرة الطيبة من الأساس.. ليهديني تفكيري إلى الاتصال بصديقة مقربة مني تنتمي للمحيط الاجتماعي ل "المعني" وإن كانت ليست من نفس الأسرة.. زودتها باسمه وطلبت منها معلومات عنه وعن عمله وهل ينتمي فعلا لنفس الأسرة.. سألتني ممازحة هل تقدم للزواج من إحدى الصديقات؟ قلت لها لن أجيبك قبل أن تزوديني بما طلبت منك من معلومات أولا...
بعد وقت قصير اتصلت بي لتخبرني أن "تحرياتها" توصلت إلى أن هذا الإسم موجود فعلا في تلك الأسرة وأنه رجل مسن لكنه ثري، وكان ينشط في مجال التجارة قبل أن يوكل المهمة لأبنائه ويتفرغ للراحة في بيته على حد وصفها.. وسألتني مرة أخرى هل يعقل أن يكون هذا الكهل يحضر لمغامرة زواج سري مجنونة مع إحداهن دون علم أبناءه!!!
تركت صديقتي في فضولها الفطري... وعدت للتفكير في التعامل مع طلب "الشخصية السامية" بعد أن كدت أجزم بأنه محتال ينتحل اسم شخص بريء لا علاقة له بالأمر...
فجاة رن الهاتف ليكون صاحبي على الخط... هذه المرة ليؤكد علي ضرورة إرسال المبلغ عن طريق أحد مكاتب غزه في توجنين.. ويملي علي رقم "صديق السائق" الذي سيأخذ المبلغ ويشتري منه البنيزين ويبعثه له مع إحدى السيارات المتجهة إلى تلك المناطق... طبعا مع التشديد مرة أخرى على أن يبقى الأمر سرا بيننا.. لأنه شخص جد مهم!! ويخجل من أن يستلف مبلغا تافها كهذا من إمرأه!! لكنها الظروف!! وعجلة السائق الغبي!!
بعد انتهاء مكالمته اتصلت بصديق آخر من جهاز الأمن وأخبرته الموضوع برمته ليساعدني بخطة أكثر جنونا من خطة صاحبي الأول!! وبعث لي عنصرا يراقب المنزل من مكان قريب...
...انتظرت لبعض الوقت.. حتى ينتهي بعض المساجد من صلاة الجمعة كما أخبرته سابقا.. واتصلت به وأخبرته أن المبلغ جاهز عندي لكني -لظروف معينة- لا أستطيع التنقل إلى إحدى وكالات تحويل الأموال لإرسال المبلغ.. وبالتالي أستأذنه في الاتصال ب "صديق السائق" ليحضر إلي لاستلام المبلغ.. وسأدفع عنه تكاليف سيارة الأجرة.. لأني أتشرف بخدمة "شخصية سامية" مثله.. وحددت له مكان إقامتي... تردد أولا ثم قال سأعاود الاتصال بك...
اتصل بي لاحقا ليستجديني أن أقدر ظروفه! وأحاول أن أذهب إلى حيث أرسل له المبلغ!! أعدت التأكيد على استحالة ذهابي.. مع استعدادي التام لاستقبال صديق سائقه!!
حاول مرة أخرى... وازددت إصرارا على شرطي..
لينفجر فجأة سبا وشتما وتهديدا ووعيدا.. قبل أن يقطع الخط بحنق!!!... عاودت الاتصال على الفور مرة ومرات دون جدوى...
ومنذ ذلك الوقت وأنا أتصل من حين لآخر على رقمه 46666934 دون طائل...
فالحذر الحذر من الثقة العمياء في شخص غريب.. خصوصا فيما يتعلق بالأمور الماديه.