لاشك أن من بركات الاستحقاقات السياسية والحملات الانتخابية أنها عادة ما تفتح أبواب الرزق ولو مؤقتاً لفئات عريضة من المجتمع، تهملها الدولة والساسة طيلة سنوات الولاية الانتخابية. وفي مقدمة تلك الفئات تأتي السيدات الفضليات الشريفات العفيفات اللواتي يكسبن قوت أطفالهن من العمل في خياطة الخيام. والعمال اليدويون الذين يستعان بهم عادة في سلخ الذبائح وإعداد الولائم الانتخابية. ومتعهدات تنظيم المهرجانات، وكذلك السائقون، وزجّالو التروبادور الشعبيون، وشعراء المواسم الجوالون، وفقهاء الفتـّة، وبعض «وجهاء» الأعماق المعتمدين الذين يعتبرون عادة هم الأقرب إلى القاعدة الشعبية.
ويتحرك أيضاً في هذا الموسم المبارك رزق بعض عتاة الاسترقاق السياسي الآخرين الذين يبيعون أصوات القبائل والبطون.. التي هم لها ممثلون ومالئون منها البطون.. فيعرضون أصواتها في المزاد بالجملة والتقسيط، لمن يدفع أكثر من اللوائح والشرائح. ويسترزق في هذا الموسم كذلك بعض الإداريين، مستوري الحال، الذين لا يجدون في مرتباتهم كفافاً، ولذلك يسألون الناس في مثل هذه المناسبات إلحافاً وإتحافاً.
وهم قادرون على مساعدة "فاعل الخير" الذي يدفع أكثر، ابتداءً من الدفع بمبادرات ترشيحه وتمليحه والإشادة بثورة تصحيحه، وانتهاء بتسخير لعبة تدوير محتويات صناديق الاقتراع، وفق قوانين فيزياء سوائل الأواني المستطرقة، وخاصة أن أي إداري مخضرم، من هذا النوع، يفترض أن يكون على قدر من الدربة والدراية في ألعاب خفة اليد، والأواني المستطرقة، والباء الطائرة، بما يسمح له بجعل الخاسر فائزاً والفائز خاسراً، بالحبر السري أو الجهري، دون أن تطرف له عين، ودون أن يبين مكان الكسر والتركيبة والجبر.
ويتحرك أيضاً في هذا الموسم المبارك رزق صحافة نصف الكم، وينتعش أطر الأعماق المنسيون في إقاماتهم الجبرية في الدواخل البعيدة، هذا طبعاً دون إغفال موظفي الإدارة العمومية واللجان الانتخابية، وبعثات الأحزاب، وممثلياتها الجهوية، ومسيري بقالاتها الموسمية، وأصحاب المبادرات، والانسحابات، والباعة الجائلين، ومتسكعي المواسم، والمتسبّبين من أهل سر الحرف، ومنعشي المهرجانات من أهل ملاحة اللسان والظرف، وأهل الإيقاع وفنون الأداء والسماع، والزغاريد والتحميس.. والتلاويح وقْبيل الدحميس.. وباعة الملاحف، ومؤجري الطناجر والزرابي والقطائف، والخطاطين، والعياطين، والبطَّاطين والخرّاطين عن العظم... وهؤلاء الأخيرون هم الأهم... وما خفي كان أعظم.