الحريق الذي تعرّضت كاتدرائيلية نوتردام دي باريس، أثار حزن مئات الملايين حول العالم أسفاً على أذى معلم حضاري ومعماري فريد يجمع بين دفتيه أيقونات من تاريخ أوروبا وفنونها بما لها وما عليها. لكن بعض غلاة التعصّب اليهودي من الحاخامات يشمت من النواح على مكان هو "محطة لكراهية اليهود" كما يرونه
لا يزال الحريق الذي أتى على قسم من كاتدرائية نوتردام المسماة كاتدرائية سيدتنا العذراء تتفاعل أصداؤه بأشكال متعددة، ولا سيما الانطباعات الحزينة من ملايين الزوار الذين يقفون على معالمه المعمارية والفنية والتاريخية وبلغوا نحو 15 مليوناً في السنة. لكن الحاخام موردخاي إيلعاي عوفران المؤثر في العديد من هيئات تسمى "روح جديدة"، يعلّق على رسالة أسف دبلوماسية بعث بها الرئيس الإسرائيلي لصديقه إيمانويل ماكرون كما بعث أصدقاء رؤساء غيره، فيقول الحاخام "إنه لأمر نشاز سماع يهود ينوحون على مكان "شهد أحد الأحداث الأشهر المعادية للسامية في التاريخ".
ولم يرَ هذا الحاخام في معلم الحضارة المصنّف على لائحة التراث العالمي في الأونسكو، سوى حادثة دينية وقعت قبل 777 سنة في نوتردام.
وليس هذا الحاخام هو صوت النشاز الوحيد بين اليهود وفي إسرائيل. فقد عبّرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عما أوقع الحريق في ذاكرة اليهود، فلم ترَ بدورها من بين مئات اللوحات الفنية والأثرية والهياكل المجسّمة سوى المنحوتات المسيحية في أسفل برجي الواجهة الغربية المعروفة "بمعرض الملوك" التي تعرض لمكائد اليهود في خيانة السيد المسيح. وخلصت الصحيفة تحت عنوان "يتم تبجيل اليهود كملوك واحتقارهم كمتسوّلين"، إلى شماتة مبطّنة تنمّ عن التعريض بالمعتقدات المسيحية نفسها.
الحادثة الدينية التي وقعت في ساحة نوتردام خارج الكاتدرائية يعود تاريخها إلى عام 1204، وهي حادثة "محاكمة التلمود" التي قام بها البابا غريغوري التاسع بما رآه في النص التلمودي تجديفاً ضد المسيح والمسيحية. وعلى هذا الأساس قام الملك لويس التاسع بمصادرة نسخ التلمود وحرقها في الساحة بناء على "محاكمة النص". لكن الكاتدرائية شهدت في تاريخها الطويل أحداثاً مشينة كثيرة بين الكاثوليك والبروتستانت في القرن السادس عشر، وفي العام 1185 انطلقت منها الحملة الصليبية الثالثة لغزو فلسطين بتحريض ديني عنصري "ضد المسلمين البرابرة". وإلى جانب هذه الأحداث وغيرها شهدت الكاتدرائية منذ بناء أول كنيسة في باريس على أنقاض معبد جوبيتير في مطلع التاريخ الميلادي، أحداثاً تاريخية في الثورة الفرنسية ثم تتويج نابوليون بونابارات وملوكاً تعاقبوا على الحكم. كما شهدت روائع كرائعة فيكتور هيجو "أحدب نوتردام"، وفي المحصلة يعبّر المبنى عن فن العمارة القوطية الفرنسية الفريدة الذي يتميز عن الطراز الروماني القديم بأن السقوف الشاهقة العلو تحملها وتسندها عواميد من الجوانب في الخارج.
اللافت أن اليهودية الصهيونية التي تثور ثائرتها "لمحاكمة النص التلمودي"، تحاكم التاريخ كله بناء على حدث ذي صلة باليهودية مثلما يحكم الحاخام موردخاي على تاريخ الكاتدرائية العريق بما له وما عليه، بناء على حادثة التلمود قبل 777 سنة. وفي هذا الأمر لا يشذ موردخاي عن غيره. فاليهودي الصهيوني الشهير برنار هنري ليفي يحاكم كل الفلسفة بتاريخها وتعدداتها بين أفلاطون وكانط وهيدغير، بناء على ما تأخذ وما لا تأخذ من اليهودية لأنها كما يراها هي كل الدين وكل الفلسفة وكل الانسانية.
ولا يرى معيار حكم على الفلسفة بأسرها، سوى باروش سبينوزا اليهودي من أصل برتغالي (1632ــ 1677) الذي كتب عن اليهودية في نظرته للفلسفة، بما في ذلك نظرته إلى فلسفة ديكارت الذي يمجده الفكر الأوروبي بصفته مؤسس العقلانية العلمية ضد الخرافة واللاهوت.
موردخاي يحكم على حضارة نوتردام التاريخية بناء على حادثة عرضية في تاريخها، وبرنار هنري ليفي يحاكم كل الفلسفة بناء على قشرة سبينوزا السطحية في تاريخها. لكن مثل هذا القحط والتصحّر يبدو سهل الترويج مع طعم وجبات الأكل الأميركي الملوَّث السريع.
فترامب حين خطر له إهداء الجولان لنتانياهو سأل بولتون وكوشنر وبومبيو من عظماء العباقرة في تاريخ الحضارة الانسانية أن يخبروه باختصار سريع عن تاريخ الجولان الذي لا يعرف عنه شيئاً.
وبدورهم سألوا نتانياهو الذي أسرّ لهم بأن أجداد اليهود عاشوا قبل التاريخ في هضبة الجولان، والرسالة تصل من أمّي لا يعرف الكتابة إلى أمّي لا يعرف القراءة.