تدمع العين دما حينما ترى فصول مأساة مسلمي “الروهينجا” في ميانمار تترى تباعا قتلا وتشريدا واضطهادا على يد العصابات البوذية وتواطؤ الحكومة البورمية و صمت مطبق لهذا العالم المنافق الذي يرى كل هذا الظلم والاضطهاد ولا يحرك ساكنا، وكأن كل هذا الحديث المحموم عن حقوق الإنسان والحريات والإنسانية مجرد كلام “فاضي” لا معنى له، ومجرد “إكليشيهات” تافهة وسخيفة تصلح لقاعات الفنادق الباردة ومؤتمرات الياقات البيضاء ومحاضر الكلام المنمق الذي لا يتجاوز حناجر أصحابه وصفحات الورق الذي كتب عليه…
ضج الغرب كثيرا ورفعت أمريكا عقيرتها توعدا واحتجاجا نصرة لزعيمة المعارضة في ميانامار، ولكنها صمتت صمت القبور عندما تعلق الأمر بمواطنين بورميين بسطاء تم تشريدهم وتهجيرهم من أرضهم واغتصاب نسائهم وترويع أطفالهم والدوس على رجالهم لا لشىء إلا لأنهم قالوا “ربنا الله”، ولا لذنب اقترفوه، ولكنهم مسلمون والمسلمون في هذا الزمن الأغبر مستباحو الدم فهم “لا بواكي لهم”
مأساة مسلمي الروهينجا المستمرة والتي تتكشف فواجعها كل يوم، ليست المأساة الوحيدة لمسلمي هذا العالم، وإنما هي رقعة من خارطة الوجع الإسلامي الممتد من أطراف الأرض إلى أطرافها…
فكلنا يذكر قبل نحو سنة كيف تداعت عصابات “الآنتي بالاكا” المسيحية المتطرفة في إفريقيا الوسطى وأمعنت في المسلمين البسطاء هناك قتيلا وتشريدا في مشاهد وحشية رآها العالم أجمع ولكنها لم تحرك فيه ذرة إنسانية، بل الأدهى والأمر أن القوات الفرنسية التي يعرف الجميع أنها هي الآمر الناهي في هذا البلد الإفريقي ظلت تراقب المشهد بحياد بارد في بعض الأحيان، وبتواطىء مكشوف في أحيان كثيرة وفقا لما وثقته تقارير إعلامية
ورغم بشاعة المأساة هناك، اكتفى الكثيرون بالصمت، وفي أحسن الأحوال بالتعبير عن القلق وكأننا أمام حالات حمى موسمية ولسنا أمام عملية تطهير ديني تجري وفقا لأنكى وأبشع صور التوحش والسادية..
ورغم أن مأساتي مسلمي بورما وإفريقيا الوسطى طغت على غيرهما، إلا أنهما لم تكونا الوحيدتين، فثمة بقع مظلمة أخرى كثيرة يتعرض فيها المسلمون للاضطهاد والظلم ومن أمثلتها أيضا ما تتعرض له أقلية “الويجور” في الصين التي يسام أبناءها الخسف والتعذيب ويؤخذون بجريرة مايقوم به البعض ويتعرضون لشتى أنواع التمييز على أساس عرقي وديني صرف..
وهنا، وفي هذا الرصد العاجل لشريط معاناة الأقليات المسلمة، قد يبدو الحديث عن المأساة الفلسطينية معادا ومكررا، ولكن ذلك لا يعني عدم التذكير بحجم التنكيل التي تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينين ومستوى البطش الأرعن والتعذيب الممنهج الذي تسومهم إياه على مدى عشرات السنين، بل وتصبح المأساة هنا أكثر فجاجة وثقلا، فهناك عملية اقتلاع جذري للفلسطينين من أراضيهم وإحلال عصابات المستوطنين القادمة من شتى بقاع العالم مكانهم، وكل هذا يجري وسط صمت وتواطىء القوى الكبرى في هذا العالم.
والكارثة الأخرى الجديدة هي أن مجموعات متطرفة مثل “داعش” وغيرها، أصبحت هي الأخرى أداة من أدوات التنكيل بالمسلمين، فمن يرى ماتقوم به هذه المجموعات الإرهابية من جرائم بشعة في سوريا والعراق يدرك كم أن مأساة المسلمين أصبحت مضاعفة، فأمثال هؤلاء معول آخر من معاول الهدم والتخريب..
إن العدل والمساواة وحقوق الإنسان، شعارات جميلة ومعاني كبيرة، ولكنها تظل مجرد هراء لا معنى له إذا لم تطبق على الجميع وفي حق البشر كافة بعيدا عن الانتقائية والفوقية والكيل المزدوج….
*كاتب موريتاني