يُعلنُ عن ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي او الغرب الإسلامي كما يحلو للبعض تسميته فيتنامى الذعرُ في أوساط المواطنين ويتصاعدُ التوتر إلى أفئدة الجنود ويهتزُّ ديكور نياشين القادة والضباط على صدورهم وفوق مناكبهم من الإرتباك والهلع.
وتتشكلُ خلايا التنظيم وتتوالى ضرباتُها الجبانة تباعا على التراب الوطني وتفشل الأنظمة المتعاقبة على عرش السيادة فى صدها فيرتفع عدد شهدائنا وتثخن الجراح فى صفوف جنودنا وتكثر.
وتتسرب الأخبار عن تواجد معسكر ترصده عيون الإستخبارات الموريتانية "الطائرة" بدون طيّارين في غابة واغادو بالجمهورية المالية حيثُ تحصّن أفراد قلة من عناصر القاعدة وجمعوا حولهم بعضا من شتات عصابات تهريب السلاح والمخدرات والشاي الأخضر والأرز الأبيض أغلبهم من اللصوص الموريتانيين والجزائريين الذين رأوا فى لحاقهم بركب القاعدة فرصتهم لتحقيق بعض المكاسب الشخصية.
وتلتحف جمهورية مالى ثوب الداهية في تعاملها مع القضية وتعلن للعالم أجمع أنها لا تقدر على مواجهة القاعدة وحدها. وبدل أن تُطرح القضية على طاولة القوى العظمى الأكثر تضررا من تواجد القاعدة في المنطقة، والأكثر استعدادا لتدمير أي معسكر لها في العالم في أسرع من لمح البصر بتقنية فائقة وبأقل خسارة ممكنة، أقول بدلا من ذلك ينتفخ كير المسؤول الأكبر في بلادنا فيجيش الكتائب ويعبر بها الحدود برأي استبدادي لم تُجِزْهُ أغلبيةٌ برلمانية ولم يُبَرِّزهُ استفتاءٌ شعبي.
ونحن لا ننازع في ضرورة بذل كل غال ونفيس في سبيل حماية المواطنين ومصالحهم من أي خطر قد يباغتهم، وقد نؤمنُ بأن الضربات الإستباقية التى تفاجئ العدو على غرة ذات أهمية قصوى.
لكننا إلى ذلك لا نعتبر القائد قائدا ناجحا إلا إذا كان قادرا على تحقيق النصر فيما لا مجال فيه للخسارة. وذلك ما كان متوقعا لولا أن السلطات الموريتانية سعت إلى تسييس القضية تزامنا مع المساعى الحميدة التى يقوم بها رئيس الجمهورية في قمة جنوب افريقيا ومع مشاركة وزيره الأول في مؤتمر إيران فمُرِّرت خطة الهجوم قبل وقتها وعبر مسار غير المسار المُتفقِ عليه مُسبقا بالتنسيق مع الجيش المالي.
ثم يلتقى الجمعان ويتقاعس الجيش المالي يوم اللقاء لأنه أبصر أن دم الجندي المالي أغلى من أن يُراق على غاباته ويُصدرُ المخلفون من قادة الأعراب أوامر من داخل الحدود إلى جنودنا الأبطال خارجها بالتقدم لأن دم الجندي عندهم يهون أمام رماد سيجارة يلوكها قائد مغرور في غرفة القيادة العسكرية بعيدا عن الميدان.
ولقد كان متوقعا أن الجندي الذى يفشل فى تحقيق النصر على أرض هي مولده ومنشأه وموطنه لا يحتاج فيها إلى دليل ولا مترجم أولى بأن يفشل فشلا مضاعفا على أرض لا يعرف معالمها ويجهل شعابها!
لكن الجندي الموريتاني كسر التوقع متى قُذف به في ادغال غابات يَحارُ في مجاهلها الخِرِّيتُ، ويتحصن في مَضَابِئِها أشرسُ شبح تخافُ مُجردَ اسمهِ أمردُ القوات في العالم، فأظهرَ جدارة بارعة في الشجاعة والإقدام فى معركة أنهى فصولها بامتياز.
فحقق النصر
وهزم الجمع
وحرر الجارة المسكينة إذ كان درعا لجيشها عندما امتنع عن تشغيل آلته العسكرية..
وتنتهى المعركة وينقشع الغبارُ ويخرج منها الجيش المالي سالما غانما.
ونخرج منها بفقيدين عزيزين.
لم يُكَرَّما.
وربما لم تُقرأ الفاتحة على رُوحيْهما.
وقعد القادة عن تشييع جنازتيْهما كما قعدوا عن مؤازرتهما في الميدان.
وعدا بعض البيانات العسكرية الخجولة لم يسمع ذوُوهما أي كلمة عزاء رسمية من الذين زجوا بهما في مواجهات مستفيدها الأول جمهورية مالى.
لم يمت الجنديان كما لم يمت الجنود الذين سبقوهم في معارك المجد وإنما ماتت قلوب قادة متحجرة تتاجر بأرواح ابنائنا..
والآن لنفترض أن هذه المعركة كانت ستكون فيما تبقى من جذوع غابات موريتانيا التى أصابها من إرهاب الحطّابين والحمّامين وأعداء البئة ما قلبها قاعا صفصفا،
أو لنفترض أنها كانت ستكون في متاهات صحرائنا العقيم إلا من زحف الرمال ونفايات إسرائيل، فهل تظن أن الجيش المالى أو الجزائري او النيجيري سيرسلون بكتائب من جيوشهم لمساعدتنا في تحقيق النصر على عدو قاسمُ العداوة بيننا وبينهم فيه سواءٌ؟.
لا أظنُّ ذلك!
وإلاّ، فأين كان كلُّ هؤلاء يوم كنا في أمس الحاجة إليهم فى ايامنا المأساوية المتلاحقة من لمغيطى فالغلاوية فتورين الحبيبة فمركز شوم فحاسى سيدى فلكيصة؟