بات واضحًا ومعروفًا أنّه في كلّ مرّة يجد رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، محشورًا بالزاوية، ينبري بواسطة وسائط التواصل الاجتماعيّ، بسبب مُقاطعته التامّة الإعلام العبريّ، ليردّ على الردّ العربيّ، وتحديدًا القادِم من بلاد الأرز، والذي يُعرّيه ويُكذّبه ويؤكّد لكلّ مَنْ في رأسه عينان، أنّ الرجل درج على إطلاق الفرية الدمويّة تلو الأخرى، في مُحاولةٍ لشيطنة الدولة اللبنانيّة، مُستغّلاً غريمه الأكبر والأخطر، حزب الله، فقبل أقّل من أسبوعين، وفي خطوةٍ لافتةٍ للغاية، اضطر رئيس الوزراء إلى الردّ على تهديدات سيّد المُقاومة، حسن نصر الله، الذي أكّد في خطابه الأخير على أنّ الحزب بات يملك الصواريخ الدقيقة، وباتت الجملة التي استخدمها “المُهمّة أُنجزت”، علامةً فارقةً في الرأي العّام بدولة الاحتلال، تمامًا مثل “ما بعد، بعد حيفا” و”إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت” و”المُجتمع اليهوديّ في تل أبيب هو مُجتمع القهوة الإيطاليّة”.
وفي هذا السياق، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ لبنان، الذي كان حتى نهاية القرن الماضي، بمثابة أرضٍ يتنزّه فيها جيش الاحتلال الإسرائيليّ متى شاء وكيفما شاء، تحوّل بفعل المُقاومة الإسلاميّة إلى نوعٍ من أنواع جهّنم، التي كوت الوعي الجمعيّ للإسرائيليين، قادةً وشعبًا، وللتدليل على ذلك، يجب التشديد في هذه العُجالة على أنّه بعد أنْ وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها في آب (أغسطس) من العام 2006، لم تجرؤ إسرائيل على تنفيذ أيّ عمليةٍ عسكريّةٍ في بلاد الأرز، وذلك لأنّ أحد إفرازات الحرب، التي استمرّت 34 يومًا، كان الردع المُتبادَل وتغيير قواعِد الاشتباك بين الاحتلال الإسرائيليّ وبين حزب الله اللبنانيّ.
بالإضافة إلى ذلك، مُحلّل الشؤون العسكريّة في القناة العاشرة بالتلفزيون العبريّ، ألون بن دافيد، قال في الأسبوع الماضي، بشكلٍ واضحٍ وبدون لفٍّ أوْ دورانٍ، إنّ الدولة العبريّة تُعاني من الردع، وأنّها تخاف الهجوم على لبنان، لأنّها تعلم يقينًا بأنّ الردّ من حزب الله سيكون مُوجِعًا ومؤلِمًا، على حدّ تعبير المصادر الأمنيّة الرفيعة التي اعتمد عليها في تل أبيب.
علاوةً على ذلك، تأتي هذه التطورّات في الوقت الذي أصدر المسؤول عن المظالم في الجيش تقريرًا رسميًا أكّد فيه على أنّ الجيش الإسرائيليّ ليس مُستعّدًا وغيرُ جاهزٍ لخوض المعركة القادِمة، وتحديدًا سلاح البريّة، الذي يُعاني، بحسب التقرير، من مشاكل جمّة، الأمر الذي دفع القائد العّام لهيئة الأركان في جيش الاحتلال، الجنرال غادي آيزنكوط، إلى الإعلان عن تشكيل لجنةٍ داخليّةٍ لفحص التقرير الخطير، الأمر الذي أثار عاصفةً سياسيّةً وأمنيّةً، إذْ شدّدّ المًعارِضون على أنّه لا يُعقَل أنْ يُحقق الجيش مع نفسه.
وفيما وصفت قناة هيئة البثّ الإسرائيليّة (كان) العبرية أمس، خطوة الخارجية اللبنانيّة بالاستثنائية الهادفة إلى تكذيب نتنياهو، لكون السفراء الأجانب لم يعثروا على صواريخ حزب الله في قلب بيروت، حذّرت القناة العاشرة في التلفزيون العبريّ من التعاون القائم بين حزب الله والدولة اللبنانيّة والتوجه إلى الإضرار بصورة إسرائيل في الخارج والمحافل الدولية، وحذّرت من مرحلة ما بعد الجولة، ومن خطة قد يقدم عليها وزير الخارجيّة اللبنانيّة، جبران باسيل في الأمم المتحدة والساحة الدولية ضدّ إسرائيل مبنية على تكذيب ادعاءات نتنياهو.
وكان لافتًا للغاية أنّ إذاعة (كان)، وفي تعقيبها على جولة السفراء في ملعب كرة القدم، الذي زعم نتنياهو أنّه مصنعًا للصواريخ الدقيقة، الذي أقامه حزب الله، كان لافتًا التشديد على ردّ فعل السفير الروسيّ في لبنان، ألكسندر زاسيبكين، الذي قال بُعيد انتهاء الجولة إنّ أقوال نتنياهو كاذبة، وأنّه خلال الجولة لم يعثر السفراء على أيّ مصنعٍ للصواريخ الدقيقة، وأشارت الإذاعة إلى أنّ تعقيب السفير الروسيّ، ربمّا هو حلقةً إضافيّةً في تأجيج الأزمة بين موسكو وتل أبيب، والتي اندلعت بعد إسقاط الطائرة الروسيّة فوق مدينة اللاذقيّة في سوريّة، مُشيرةً في الوقت عينه إلى أنّ روسيا، تؤيّد بشكلٍ أوْ بآخر، حزب الله عبر تصديق روايته من ناحية، وتكذيب رواية رئيس الوزراء الإسرائيليّ من الجهة الأخرى.
في المُحصلّة العامّة يُمكِن القول إنّ إسرائيل خسرت جولةً أخرى في المعركة على الرأي العّام العربيّ والعالميّ، إذْ أنّها لم تتوقّع أنْ تقوم الخارجيّة اللبنانيّة بخطوةٍ من هذا القبيل، كما أنّها حتى في كوابيسها السوداء، لم تتوقّع أنْ يكون ردّ السفراء الذين زاروا الموقع المذكور، مُخالفًا لمزاعم رئيس الوزراء الإسرائيليّ، الذي حاول التملّص من الورطة بقوله إنّ السفراء لم يوزروا المصنع الذي يتواجد تحت الأرض، بحسب تعبيره.
(رأي اليوم)