هل هُناك عَلاقة بين هُجوم الحوثيين على نَاقِلَة نِفط سُعوديّة في البَحر الأحمر وتَهديد إيران بإغلاق مَضيق هرمز؟

أربعاء, 2018-07-25 21:36

اعترفَت المملكة العربيّة السعوديّة اليوم بالهُجوم الذي شنَّته وِحدَة تابِعة لحَركة “أنصار الله” الحُوثيّة على ناقِلَة نِفط تابِعة لها في البحر الأحمر، ممّا أدَّى إلى إصابَتها بأضرارٍ بَسيطة” حسب بيانِها الرسميّ، ويأتِي هذا التطور العسكريّ الخطير في وَقتٍ تتزايَد فيه التَّسريبات والتَّكهُّنات عن عَزم دولة الإمارات العربيّة المتحدة سَحب قُوّاتِها من اليمن بعد أن باتَ مُتَعذِّرًا حَسمَها عَسكَريًّا طِوال الأربَع سَنوات الماضِية، حسب مَسؤولين فيها.
لم تَكشِف وكالة أنباء “سبأ” التابعة لحَركة “أنصار الله” عن كيفيّة إصابَة هذه الناقِلة، فهل جاءَت نتيجة إطلاق صاروخٍ بحريٍّ عليها من البَر، أم نتيجة هُجوم بزورق يقوده انتحاريّون؟ وأيًّا كانت نوعيّة السلاح الذي استخدم في هذا الهُجوم، فإنّه يُؤسِّس لنَقلةٍ نوعيّةٍ جديدة في هَذهِ الحَرب، عُنوانها الأبرَز استهداف ناقِلات النِّفط في البحر الأحمر، وتَعطيل المِلاحة الدوليّة فيه إذا لَزِمَ الأمر.
لا نَستبعِد أن يكون هذا الهُجوم مُرتَبِطًا بطريقةٍ أو بأُخرى، بالتَّهديدات الإيرانيّة بإغلاق مَضيق هرمز الذي تَمُر عبره ناقِلات تَحمِل 18 مليون برميل يوميًّا في حال مَنع الصادرات النفطيّة الإيرانيّة في إطار العُقوبات الأمريكيّة المُتوقَّع تطبيقها في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبِل.
بعد مرور ما يَقرُب من أربع سنوات على الحَرب السعوديّة الإماراتيّة في اليمن باتَ واضِحًا أنّ الحَل العَسكريّ مُستَحيل، رغم إنفاق السعوديّة 64 مِليار دولار على شِراء أسلحةٍ في العام الماضي فقط، مُتفَوِّقة بذلك على روسيا في الإنفاقِ العَسكريّ، وِفق ما جاء في بيان لمعهد ستوكهولم للسَّلام، واحتلال دولة الإمارات المركز العاشِر عالميًّا، حسب تقريرٍ أمريكيٍّ سَنويٍّ يَرصُد صَفَقات التَّسليح.
***
التَّطوُّر اللافت الذي تَوقَّف عنده الكثيرون ونحن من بينهم، تَزايُد عدد التسريبات الإماراتيّة التي تُمهِّد علانيّةً للانسحاب من حَرب اليمن، ومن أكثر من جِهةٍ رسميّة، وسط تقارير تُؤكِّد أنّ القِيادة الإماراتيّة كانت تُخَطِّط لانتصارٍ عسكريٍّ في الحديدة، تستخدمه سُلَّم للنُّزول عن الشجرة، وسَحب جميع قُوَّاتِها في أسرعِ وَقتٍ مُمكِن تقليصًا للخَسائِر، وتَجاوبًا مع ضُغوطٍ داخليّةٍ زاد تَذَمُّرها في الفترةِ الأخيرة من استمرارِ الحَرب، والخسائِر الماديّة والبشريّة المُترتِّبة على ذلك، ودُون وجود أيِّ مَخرَجٍ سِلميٍّ أو عَسكريٍّ منها.
الإمارات، وعلى عَكس السعوديّة، تُوجَد لها قُوٍات عَسكريّة على الأرض تُشارِك في المعارك على الجَبَهات الأماميّة، بينما تكتفي شريكتها السعوديّة بالقِتال من الجو، ونحن نَتحدَّث هُنا عن معارك الحُدود الجنوبيّة، ولكن طائِراتها لم تَعُد تَجِد أهدافًا تَقصِفها، ممّا اضطرّها إلى قصف محطَّةً للمِياه في صعدة قبل يومين ما أدَّى إلى حِرمان خمسة آلاف طفل وعائِلاتِهم من مِياه الشُّرب، حسب تَصريحاتٍ للسيد خيري كالاباري، المُتحَدِّث باسم منظمة اليونسيف الدوليّة يوم أمس، ونقلت تصريحاته عِدَّة وكالات أنباء بينها “رويترز”.
مَسؤولُ إماراتيٌّ كبير قال في جَلسَةٍ خاصَّةٍ في واشنطن أنّ الاكتشاف الأهَم لهذه الحرب بالنِّسبةِ إلى الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد ووزير الدفاع السعودي، هو عدم وجود جيش قويّ لبِلادِه مُؤَهَّل لخَوض الحُروب رغم الإنفاق العَسكريّ الكَبير، وما يُؤكِّد هذهِ الحقيقة تَراجُع مستوى التَّنسيق العَسكريّ بين الشَّريكين، الإماراتي والسعودي في هَذهِ الحَرب، خاصَّةً في مِنطَقة الحديدة، مِثلما أفادت تسريبات غَربيّة، وبُروز بعض الخِلافات في هذا الإطار.
المُراقبون توقَّفوا طَويلاً أمام تصريحات السيد يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن، التي تَحدَّث فيها بِشَكلٍ واضِح عن عزم حُكومَتِه الانسحاب من اليمن، وقال فيها أنّه ناقَش مع المبعوث الدولي مارتن غريفيث إنهاء الحَرب وسحب جميع القُوّات الإماراتيّة، وأبْدَى في الوَقتِ نفسه تَذمُّرًا من رفض تقديم أمريكا دَعمًا للتحالف في حرب اليمن مِثلَما كان مأمولاً.
وما عَزَّز من مِصداقيّة هذه التصريحات غير المَسبوقة، وعلى هذا المُستَوى حول الانسحاب، ما ذَكَره الدكتور عبد الخالق عبد الله، أحد مُستشاري الشيخ محمد بن زايد، وليّ عهد أبو ظبي، في سِلسَلةٍ من تَغريداتِه على حسابِه على “التويتر”، وأكَّد فيها أنّه بعد أربَع سنوات اتَّضَح “أنّه لا يُمكِن كسب هذه الحَرب بالضَّربة العَسكريّة القاضِية، وقد تَستمرّ لأربَع سَنواتٍ أُخرَى بِثَمنٍ سِياسيٍّ وإنسانيٍّ باهِظ، ولذلك إذا أمكَن عَودة الشرعيّة بالمُفاوضات فأهْلاً بالحَل الدِّبلوماسيّ”، ولكن أين هِي المُفاوضات ومَن سيُشارِك فيها؟
الأهَم مما تَقدَّم قوله في تَغريدةٍ أُخرَى “أنا مع وقف الحرب حالاً وعودة جُنود الإمارات إلى الوطن، عندما يتم تسليم ميناء الحديدة، وخُروج قُوّات الحوثي بسلام منها، لقد أدَّت الإمارات واجِبَها وأكثر، والتحالف بقِيادَة السعوديّة قَدَّم كل ما يُمكِن تقديمه للحُكومةِ الشرعيّة، وحان وقت القِتال وترتيب وضع يَمَن ما بَعد الحَرب دِبلوماسِيًّا”.
الدكتور عبد الله لا يُمكِن أن يَكتُب هذا الكَلام دون تَوجيهٍ رسميّ، واختيارٍ دَقيق للكلمات بعد مُراجَعتها من قِبَل القِيادة الإماراتيّة العُليا، وربّما الشيخ محمد بن زايد شَخصيَّا، فهذا مَوضوعٌ من المُحرَّمات الخَوض فيه وإطلاق تغريدات على هَذهِ الدَّرجةِ من الخُطورة والحساسيّة دون الرُّجوع إلى القِيادَة العُليا، أو بتَوجيهٍ مُباشِرٍ مِنها؟
***
مع تَصاعُد أصوات قَرع طُبول الحَرب في المِنطَقة، والتهديدات الإيرانيّة بـ “أُم الحُروب”، وإغلاق مضيق هرمز، وتَكاثُر الحَديث عن تَذَمُّر “بعض الإمارات” في الاتِّحاد الذي تقوده أبو ظبي، من “خُطورَة” الاستمرار في الحَرب اليمنيّة، يبدو أنّ مُهِمَّة المبعوث الدولي غريفيث باتَت مَحصورةً ليس في إنهاء الحرب في الحديدة، وإنّما تَهيِئة الأجواء لانسحاب القُوّات الإماراتيّة وحُلفائِها في أسرعِ وَقتٍ مُمكِن، وإسدال السِّتار على “عاصفة الحزم”، وتَرك اليَمن لليَمنيين لترتيب وتَحمُّل مَسؤوليّاتِهم تَقليصًا للخَسائِر البشريّة والماديّة (البعض يُقدِّرها بحَواليّ 200 مليار دولار حتّى الآن).
الإعلان عن رَغبَة الإمارات في سَحب قُوّاتِها من اليمن، ربّما يُفَسِّر، وحسب تقارير مصادِر دبلوماسيّة عَربيّة في لندن، عدم تنفيذ حركة “أنصار الله” الحوثيّة لتَهديداتِها بإطلاق صواريخ باليستيّة على مُدُن دولة الإمارات، وخاصَّةً دبيّ وأبو ظبي، على غِرار ما فعلت عندما أطلَقت 120 صاروخًا على الرياض وجدّة والطائف وجيزان ونجران وخميس مشيط في السعوديّة.. واللهُ أعْلَم.
عبد الباري عطوان