(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ )

أحد, 2015-02-22 00:26

إن واقع الموريتانيين الذين يفقدون جنسياتهم بقوة القانون بمجرد حصولهم على جنسيات أخرى ،وكأنهم بذلك تنتزع جلودهم من فوق عظامهم وتترك أجسادهم طرية نهباً للبكتيريا والحشرات الضارة ،فلماذا يحصل هذا ؟!

إذا فالجواب على هذا التساؤل يحتاج إلى ذكر أمور كثيرة من ضمنها حتماً أسباب الهجرة بحثاً عن العمل أو الدراسة وعدم وجود تكافؤ للفرص في بلادنا ،كما يطرح واقع سحب الجنسية أسئلة أخرى حول ما إذا كان سحبها يعد عقوبة على جريمة لم تصف خلافا لمقتضيات الدستور الموريتاني القاضي بألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني .

وهل سحب الجنسية من مواطن مسلم وترك ولائه لدولة أجنبية ربما غير مسلمة يوافق روح الشريعة الاسلامية ومقاصدها إلى غير ذلك من الأسئلة المشابهة ؟! 

أما من الناحية الاخلاقية فكيف يجرد إنسان من جنسية أرض أخذ لون جسده من أديمها وعقله ومعارفه من حضارتها، ألا تعلمون أن هواجس مجرد التفكير في أنك لم تعد مريتانياً يسبب لك الكثير من الكوابس الليلية التي تجعلك تتخيل أحياناً بأن شرطياًضخم الجثة يجثم على صدرك لينتزع جواز سفرك ويجرك بتلابيبك قهراً خارج بوابة الوطن .

أفلا تعلمون أيها السادة أن أرضنا الجميلة برباها النقية وأشجار نخيلها الباسقة وأنهارها الجارية وسفوح جبالها كلها تنهدو بكاء وعويلا حزناً وشفقة على حال أم قد إنتزعت جنسية ولدها ولم تعد قادرة على رؤيته ،وزوجة طرد زوجها وأطفال حرموا من رؤية والدهم وأب تعود قبره على زيارة ولده كلماعاد إلى أرض وطن الام ، إن نزع الجنسية يامواطني الأعزاء أمر فظيع لايمكن للمشاعر البشرية تحمله .

إذا والحال هكذا فماهي الدوافع الحقيقية وراء سحب جنسية المواطن بدم بارد : والجواب ببساطة يعود إلى أن فيه جماعة من المتنفذين في إدارة الدولة الموريتانية ظلوا يحتكرون السلطة ويتصرفون في شؤنها دون تفكير عقلاني يراعي مصالح البلاد الاقتصادية والاجتماعية وحتى مشاعر أهلها ونفسياتهم ، إن هذه الجماعة بسبب قصر نظرها تعتقد أن أرض موريتانيا لا تتسع للجميع وأنه يجب إفراغها من بعض سكانها خصوصاً أولائك الشباب الذين إستفادوا من تجارب دول متحررة ربما ينقلون عدوى الحرية منها إلى هذه البلاد مما يجعلهم يطردونهم بذريعة سحب جنسياتهم وإلى غير رجعة لتفرغ الارض من سكنها الأصليين وذلك من أجل أن تبقى لعائلات قليلة توارثت الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية وبالتالي ستجد هذه العائلات نفسها يوما ما عاجزة عن إعمار هذه الارض وتوفير الأمن فيها مما يضطرها لا محالة إلى إستجلاب وافدين جددا إلى هذه الارض شبه السائبة بدلا من سكانها الأصليين .

إن هذه العائلات القاصرة التفكير لايدركون عن طريق المقارنة البسيطة أن سكان مصر إقتربوا من مائة مليون نسمة وأن مساحة أرضهم أقل من مساحة أرضنا وأن مواردهم أقل من مواردنا وفي نفس الوقت دخل الفرد لديهم أعلى من دخل الفرد لدينا وأنهم لا يسحبون جنسيات مواطنيهم خشية إملاق إن حصلوا على جنسيات أخرى بل يشجعونهم على ذلك لما يمكن أن يقدموا من منافع لوطنهم الام من تلك الجنسيات الجديدة .

وهل تعلمون أن سكان المغرب يسيرون بخطى حثيثة نحو الأربعين مليون نسمة وأرضهم أقل مساحة من نصف أرضنا ومواردنا أيضاً أكثر من مواردهم وعملتهم قد إرتفعت قيمتها قرابة أربعة مرات بالنسبة لعملتنا خلال أقل من ثلاثة عقود من الزمن  ومع ذلك لا تسقط جنسيتهم عن مواطنيهم إن إكتسبوا جنسيات أخرى حتى ولو أرادوا هم التنازل عنها، فكيف بِنَا ونحن مجرد ثلاثة ملاين نسمة نقيم على مليون 

ك م٢ ومع ذلك نحاول التخلص من بعض سكاننا.

ثم ألا تعلمون أيضاً أن بعض الدول المتقدمة مثل أمريكا تجنس سنوياً عدة ملاين لما في ذلك من إزدهار لاقتصادها وبالتالي رفاهية لمواطنيها.

وأخيراً أيها البرلمان الموريتاني المحترم- والذي للأسف يكاد إختصاصك  ينحصر في المصادقة على مشاريع قوانين الحكومة وكذا الاتفاقيات الدولية -ألا تعلمون أن فيه جماعة تخطط بقصد أو بدونه لاخلاء أرضكم من بعض سكانها تحت سياط الظلم والقهر وعدم تكافؤ الفرص ممايجعل الموجود من الوظائف والصفقات العامة ونتائج الانتخابات حكراً لصالح تلك العائلات الحاكمة أو أولائك الذين في خدمتهم .

أيها السادة النواب أمام هذا الوضع المختل أليس فيكم من عاقل رشيد يستطيع أن يصرخ في وجه الحكومة ولو تحت قبة البرلمان قائلا بأنه يرفض هذا الواقع الموصوف.

أيها السادة النواب ألم تقرأوا الآية الكريمة (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) والتي تقضي بأن المسلم يجوز له النطق بكلمة الكفر تفادياً لموته مع إحتفاظه بئيمانه ، وهكذا حال المواطن الذي يأخذ جنسية دولة أخرى وماذلك إلا تفادياً لنفس الموت وإن كان هذه المرة بسبب الجور والحرمان ، (فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم ) شطر بيت من شعر المرحوم المتنبي

 

ذ/إسلمو ولد محمد المختار ولد مانا