صرخة زينب

خميس, 2014-12-25 12:04

أولا، عذرا، أنا لست من رواد نظريات التآمر- لأني لا أحب بساطتها – و أيضا ، أنا هنا، لست في موقع الدفاع عن أي جهة رسمية أو حكومية ، فعندها أو ليس لها من يدافع عنها، ذلك شأنها، لكن، في خصوص قضية وطنية بحجم مأساة العبودية التي تهمنا جميعا كموريتانيين و تداعياتها ، علي الداخل، كالخطاب العنصري الذي قد يستعمله بعض المتطرفين و ارتباطه العضوي بتطور الجريمة، و علي الخارج، كردود فعل أوروبا و فرنسا تحديدا، كان لابد للعبد الضعيف أن يلبي نداء الوطن، أمام الله أولا ، ومن أجل موريتانيا ثانيا ، و ليشهد التاريخ الذي يوشك أن يُكتبَ بحروف حمراء كدماء الطفلة زينب، و قبلها خدي.........إن لم تلب الدولة هذه الصرخة و تتحرك بسرعة البرق ، لتنقض وتقضي علي الإجرام و العنصريين في مهدهم، قبل فوات الأوان، سيتفشي السرطان و تفلت موريتانيا من بين أيدينا.

لقد حذرت مرارا من تداعيات الخطاب العنصري، الذي يستغله بعض المتطرفين المناهضين للاسترقاق علي الوئام و الوحدة الوطنين ، و كذلك الأمن و السلم الاجتماعين، و طالبت الدولة، و ما زلت، بتحمل مسؤولياتها كاملةً.
طبعا، ما كان للعنصريين أن يخلعوا عن وجوههم القبيحة و يرفعوا أصواتهم المنكرة، لولا ضعف الدولة و القانون من جانب، و لولا دعم الغادرين الفرنسيين و من تولاهم، من الجانب الآخر.

أعود ، لكن ، هذه المرة، مع مليون رحمها الله، بعد أن اغتال الإجرام، و بكل وحشية، براءة الطفلة زينب في عرفات، لأقول إن علي الدولة ، الآن، قبل الغد، أن تكسر عنق العنصرية و التطرف و تضربهما بيد من حديد لتحمي الديمقراطية و المجتمع معًا من جرائمهما – و ليس خطابهما ببعيد عن انتشار و زيادة و تنوع و تطور الجريمة فظاعة ً و بشاعة و تنظيما.

و من الجهة الأخرى، و في نفس الوقت، أضحي لزاما عليها أن تفَعِّلَ و تطبق قانون مكافحة الرق دون تهاون، و بكل صرامة، و دون أي ظرف من الظروف المخففة.
كما يجب عليها انتهاج سياسة التمييز الايجابي لصالح الشرائح المهمشة، فضلا عن تسخير الأموال و وكالة التضامن و صناديق الادخار للقضاء علي هذه الظاهرة، ممارساتٍ و آثارًا، و لردم الهوة بين إخوة الدين و الوطن.
ذلك ما يمليه الدين، والوطن و العقل و السلم و الأمن الاجتماعين.
لم يعد التسويف مقبولا، و لم يبق من الوقت إلا ما يجب استغلاله للقضاء علي هذا السرطان الذي يأكل من دمائنا و في لحومنا و ينهش أعراضنا و يفرق بين قلوبنا و حتى بين المرء و زوجه و أخيه وأمه و بنيه...
إنَّ حل هذه المعضلة لا يكون إلا بتصريف الفعل الوطني حصريا في الحاضر و المستقبل، مع إغلاٍق تام و نهائي لصفحة الماضي، من دون هواجس أو ندم، هذه هي روح الإسلام، بل هي أيضا المصلحة الوطنية العليا.
الكفاح من أجل الحرية والمساواة، كما أسس لذلك الرمز الراحل، نيلسون مانديلا، يجب دائما أن يرافقه سخاء القلب، وهو المغفرة والمصالحة الوطنية.
فعلي العنصريين المتطرفين أن يقرءوا جيدا مسيرة نضال الشعوب و يتدبروا فلسفة اللَّا عُنف ويستفيدوا من التجربة الثرية لهذا القائد الكبير، الذي يزعمون زورا و بهتانا أنهم علي دربه و أنه قدوة لهم.

أما فرنسا فلتخسأ و لتخرس إلي الأبد.........
ماذا أنجزت فينا حتي يحق لها التدخل في كل حياتنا بتفاصيلها اليومية ؟ كانت هنا و مازالت، و بقيت العبودية ومعها باقي الألغام التي زرعتها و القنابل المؤقتة التي برمجتها كي تستغل تناقضاتنا لتنهب خيراتنا. لم تترك خلفها، "عند الاستقلال" إلي يومنا هذا، أي انجاز يذكر، لا هي شيدت بني تحتية، و لا فوقية، و لا مصنعا يعمل، و لا طريقا معبدا، و لا ميناءا، و لا مطارا، و لا سدا، ولا مزرعة و لا جامعة و لا ماءا و لا كهر باءا و لا مستشفي و لا عمارة حتى....
لم تترك خلفها، شيئا يذكر، اللهم سوي طوابير الجواسيس، أو عفوا، و رشاتٌ حول "حقوق المرأة و الطفل" لتفسد أخلاق نسائنا و ناشئتنا في لقاءات مجونية غالبا ما ينعشها "خبراء" جاءت بهم ليعودوا بالدريهمات التي تدعي رياء أنها قدمتها للشعب الذي نهبت خيراته في الماضي و تنهبها الآن في صفقات كلها لصالحها – و أعي جيدا ما أقول.

ماذا أنجزت فينا، غير سفارتها، التي تغيظ الناظرين من الوطنيين الأحرار، لحجم الأراضي الشاسعة و الثمينة التي تحتلها، و يكتفي السائح الأجنبي برؤيتها ليقتنع أننا ما زلنا تحت الاستعمار و نحتاج إلي حرب تحرير جديدة.

قرأت أن سفيرها يتبجح علنًا باستقباله رئيس إيرا قبل جميع زعماء الطيف السياسي الوطني علي اختلافه، و إن صح هذا، ففيه ما يكفي لخطورته، و سيبقي وسمة عار علي جبين دولة تدعي حبة خردل من السيادة، إن تركت الأمر يمر هكذا، فإن القادم قد يكون أدهي و أمر....
و قرأت أيضا، أنهم خلف إقالة مدير الوكالة الوطنية للطيران المدني....يا للعار.............. و قرأت أن خطوطهم الجوية ترفض الانصياع لقوانيننا ...ياللعار.......و أن رعاياهم يتدخلون نهارا و جهرا في شؤوننا الداخلية...ياللعار....... 

هذا كله يوجب علي الدولة أن تفرض سيادتها، كما فعل الأب المؤسس الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله رحمة واسعة، عند ما أصر علي مراجعة الاتفاقيات، و إنشاء الأوقية و تأميم المؤسسات و بناء ميناء الصداقة رغم أنف الفرنسيين، الذين لا يرضون لموريتانيا إلا أن تبق زبونًا لميناء دكار كما أَرْدَوْهَا تبعًا لِقُرَيَّةِ سنلويس عقودا من الزمن.
أو كما فعل الرئيس معاوية ولد الطايع عند ما أخرج من وطننا "الخبراء الفرنسيين " مهطعين الرؤوس، صاغرين ، كما يحب الله أن يراهم في بلاد الإسلام.
نَدِمَتْ فرنسا، لأنها لا تفهم إلا لغة القوة، و تباكت و أعلنت التوبة لتعيد علاقاتها مع الرئيس معاوية، لكن هذا الأخير أصر علي موقفه لأنه أصبح في غنًي عن كبرياء باريس و عنده علاقات متميزة مع العملاق الأمريكي.
و كما فعل أيضا لقرابة مليون من رعايا السنغال المقيمين عندنا، لما سولت لِوَادْ نفسه أن يسيطر علي مواردنا المائية في أزمة ما بات يعرف ب"الأحواض النابضة"، فاضطر الرئيس السنغالي الأسبق إلي عبور النهر مهرولا و أطل علينا من عاصمتنا الاقتصادية و هو يمدح "الديمقراطية الموريتانية" و يتغني بمؤسسها "حكيم القارة"، معاوية ! 
.
لماذا تحرص كل من فرنسا و السنغال علي علاقاتهما معنا أشد الحرص، حتي و إن كنا لا نرغب فيها، هل طرحنا هذا السؤال علي أنفسنا؟ إنه زواج القهر و الإكراه، لأنهما تعودا منذ عشرات السنين علي لذاذة سمكنا و صلابة حديدنا و جمال شواطئنا و كرامة شعبنا و اعتدال طبيعتنا و سحر بلدنا، فلم و لن يستطيعوا إلا أن يدخلوا إلي بيوتنا المفتوحة أصلا، و يتدخلوا في تفاصيل حياتنا.
هل لسواد عيوننا ؟ لا - إنهم يكرهوننا كما نكره الموت و نحب الدنيا، غير أنهم يعلمون علم اليقين - و أتكلم كخبير قضي أكثر من عقد من السنين في فرنسا- أن علاقات هذه الأخيرة معنا و بكل المقاييس و بشتى المعايير هي لصالحهم، و لوحدهم، و لو وُضِعت علي أي ميزان لرجحت كثيرا كفتهم، و لهذا هم يحرصون عليها أكثر منا ، و هذا ما فهمه بالضبط الرئيسان الأسبقان.
حذر بعض المتخصصين في الشأن الموريتاني- الفرنسي علي أن موريتانيا لا تكون في أحسن أحوالها إلا عند ما تبتعد عن محور الشر الفرنسي – السنغالي لأنه – و هذا ليس بجديد- أصلا ، هو معاد للكينونة الوطنية.
و الوقائع تثبت ذلك لأن حقبتي القائدين الوطنيين الأب المؤسس المختار ولد داداه رحمه الله، و الرئيس معاوية ولد الطايع كانتا، علي نواقصهما، أحسن استقرارا و أمنا و سلما من سواهما و كاد فيهما أن يختفي نهائيا صوت التطرف و العنصرية ، و هذا المحور نفسه ، هو الذي احتضن افلام و يحتضن الآن إيرا و سيحتضن أي تنظيم آخر معاد "لدولة البيظان" كما يزعمون.
و هذا الاتهام بأن هذا المحور هو عامل زعزعة للكيان الوطني يؤكده و يعززه أن فرنسا وراء جميع الانقلابات المتتالية علي الشرعية الوطنية و أنها هي و ذيلها السنغالي هما أول من يبادر إلي الاعتراف بالانقلابيين، أيا كانوا.

إذا ، وفي كلمة أخيرة، تطبيق قانون مكافحة الرق دون تهاون، و بكل صرامة و دون أي ظرف من الظروف المخففة مع سياسة مرافقة في كل الميادين لردم الهوة بين الأشقاء، وعزل محور الشر (فرنسا و ذيلها السنغالي)، و ضرب التطرف و العنصريين بيد من فلاذ و بترسانة قانونية تزج عنق التآمر مع أي جهة خارجية معادية كخيانة عظمي هذا من جهة، و من الجهة الأخرى، تنفيذ حكم الإعدام، علي الفور، سدا للذريعة و ردعا لمفسدة أمة بأكملها، في كل منْ قتلته الشريعة الإسلامية كالمرتدين و علي رأسهم هذا الملعون الذي أساء إلي رسول الله صلي الله عليه و سلم، و كقتلة الطفلتين خدي و زينب رحمهما الله-، هذه و بعجالة شديدة الاقتضاب ، هي أهم العناوين التي علي الدولة، إن كانت تحرص علي ذاتها ، أن تبادر إليها ببلورة خطة عمل سريع. و أستغفر الله و الله ولي التوفيق.

حسبنا الله و نعم الوكيل

 

 

و إنا ل لله و إنا إليه راجعون

محمد أحمد بن باب أحمد