
لقد إنتظر الشارع العربي طويلا إنعقاد قمة الدوحة، على أمل أن تأتي بقرارات حاسمة تعيد للأمة شيئا من هيبتها، وتبعث برسالة قوية إلى القوى المعتدية مفادها أن العرب قادرون على حماية مصالحهم والرد على من يعبث بأمنهم وحقوقهم ، لكن البيان الختامي للأسف جاء باهتا، مليئا بالكلمات الرنانة والعبارات الفضفاضة، خاليا من الإجراءات العقابية الملموسة التي كان يتطلع إليها المواطن العربي.
وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا غابت تلك الإجراءات؟
الجواب ليس معقدا بقدر ما هو مؤلم ، فغياب العقوبات الحقيقية يعكس أولا حجم التباين في المواقف بين الدول العربية، ويفضح ثانيا حالة الإرتهان السياسي والإقتصادي التي باتت تعاني منها بعض العواصم ، فكيف يمكن أن تجمع على موقف عقابي صارم ضد دولة معتدية، وبعض أعضائها يرتبطون بعلاقات إقتصادية وأمنية عميقة معها، يخشون أن تتأثر مصالحهم أو عروشهم إذا أقدموا على خطوة جريئة؟
لقد أثبتت التجارب أن بيانات القمم العربية غالبا ما تصاغ بروح التوازنات لا بروح المواقف المبدئية، ولذلك نجدها مليئة بالتمنيات والإلتزامات المستقبلية، لكنها تخلو من آليات التنفيذ ومن أدوات الضغط، فلا عقوبات إقتصادية، ولا مقاطعة سياسية، ولا حتى تهديد بقطع العلاقات ، وهكذا تفرغ القمة من مضمونها وتتحول إلى مشهد بروتوكولي لا أكثر ، لذا
فإن غياب العقوبات لا يعني فقط ضعف الإرادة السياسية، بل يشجع المعتدي على التمادي في غطرسته، لأنه يتيقن أن الرد العربي لن يتجاوز الكلمات ، وفي الوقت الذي تتخذ فيه دول العالم الأخرى إجراءات فورية وحاسمة إذا تعرض أمنها أو مصالحها للخطر، يكتفي العرب بإصدار بيانات لا تتجاوز حدود قاعات المؤتمرات ،
لقد آن الأوان أن تعيد الدول العربية النظر في آليات عمل قممها، وأن تدرك أن الشعوب لم تعد تثق ببيانات لا تحمل قوة الردع ولا تترجم إلى أفعال. فالأمة بحاجة إلى مواقف شجاعة، وإلى قرارات جريئة تترجم إلى عقوبات إقتصادية وتجارية وسياسية، تجعل المعتدي يشعر بثقل العرب إذا إجتمعوا على كلمة سواء.
إن استمرار نهج البيانات الخالية من العقوبات وروضوخها للإملاءات الأمريكية ، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإحباط الشعبي وتمادي إسرائيل في عدوان جديد على الأمة العربية والإسلامية وإلى إتساع الفجوة بين الشعوب وقياداتها، وهو أمر في غاية الخطورة على إستقرار الأوطان ، فالردع لا يكون بالكلمات، بل بإجراءات ملموسة تفرض إحترام العرب ومصالحهم، وإلا فسيبقى المشهد كما هو قمم متكررة، وبيانات متشابهة، وواقع عربي يزداد ضعفا وتشرذما .
اللهم ألطف بهذه الأمة ورد كيد المعتدين .
د. بسام روبين عميد اردني متقاعد