خمسةٌ و خمسونَ عاما بعد الاستقلال :نٓجٓاحٓاتٌ و عٓثٓراتٌ المختار ولد داهي،سفير سابق

خميس, 2015-11-26 11:11

تستعد بلادنا هذ العام لتخليد غير مسبوق -مكانا ومكانة و حجما و نوعا و حشدا و ضُيُوفًا،...- للذكري الخامسة و الخمسين لعيد الاستقلال الوطني -نصف الإكراهي و نصف الطوعي- عن الاستعمار الفرنسي ذي "القَبْضَةِ الثًقِيلَةِ".

ذلك الاستعمار الذي "أَرْخَي سُدُولَهُ" فلبث قرابة سبعين سنة في هذه البلاد عاث فيها نهبا معدنيا و إذلالا معنويا و إفساداأخلاقيا ...و ما ترك فيها غير أمتار مربعة قليلة من البني التحتية والمنشآت العمومية و مئات الكلومترات من الحدود الموروثة عن عمليات "القَطْعِ و اللًصْقِ"Couper & Coller الإِثْنِيًةِ والقبلية و الجغرافية "الحَامِلَةِ لِمُحَرِضَاتِ التنافر و التدابر".

و كما هو متواتر فإن المغزي من تخليد الأعياد الوطنية عموما هوالوفاء و البرور و الذكري و التأمل و التدبر و استخلاص الدروس و العبر من خلال " تأبيد" الأحداث الوطنية العظمي من جهة و تقييم انعكاساتها تثمينا للنجاحات و تبيانا للعثرات من جهة أخري.

و يجب أن يكون التقييم المنشود بعيدا عن ثقافة النظر الأحادي"بعين الرضي" و التمجيد و التطبيل التي أضحت منذ زمن طويل  بكل الأسي و الأسف و الحسرة- "الرياضة المفضلة" للأغلبية الغالبة من نخبنا الوطنية بغض البصر و النظر عن منازعهم الفكرية و درجاتهم العلمية و مراكزهم المهنية و مراتبهم الاجتماعية،...

و المتابع لمسار الدولة الموريتانية نشأة وتطورا منذ الأيام الأولي للاستقلال إلي يومنا هذا  ملاحظ تحقيق العديد من  النجاحات في بعض المجالات و التعرض أيضا لعدد غير قليل من  العثرات في مجالات أخري. فعلي سبيل المثال لا الحصر تحققت النجاحات التالية: -                          

أولا-تعزيز تأسيس الدولة: يعتقد بعض المؤرخين أن قرار إنشاء الدولة الموريتانية -علي غرار العديد من الدول الإفريقية- حُسِمَقبل معرفة حدود الإقليم ومكونات  الشعب LEtat a precede la Nation. و رغم ذلك فقد تم تحقيق نجاح  تراكمي معتبر في مجال فرض وجود الدولة داخليا  و بسط سلطانها و هيبتها علي الكيانات السياسية القبلية و المشيخية و الأميرية كما تم بنجاح فرض وجود موريتانيا علي الخارطة الإقليمية و الدولية رغم غَمْطِالجيران من أولي القربي و موالاة بعض النخب الوطنية الوازنة؛

ثانيا- بناء المنظومة العسكرية و الأمنية: تفتخر موريتانيا بوجود منظومة عسكرية و أمنية عالية الكفاءة و الجاهزية خصوصا إذا ما قورنت مع المنظومات العسكرية و الأمنية بشبه المنطقة و الحق أن كبير الفضل في ذلك يعود إلي ما عرفته السنوات الثمانية الأخيرة من اهتمام كبير بإعادة هيكلة المنظومة العسكرية و الأمنية تنظيما و تكوينا و مكافأة و تشجيعا و تخصصا و تحيينا و تجهيزا و تسليحا...؛                                               

ثالثا- تطور المشروع التنموي الوطني: يعتقد علي نطاق واسع أنه رغم  الفرص الضائعة لتحقيق النهضة الاقتصادية بفعل تغول الفساد المالي و الإداري  فإن تطور المشروع التنموي الوطني المتمثل في التزايد المضطرد للبني التحتية و التصاعدالمستمر لمعدلات النمو يعتبر من أهم الإنجازات التي حققتها دولة ما بعد الاستقلال تراكميا و بإسهام متفاوت طبعا من  كل الأنظمة السياسية التي تعاقبت علي هذا البلد؛

و توازيا مع هذه النجاحات فقد نَغًصَتْ مسارَ تطور الدولة الموريتانية عثرات عديدة من أبرزها:                                                                             

1.استدامة التجاذب و غياب السكينة السياسية:  رغم انصرام خمس و خمسين سنة علي انطلاق دولة الاستقلال الوطني التي  حددت من أول أهدافها إرساء التعددية السياسية الهادئة فإن الطريق إلي تحقيق هذا الهدف لا زال طويلا و مليئا بالمطبات فلا زال التجاذب السياسي الساخن و العنيف أحيانا "الخبز اليومي" للساسة الموريتانيين. و الأمل معقود علي الحوارالوطني المرتقب في تطبيع المشهد السياسي و إرساء نظام ديمقراطي تعددي توافقي و مستقر؛    

2 فشل النموذج التربوي و التعليمي: يجمع المتابعون علي أن أكبر عثرات مسار الدولة الموريتانية تتمثل في فشل النموذج التربوي و التعليمي الذي يعتقد بعض الحُذًاقِ الاستشرافيين بأنه بشكله الحالي "مُفَخًخٌ اجتماعيا"؛ و من شواهد فشل النموذج التربوي و التعليمي ما ذهبت إليه التقارير الدولية في مجال جودة التعليم من تصنيف الجامعات و المعاهد العليا الموريتانية  في ذيل الترتيب العالمي مسبوقة بجامعات و مؤسسات تعليمية عليا تنتمي إلي دول حديثة العهد بالحروب الأهلية و أخري لا زالت  مسرحا لها!!                                     

3-بُطْءُ استشراف أسبقية "إطفاء المظالم الاجتماعية الموروثة": يعتبر  التأخر في استشراف و استكشاف أسبقية إطفاء المظالم الاجتماعية الموروثة علي سائر الورشات الاقتصادية و الاجتماعية  الأخري من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة السياسية التي ساست هذا البلد.

كما يمثل ذلك البطء و التباطئ في استشراف خطورة المظالم الاجتماعية المتوارثة أشد أخطاء مسار تطور الدولة الموريتانيةتأثيرا و أكثرها إسهاما في "الصًدْعِ" الذي أصاب العقد الاجتماعي الوطني الذي يراه بعض المتشائمين بعيدا غائرا لا قريبا عَارِضًا مما يحتم علي النخب الوطنية أجمعها تلافي الوضع و "رأب الصدع الاجتماعي" قبل استفحاله وتعفنه و استعصاء علاجه!!. 

 

 

المختار ولد داهي،سفير سابق