متاهات الفصول الختامية من الحرب شبه الدولية على أرض بلاد الشام.... تخبط واشنطن في نقل ثقلها لمواجهة الصين بعيدا عن صراعات بلا نهاية

أربعاء, 2022-01-19 04:22

مع بداية سنة 2022 يتفق عدد كبير من السياسيين والمحللين أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من عدم وجود رؤيا ومخططات وإستراتيجية واضحة تجاه الأزمة السورية ولذلك فسلوكها غارق في متاهات، ويقدر البعض أن سبب ذلك يعود إلى الانتكاسات التي واجهتها مشاريع البيت الأبيض في بلاد الشام بعد أكثر من عقد على الحرب شبه الدولية وإنفاق واشنطن وحلفائها ما يناهز 2500 مليار دولار والتضحية بحوالي نصف مليون فرد.

هذا التخبط ليس وليد الساعة بل انطلق عمليا مع بدء تحول مسار الحرب تدريجيا لصالح الجيش العربي السوري نهاية شهر سبتمبر 2015.

أثناء أغلب فترات التحول في الصراع جربت الإدارة الأمريكية مختلف الأساليب لتغيير مسار الحرب لصالحها ولكنها فشلت وانعكس ذلك بنوع من الشلل في قدرة سياسييها على التعامل الأحداث، وإصرارهم على العيش والعمل في عالم افتراضي مبني على تصورات لا علاقة لها بالواقع.

تلعب صناعة الدعاية والعمليات النفسية خلال الحروب والصراعات دورا مهما، وخلال الحروب الأمريكية على العراق وسوريا وأفغانستان برز دور أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبنتاغون في صنع عمليات دعاية تلبي مصالح واشنطن، لكنها وقعت في أخطاء فجة نتيجة ضعف فهمها للخصائص الاجتماعية والثقافية للمجتمع المستهدفة، فضلا عن محدودية المعلومات التي جمعتها قبل بدء الحرب. غير أنه سجل استمرار نجاح عمليات تأليب المواطنين على سلطات بلادهم عبر استخدام اتهامات من قبيل انتشار الفساد والمحسوبية وسرقة أموال الدولة وتعاظم الفوارق الطبقية وغير ذلك من المشاكل التي تعاني منها الكثير من المجتمعات ولكنها تضخم من قبل وسائل الإعلام التي تتحكم فيها الآلة الإعلامية التابعة لواشنطن وحلفائها.

خلال الثلث الأول من شهر نوفمبر 2021 أجرى موقع فرانس 24 عبر مبعوثه توفيق مجيد حوارا من نيويورك مع السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد أحد مخططي الحرب شبه الدولية التي انطلقت على أرض بلاد الشام في منتصف شهر مارس 2011، روبرت فورد قال بصراحة أن الولايات المتحدة فشلت في توحيد المعارضة السورية والأسد فاز بالحرب الأهلية، وأقر أن جهود عزل سوريا عربيا تنهار تدريجيا مشيرا إلى العلاقات المتطورة حاليا مع دمشق من جانب الأمارات والبحرين ودول عربية أخرى كانت قد اتخذت مواقف مناهضة للحكومة السورية وقطعت علاقاتها الدبلوماسية معها.

قبل ذلك بأربع سنوات تقريبا وفي حديث مع صحيفة "الشرق الأوسط" بتاريخ 20 يونيو 2017 توقع فورد أن تعجز بلاده عن الصمود أمام إيران في سوريا وأن تنسحب من هناك كما فعلت عام 1983 في بيروت، ولاحقا في العراق.

وبشأن هدف الرئيس الأمريكي -في ذلك الوقت- النهائي في سوريا، قال فورد إن ترمب "يريد تقليص النفوذ الإيراني هكذا سمعت من أحد مستشاريه قبل أسابيع"، مضيفا أن الرئيس "لا يعرف أن اللعبة انتهت. تأخروا كثيرا. أوباما لم يترك لإدارة خلفه الكثير من الخيارات لتحقيق هدفه".

أما عن الأكراد السوريين فقد رسم السفير الأمريكي السابق في دمشق صورة قاتمة لمستقبل علاقتهم مع بلاده، إذ اعترف أن واشنطن تستخدمهم فقط لتحقيق أهدافها، مضيفا "أعتقد أن ما نقوم به مع الأكراد ليس فقط غباء سياسيا، بل غير أخلاقي. الأمريكيون استخدموا الأكراد لسنوات طويلة ضد بغداد خلال حكم الرئيس العراقي صدام حسين. هل تعتقد أن الأمريكيين سيعاملون الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب بشكل مختلف عن هنري كيسنغر مع الأكراد العراقيين عندما تخلى عنهم. بصراحة، مسؤولون أمريكيون قالوا لي ذلك. الأكراد السوريون يقومون بأكبر خطأ في وضع ثقتهم بالأمريكيين". 

وكشف فورد أنه ارتكب ما وصفه بأكبر خطأ في حياته، حين ظن نهاية عام 2013 أن المسؤولين السوريين سيطلبون عفوا ويفرون إلى الجزائر أو روسيا أو كوبا وستكون هناك حكومة من المعارضة والمستقلين".

تصريحات السفير الأمريكي السابق في دمشق لو أخذت على محمل الجد خاصة أنها صادرة عن سياسي مهم في التركيبة السياسية الأمريكية تعكس في نفس الوقت حالة من الإنكار للواقع وجهلا واسعا خاصة أن فورد لم يستطع أن يفسر تجاهله لتأثير الدعم الروسي العسكري المباشر لدمشق في تطور الصراع، كما لم يتطرق إلى التنظيمات المسلحة التي حاربت الجيش العربي السوري وحصلت على دعم أمريكي وغربي بالسلاح بمئات المليارات من الدولارات والمجندين الأجانب الذين فاق عددهم 140 ألف استقدموا من حوالي 80 دولة.

 

تفكيك سوريا

 

نشر "مركز القرن الواحد والعشرين للأمن والاستخبارات" التابع لمعهد بروكينجز الأمريكي في شهر يونيو 2015، دراسة تحت عنوان: "تفكيك سوريا.. نحو إستراتيجية إقليمية لبلد كونفيدرالي". وأعد هذه الدراسة "مايكل أوهانلون" Michael O’Hanlon مدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينجز، حيث تناول فيها تطور السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الأزمة السورية منذ بداية ما يوصف أمريكيا بثورات الربيع العربي، ثم عرض إستراتيجية لتفكيك سوريا إلى مناطق حكم ذاتي تكون نواة لبلد كونفيدرالي، مع تقييم هذه الإستراتيجية وتوضيح عدد من المخاطر المحيطة بتطبيقها.

يوضح الباحث أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا منذ بداية الثورات العربية، كانت عبارة عن سلسلة من سوء التقدير، حيث مرت هذه السياسة بعدة مراحل.

قدر "أوهانلون" أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر والواسع أمر غير مطروح في ظل الإخفاق الذي حدث لواشنطن على مدار عشر سنوات في العراق. كما يذكر الكاتب أن تقسيم سوريا على أسس طائفية لن يعالج إشكالية التعامل مع المدن المختلطة الأعراق في البلاد.

من ناحية أخرى، فإن تشكيل جيش سوري جديد من عشرات الآلاف من المقاتلين وقادر على تحدي كل من "الأسد" و"داعش"، قد تبدو فكرة جذابة من الناحية النظرية، بيد أنها لا ينبغي أن تكون نقطة البداية في الوقت الراهن.

لذا، يذكر الباحث أن المسار الوحيد الجدير بالثقة في هذا الوقت، هو إستراتيجية لتفكيك سوريا، وجعلها دولة كونفيدرالية تتكون من مناطق حكم ذاتي بدلا من أن تكون تحت حكومة مركزية قوية.

ويرى الكاتب أن تدريب مقاتلي المعارضة في تركيا والأردن والدول الأخرى الصديقة، يجب أن يكون الخطوة الأولى في هذا الصدد. ولأن العديد من هؤلاء المقاتلين مترددون في ترك بلدهم والسفر إلى الخارج للتدريب، لذا يجب مساعدتهم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها على تأسيس مناطق آمنة وموثوق بها في سوريا، وهذه المساعدة لا تقتصر فقط على الدعم جوا، ولكن أيضا برا عن طريق القوات الخاصة. كما ستكون هذه المناطق مستقلة يتم فيها تدريب مقاتلي المعارضة، بالإضافة إلى توفير الإغاثة بشكل أفضل مما هي عليه الآن، وذلك بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، وأيضا توفير هياكل للحكم المحلى بها على درجة من التقدم.

ويقترح الباحث أن تكون واحدة من هذه المناطق على الأقل متجاورة مع الأردن، والأخرى مع تركيا، وأن يتم إنشاؤهما بالتعاون مع عمان وأنقرة، بحيث تسمح مواقعها بتوفير خطوط مواصلات آمنة للأفراد، فضلا عن الإمدادات العسكرية. كما أن واحدة من هذه المناطق ستكون للعلويين طالما لم يكونوا من المقربين لنظام "الأسد".

ويؤكد الكاتب على حاجة هذه المناطق للدعم من قوة حفظ سلام دولية، وضرورة أن تكون واشنطن جزءاً من هذه القوة، فبدون وجودها سيكون ثمة شكوك حول استقرار أي تسوية. وبمجرد تكوين هذه المناطق مع الوقت، يتعين أن تندمج فيما بينها لتكون بمثابة النواة للكونفيدرالية في سوريا. وفي بعض الحالات، إذا حدث صراع بين أعضاء المعارضة المعتدلة، فالأطراف الخارجية عليها أن تستخدم التهديد بوقف الدعم للحد من هذا السلوك.

وفيما يتعلق بالرئيس "بشار الأسد"، يؤكد الباحث أن الإستراتيجية يجب أن تكون موجهة في جزء منها ضد "الأسد"، ولكن دون أن تكون الإطاحة به هدفا عسكريا صريحا لها على المدى القصير، ولكن يتم تقليص الأراضي التي يحكمها حاليانظام "الأسد"، ثم يتم الإطاحة به بناء على خطة يتم تنفيذها تدريجيا.

من ناحية أخرى، يشير الباحث إلى أن هذه الإستراتيجية قد تخفف من معارضة إيران وروسيا للنهج القائم في سوريا، وربما تقلل من ميلهما لزيادة الدعم للأسد خاصة أنهما لا يحققان أي كسب مادي، فالإستراتيجية الجديدة توازن في تعاملها مع الدولتين ولا تجعل لهما دورا أساسيا، كما أن طهران وموسكو يدعمان الكونفيدرالية في سوريا طالما هي البديل عن الإطاحة الكاملة بالأسد أو القضاء على نفوذ العلويين في أي حكومة مستقبلية، أو البديل عن حرب أهلية مستمرة لأجل غير مسمى.

كما يؤكد "أوهانلون" على ضرورة استمرار هذه الإستراتيجية حتى في حالة سقوط نظام "الأسد"، ولكن بعد إدخال التعديلات عليها، لأنه في هذه الحالة ستظل المعارضة في حاجة إلى بناء قدراتها لمواجهة "داعش" باعتبارها المستفيد الرئيسي من سقوط "الأسد".

مصادر رصد ألمانية افادت بعد الكشف عن تقرير "أوهانلون" أن فكرة التقسيم إلى كونفيدرالية قابلة للتعميم في كل الدول المجاورة لسوريا بل لكل منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي، وتضيف أن مخططي البيت الأبيض يقدرون أن إقامة عشرات الدول الصغيرة في المنطقة سيساعد على حماية مصالح الولايات المتحدة وسيضمن الاستقرار ويسد الطريق أما استرجاع موسكو لعلاقاتها الوثيقة مع دول المنطقة.

 

المخطط

 

جاء في تقرير نشره موقع "ناشونال إنترست" الأمريكي في 9 يناير 2022: بدأ تدخل أمريكا في الصراع في سوريا بشكل جدي في عام 2013.

أمر أوباما وكالة المخابرات المركزية بإطلاق عملية “Timber Sycamore”، وهي عملية سرية لتدريب وتزويد قوات المعارضة السورية من أجل إجبار الأسد على الخروج من دمشق.

وحققت عملية “Timber Sycamore” نجاحا تكتيكيا، إذ قامت بتدريب وتسليح الآلاف من الفصائل السورية المقاتلة المشتتة التي حققت مكاسب كبيرة.

استولت قوات المعارضة المدعومة من وكالة المخابرات المركزية على مناطق واسعة من الأراضي التي يسيطر عليها النظام لدرجة أن المعارضة بدأت في تعريض المنطقة الساحلية، حيث النفوذ الأكبر للنظام السوري، للخطر.

أرسلت طهران اللواء في الحرس الثوري الإسلامي، قاسم سليماني، الذي اغتاله الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب في غارة جوية في كانون الثاني 2020، إلى موسكو باستراتيجية محددة لإنقاذ الأسد، ورد الروس بتدخل عسكري فوري على الأرض.

بدأت طائرات القوات الجوية الروسية في التحليق فوق سوريا، وفيما وصفته صحيفة “وول ستريت جورنال” بأنه “تحد مباشر” لإدارة أوباما، أقامت توازنا جديدا للقوى من خلال الاستهداف المنهجي للقوات العميلة لوكالة المخابرات المركزية وغيرها من “الإرهابيين”.

ولم تنقذ روسيا دمشق من الهزيمة فحسب، بل عززت موقفها العسكري المنتشر للأمام من خلال التوقيع على عدد من اتفاقيات إنشاء القواعد الدائمة مع نظام الأسد، مما أدى إلى احتجاجات غربية دائمة على ” النفوذ الخبيث ” الروسي في سوريا.

 

تبادل مسؤوليات الفشل

 

في مؤشر على مدى خلل تفكير ساسة واشنطن تجاه الأزمة السورية ما صرح به السفير الأمريكي السابق في سوريا بتاريخ الأول من فبراير 2021:

تناولت صحيفة foreignaffairs” ” الأمريكية قضية الانسحاب الأمريكي من سوريا في مقال لها كتبه روبيرت فورد، تحدث فيه عن الفشل الكبير للسياسة الأمريكية في سوريا بعهد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب.

وبحسب المقال، كان ترمب قد وعد مرارا وتكراراً بإخراج أمريكا من الأزمة السورية، لكن فورد أكد أن “جهود الولايات المتحدة طويلة المدى لإعادة بناء مجتمعات ما بعد الصراع وتحقيق الاستقرار لها كانت مضللة ومحكوم عليها بالفشل”.

وأضاف السفير الأمريكي في سوريا، كان لدى أمريكا “مشروع طويل الأجل في سوريا لكن إدارة ترمب تراجعت عن وعودها بالتخلي عن بناء الدولة في سوريا”، على حد وصفه.

وتابع فورد “حاولت الولايات المتحدة استخدام إمكاناتها العسكرية ومواردها المالية لإقناع الرئيس بشار الأسد بإجراء إصلاحات وإنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في الشمال الشرقي، تحت القيادة الأمريكية، وتطورت هذه المناطق إلى شبه دولة بجيشها الخاص، قوات سوريا الديمقراطية، وبيروقراطية راسخة خاصة بها التي تهيمن عليها قوات الدفاع الذاتي الشعبية الكردية وجناحها السياسي، حزب الاتحاد الديمقراطي”.

كما أوضح فورد “لم يتم اعتبار سوريا قط قضية مهمة للأمن القومي للولايات المتحدة، ولطالما اقتصرت المصالح الأمريكية هناك على الحاجة إلى منع الصراع من تهديد المصالح الأمريكية الأخرى في المنطقة”، وفق تعبيره.

 

خيارات بايدن..

 

جاء في تقرير نشر في واشنطن يوم 12 يناير 2022 حول سياسية الرئيس الأمريكي في سوريا جاء فيه:

بعد مضي سنة على تسلمه الحكم، ما هي سياسة بايدن تجاه سوريا ؟ هل تؤدي العقوبات الأمريكية على النظام السوري غرضها؟ وهل سيكون الرد الأمريكي شاملا على استهداف القوات الأمريكية في سوريا من طرف المسلحين؟.

برنامج "عاصمة القرار"على قناة "الحرة"، طرح هذا الموضوع على ضيوف الحلقة: روبرت فورد، السفير الأمريكي السابق في سوريا، وآندرو تابلر، الباحث في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، ومدير سابق لمكتب سوريا في مجلس الأمن القومي الأمريكي. وشارك في جزء من الحوار، الكاتب والمحلل السياسي السوري سمير العيطة.

يعتقد السفير روبرت فورد أن لإدارة بايدن ثلاثة أهداف في سوريا وهي: "هزيمة داعش، دعم وقف إطلاق النار خاصة في غرب سوريا، والتأكد من وصول المساعدات الإنسانية خاصة إلى شمال غرب سوريا وإدلب وشمال حلب". من جهته يتساءل آندرو تابلر عن كيفية تحقيق الأهداف التي ذكرها السفير فورد فيما "تعطي الإدارة الأمريكية الأولوية للشؤون الإنسانية، ولكن كيف يمكننا حث نظام الأسد على المساعدة في هذا المجال؟، كان هناك تهديد بفرض عقوبات لحث النظام السوري على تقديم بعد التنازلات".

يلاحظ الباحث الأمريكي ريتشارد غولدبرغ أنه "لا يوجد أي ردع أمريكي لإيران في سوريا. إن استمرار الوجود الأمريكي في سوريا والعراق ضروري لتحقيق أهداف أمننا القومي. لا تدعوا الأشخاص الذين سوقوا للانسحاب المتخبط من أفغانستان يوهمونكم بشيء آخر". فيما يعتقد الباحث الأمريكي جون آلان غاي أنه "يتم استهداف جنودنا في سوريا بصورة منتظمة. ليس لوجودهم هناك أي علاقة بالمصالح الحيوية لأمريكا وليس لدينا خطة المغادرة".

وردا على سؤال عن عدم مغادرة القوات الأمريكية سوريا إلى الآن، يعتقد الصحافي الأمريكي تريفور فيلسث، أن "الظروف الميدانية قد تحول دون أي خروج أمريكي من سوريا، ومن بينها الالتزام الذي قدمته واشنطن لحلفائها في قوات سوريا الديمقراطية بعدم الانسحاب، وعدم معارضة الرأي العام الأمريكي لاستمرار القوات الأمريكية في عمليات محاربة الإرهاب في سوريا والعراق. فضلا عن أنه لدى الإدارة الأمريكية مخاوف من أن يؤدي انسحاب كهذا إلى عواقب مشابهة لما حصل في أفغانستان، ما سيضر بشعبية الرئيس بايدن". برأي الصحافي الأمريكي تريفور فيلسث.

إلى ذلك، يدعو خوان كول، الأستاذ في جامعة ميشيغان، الرئيس جو بايدن إلى "إخراج الجنود الأمريكيين المحاصرين في مرمى نيران إسرائيل وإيران في سوريا. وذلك لتجنب حرب أخرى".

يقول آندرو تابلر إن هدف الإدارة الأمريكية السابقة "ترمب" كان دائما "التأثير على الموقع التفاوضي للنظام السوري، وعدم السماح لهذا النظام وإيران وروسيا بالفوز، لأن أهم أداة لأمريكا في سوريا هي العقوبات".

يأسف السفير روبرت فورد لأن "العقوبات تحظى بشعبية في واشنطن، دون أن يكون هناك أي تقييم لنجاحها، لا سيما أنها لم تجلب أي نوع من التنازلات السياسية الهامة من نظام الأسد.

يلاحظ آندرو تابلر أن هناك "جهودا من قبل الإدارة الأمريكية في ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية لتخفيف العقوبات، وذلك عبرالسماح ببعض الاستثناءات خاصة بنقل النفط، وبالتالي هناك تعديل لبعض العقوبات لتحفيز النظام للمساعدة على المستوى الإنساني. ولكن رغم ذلك، فإن النظام السوري لم يغير سياسته رغم تشجيعه والتخفيف من العقوبات عليه. والسؤال الأساسي برأي تابلر هو: "هل تستمر أمريكا في هذا الاتجاه أم تمنع نظام بشار الأسد من الحصول على الموارد التي يحتاجها للاستمرار في القيام بما يفعله؟"، لا يوافق السفير روبرت فورد على فرض المزيد من العقوبات لأنه " لا نرى أي نجاح لها إلى الآن، فهل فرض المزيد من العقوبات سيغير سلوك نظام الأسد في دمشق؟ لا أعتقد ذلك".

في هذه المسألة، يقول الكاتب السوري سمير العيطة، إن "العقوبات الأمريكية أثرت سلبا على السوريين وأفادت نظام بشار الأسد، خاصة عبر التهريب الذي تمارسه مخابراته". ويضيف الخبير السوري أن "هناك ترابط كبير بين الأزمتين اللبنانية والسورية، خاصة من الناحية الاقتصادية. وبالتالي لا يمكن النهوض بسوريا وحل الأزمة فيها من دون النهوض بلبنان. وهذا ما يجب على الإدارة الأمريكية أن تأخذه بالحسبان" عند مقاربة الأزمة السورية.

إلى ذلك، يشكك جوش روغن في الواشنطن بوست "بسعي إدارة بايدن لحل الأزمة السورية ومحاسبة نظام الأسد، وبأن الإدارة الأمريكية لم تستعمل عقوبات قانون قيصر". وينقل روغن عن مسؤولين في مجلس الأمن القومي الأمريكي إقرارهم بأن إدارة بايدن "لا تعارض تطبيع دول عربية مع نظام الأسد، على عكس ما تعلنه الإدارة".

 

استراتيجية

 

يعتقد السفير روبرت فورد أن الولايات المتحدة "فشلت بشكل سيء في سوريا"، ويتساءل السفير الأمريكي السابق في سوريا "كيف تستطيع الإدارة الأمريكية حل الأزمة السورية في حين أنه لا يمكن أن يكون هناك غزو لسوريا على غرار ما حدث عام 2003 في العراق؟" ويضيف السفير فورد، أن " فكرة أن يطيح الأمريكيون ببشار الأسد قد انتهت". على هذا يجيب آندرو تابلر أن "أمريكا لا تحاول الإطاحة ببشار الأسد، لا أيام ترمب ولا الآن في عهد بايدن، بل أن واشنطن تحاول إدارة الأزمة السورية عن طريق المحفزات والتنازلات. لكن ما هو غير واضح هو ما سيفعله بشار الأسد تجاه هذه التنازلات. وكيف سيتصرف نظام الأسد، فيما تسمح أمريكا بشراء ونقل الطاقة والغاز عبر الحدود".

من جهته يشدد السفير فريديرك هوف أن "السياسة الأمريكية تجاه سوريا قد تساعد في الاستقرار العالمي". ويقر بـ"فشل أمريكا في وضع سياسات تحد من تصرفات النظام السوري المدعوم من قوى دولية، ما جعل خصوم واشنطن يستنتجون أن أمريكا يمكن أن تصبح عاجزة رغم قوتها العسكرية، إما بسبب نقص الإرادة أو الثقة". ويضيف فريديريك هوف أن "فريق بايدن أمضى سنته الأولى في تقييم أداء الإدارات السابقة في الملف السوري، والنظر في الخيارات المطروحة، وخرج بسياسة متواضعة، تركز على الاستجابة للحاجات الإنسانية للسوريين، ودعم التسوية الأممية، وإعلان رفض دعم التطبيع العربي مع نظام الأسد. ينبغي على واشنطن عدم القبول باستمرار بشار الأسد في السلطة كأمر واقع والتخلي عن مبدأ الانتقال السياسي، وأن سوريا مرتبطة بأوكرانيا وتايوان، فهي كلها مناطق يسعى فيها خصوم أمريكا إلى إضعاف قدرتها على إحلال السلام الدولي".

إل ذلك، يقول جويل رايبورن إن "إدارة بايدن أغفلت وضع المحادثات بين النظام السوري والمعارضة على رأس أولوياتها، ولم تعين مبعوثا خاصا بسوريا لأنها ترى أن هناك ملفات أخرى أهم. إن إدارة بايدن تطمح إلى إدارة الأزمة السورية بدل وضع خطة شاملة لحلّها. إن الاستمرار في تجاهل الأزمة ينذر بانتقال الحرب خارج الحدود السورية". برأي جويل رايبورن وهو مسؤول سابق في إدارة ترمب.

ويصف الكاتب الأمريكي جوش روغن سياسة بايدن تجاه سوريا بأنها "غير منسجمة ومتناقضة، وإلى أن الهوة بين تصريحات إدارة بايدن وسياستها على الأرض يضر بمصداقية أمريكا ويقوي النظام السوري وروسيا وإيران، ويفقد الغرب ما تبقى له من أوراق ضغط للدفاع عن أبسط حقوق السوريين".

وفيما يناقش الباحثون وصناع السياسة في واشنطن أفضل سياسة أمريكية لحل الأزمة السورية، يبرز سؤال خلافي حول مدى "إمكانية إبعاد النظام السوري عن إيران" في هذه المرحلة من الأزمة السورية.

 

شهية واشنطن

 

بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تطرح تساؤلات عما إذا كانت سوريا– حيث لا يزال لدى الولايات المتحدة عدة مئات من العسكريين- ستكون التالية. تقول مجلة Foreign Policyالأمريكية بتاريخ 28 أغسطس 2021، إن إدارة بايدن قدَمت بالفعل مؤشرات على استعدادها للابتعاد عن دول الخليج التي تعيد إحياء العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، بدلا من منعها فعليا من القيام بذلك.  

يمثل هذا تحولا طفيفا، ولكنه مهم، في سياسة الولايات المتحدة كما تقول المجلة الأمريكية، كما هو مطروح في قانون قيصر في سوريا لعام 2019. ومع إظهار واشنطن شهية محدودة لفرض عزل سوريا- بما في ذلك من خلال الوسائل العسكرية- بدأت بعض الدول العربية في إخراج النظام السوري من عزلته الدبلوماسية.  

في الأشهر الأخيرة، عززت دول الخليج، لا سيما الإمارات والبحرين، من انخراطها مع النظام السوري، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، وفي إطار سعيها لتحقيق أهداف مختلفة. من ناحية أخرى، تواصل الكويت وقطر والسعودية عدم إبداء أياهتمام بالقيام بذلك. 

هناك حدود لمدى قدرة دول الخليج على تعزيز علاقاتها، تلك العلاقات التي تتأثَّر بشدة بسياسة إدارة بايدن الوليدة تجاه سوريا، والمدى الذي لا يزال واسع النطاق لعقوبات قانون قيصر. لكن القادة العرب يتذكرون بلا شك أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب أعلن الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية في ديسمبر 2018. 

وبالنظر إلى سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن إزاء أفغانستان، والتي تستند إلى إعلان مماثل بأن "المهمة أُنجزت"، فمن المرجح أن تستعد الولايات المتحدة للخروج من سوريا. وفي المقام الأول، من الصعب العثور على أي شخصٍ في الإدارة الأمريكية بإمكانه أن يجادل علنا بأن سوريا تمثل مصلحةً حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

قام بعض القادة العرب على ما يبدو، بما في ذلك الأردن والإمارات وغيرهما، بالضغط على أعلى المستويات في واشنطن لصالح الإعفاءات من العقوبات لدعم نطاق وصولهم إلى سوريا. من المغري وصف هذا التواصل بأنه سياسة واقعية من قبل الدول العربية- محاولة كسب النفوذ في سوريا وقيادة عملية إعادة الإعمار، فضلا عن الجهود المتضافرة لعزل سوريا عن تركيا وإيران. 

ومع ذلك، تختلف دوافع كل دولة عربية في الدعم والمبادرات التي اتخذتها، تلك المبادرات التي تعتبر بمثابة تحركات "تموضع مسبق" قبل التوصل إلى تسوية سياسية، بدلا من خطوات نهائية نحو تطبيع العلاقات مع الأسد في ظل الأوضاع الراهنة. 

في الواقع، سيكون التوصل إلى تفاهم مع الأسد مريرا للغاية ولا يمكن ابتلاعه كما تقول المجلة الأمريكية، خاصة بالنسبة للمملكة السعودية، بالنظر إلى العداء الشديد الذي تشعر به المملكة تجاه الأسد وعائلته مباشرة. ورغم أن القيادات الإماراتية والبحرينية أقل حساسية، لن تتسم البيئة الحالية بأي قدر من الرحمة، ومن غير المرجح أن تفوق المكافآت مخاطر وعواقب التطبيع. 

ومع ذلك، وبعد عقد من الصراع، تبحث دول الخليج عن طرقلتطوير حل عربيٍ للحرب، وبذلك تعيد سوريا إلى ما يسمى بـ"الحظيرة العربية". هذا أمر يطول، وفي الحقيقة من غير المرجح حدوثه إلى حد كبير، لكن العمل نحو هذا الهدف يمنح دول الخليج العربية السبق في حال تغلبت الولايات المتحدة على تراجع متسرعأو توصلَت إلى اتفاق مع روسيا بشأن شكل تسوية سياسية. ورغم أن هذه الخيارات ربما بدت غريبة قبل بضع سنوات، فقد بدأت الآن تبدو أكثر واقعية. 

ينبغي النظر إلى جهود دول الخليج لإعادة بناء العلاقات مع النظام السوري في ضوء ذلك. إنها محاولةٌ لإعادة تأسيس وتنمية علاقات العمل بعد توقف دام عشر سنوات، لكن هذه المرة ستكون أكثر فاعلية. لقد ولَّت تلك الأيام التي كانت فيها دول الخليج تواجه أزماتها الإقليمية بدفتر شيكات مفتوح كما تقول "فورين بوليسي". فشل هذا النهج فشلا ذريعا عدة مرات، بما في ذلك في العراق ولبنان، حيث تفوق المنافسون الإقليميون مثل إيران على دول الخليج. هناك في الواقع شهية ضعيفة بين دول الخليج العربية لتمويل إعادة إعمار سوريا دون ضمانات بتلبية مصالحها السياسية بالكامل.

 

دوافع خليجية مختلفة

 

حافظت سلطنة عمان على علاقات دبلوماسية رفيعة المستوى مع سوريا طوال فترة الصراع، وقد عززت مؤخرا وجودها الدبلوماسي في البلاد. ورغم افتقارها إلى رأس المال السياسي للضغط من أجل إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، فقد انضمت إلى الإمارات والبحرين والأردن لتحقيق هذا الهدف.  

في غضون ذلك، أصبحت الإمارات أقوى منذ إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، بدافع هدفه منافسة النفوذ التركي في شمال سوريا، كجزء من الصراع الأوسع مع أنقرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

على سبيل المثال، باستخدام ذريعة الدبلوماسية الإنسانية على خلفية جائحة كوفيد-19 خلال عام 2020، انخرطت الإمارات مع دمشق لتشجيع الأسد على كسر الهدنة التي توسطَت فيها روسيا في إدلب لمحاربة قوات المعارضة المدعومة من تركيا. 

وفي الوقت نفسه، لا ترى الإمارات أن العمل مع نظام الأسد والميليشيات الكردية، أمر متناقض، معتقدة أن أي تسوية يتم التوصل إليها ستساعد في حل خلافاتهم. وفي الواقع، منحت أبوظبي ثقلا سياسيا لـ"مشروع النفط" الكردي لإدارة ترمب، والذي كان يهدف إلى تزويد قوات سوريا الديمقراطية بمصدر دخل مستقل- بغض النظر عن الشرعية- حتى تتمكن من مواصلة قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية والقوات التركية في المنطقة في نفس الوقت.

أما مصالح المملكة السعودية، فهي محدودة في نطاقها في الوقت الحالي، رغم أن تقويض النفوذ الإيراني والعمل مع حكومة سورية في ظل الأسد تظل أهدافا طويلة الأمد.

 

خسرنا جميعا

 

استبق وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، انعقاد القمةالعربية المقررة في العاصمة الجزائرية في شهر مارس 2022،بالحديث عن مساعي دمشق لإعادة علاقاتها العربية وتمتينها،سواء تحت مظلّة "الجامعة" أو حتى خارجها، مشيرا إلى عودةالعلاقات السورية مع عدد كبير من الدول العربية، كاشفا عن"توجيه رسائل خلال الأيام الماضية إلى معظم وزراء الخارجيةالعرب بأننا خسرنا جميعا كعرب، حيث تستباح دولنا يوميا،والوضع العربي الاقتصادي ليس جيدا، لذلك علينا العودة إلىبعضنا". وجاءت هذه التصريحات بعد شهور من مساعٍ بدأتهادول عدة، على رأسها الأردن والإمارات والجزائر ومصر، لإعادةسوريا إلى مقعدها المجمد في "الجامعة العربية" منذ نحو عشرةأعوام، لكنها اصطدمت برفض قطري وسعودي، الأمر الذيأدخلها في دوامة لا يبدو أنها ستخرج منها في الوقت الحالي. 

المقداد، الذي كرر في تصريحاته المبادئ التي تعتمدها دمشقلحل الأزمة في سوريا، وعلى رأسها رفْض التدخل الخارجي فيمسارات الحل، وخروج الاحتلالَين التركي والأمريكي كخطوة لا بدمنها للتوصل إلى تسوية، استبق أيضا تحديد موعد للجولةالجديدة من مباحثات "اللجنة الدستورية"، معلنا رفْض دمشقخطّة المبعوث الأممي، غير بيدرسون، المسماة "خطوة مقابلخطوة"، ومشددا على عدم المساس بمؤسسة الجيش في أيمباحثات سياسية. وخلال الشهور الماضية، تبنّى بيدرسن مقاربةتسعى إلى تحقيق تقارب سياسي بين القوى الفاعلة في الحربالسورية، عن طريق تقديم تسهيلات متبادلة، متمثّلة في تخفيفوطأة العقوبات الأمريكية مقابل خطوات محددة تقوم بها دمشق،الأمر الذي قابلته روسيا بالرفض، كونه يتعارض مع مساري"الدستورية" و"أستانا" من جهة، ويمهد الأرض أمام وجودأمريكي طويل الأمد في سوريا، وهو الموقف نفسه الذي اتخذتهالحكومة السورية. بدوره، أعلن "الائتلاف السوري" المعارِض،بدفْع تركي، رفْضه أيضاً مقاربة بيدرسون، والتي تعتبر أنقرة أنهاتساهم في ترسيخ "الإدارة الذاتية" الكردية، التي يقودها حزب"الاتحاد الديموقراطي" الذي تعتبره امتدادا لحزب "العمالالكردستاني" المصنّف على لوائح الإرهاب التركية. وبذلك، عادتجهود التسوية السورية، تلقائيا، إلى مساري "الدستورية" و"أستانا"، على رغم فشل هذين المسارَين حتى الآن في تحقيقأي تقدم ملموس، باستثناء تجميد خريطة السيطرة الحالية،وتراجع العمليات القتالية إلى الحدود الدنيا.

 

خطة المبعوث الأممي

 

وفي وقت سجل فيه تصاعد في الحراك السياسي المرتبط بالملفالسوري، بما في ذلك الجهود التي تبذلها السعودية وقطر لإعادةبلورة مشروع المعارضة السورية عن طريق دعم إجراء تغييرات في"الائتلاف"، وتوحيد التشكيلات المتشرذمة، أطلق المبعوث الأمميتصريحات من العاصمة الإيرانية طهران، تهدف إلى تبريدالأجواء، عن طريق تأكيده أن "الأطراف لم تعد تتحدث عن إسقاطالنظام السوري". وعلى إثر ذلك، سافر بيدرسن إلى الدوحة التيتستضيف في الوقت مجموعة كبيرة من وجوه المعارضة السورية،حيث التقى وزير الخارجية القطري نائب رئيس مجلس الوزراء،محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وعددا من المعارضين، من بينهمرئيس وفد "هيئة التفاوض"، أنس العبدة. لكن تصريحاتبيدرسون قوبلت بأصوات رافضة في الدوحة، إذ خرج رئيس"الائتلاف"، سالم المسلط، بتغريدات تؤكد استمرار المساعيلـ"إسقاط النظام"، الأمر الذي يتوافق مع التصعيد التركي - السعودي المشترك في الساحة السورية، ومحاولة إعادة هيكلةالمعارضة، وتثبيت موطئ قدم لها، بعد أن عجزت طيلة السنواتالماضية عن ذلك، في ظل حالة الاقتتال الفصائلي في مناطقنفوذها شمال حلب، ونمو "هيئة تحرير الشام" ورغبتها في قضمتلك المناطق، بالإضافة إلى نمو "الإدارة الذاتية" المدعومة أمريكيا. ومن شأن هذه المواقف والتحركات أن تؤدي إلى عرقلة جهودبيدرسون لعقد جولة جديدة من مباحثات "اللجنة الدستورية"،على رغم تحديد موعد مبدئي لها شهر ديسمبر 2021، لم يتمحسمه بعد.

 

اللاذقية منطقة محظورة

 

ميدانيا، كثّفت الطائرات الحربية الروسية والسورية غاراتها علىمواقع في البادية السورية يتحصن فيها مقاتلون تابعون لتنظيم"داعش"، وذلك إثر تنامي نشاط عناصر التنظيم، توازيا مع قرارالولايات المتحدة الإبقاء على قواتها في سوريا تحت عباءة"محاربة الإرهاب". كذلك، أغارت طائرات حربية روسية علىمواقع يتحصن فيها مقاتلون تابعون لـ"هيئة تحرير الشام" فيمناطق عدة في ريفَي إدلب وحلب، في وقت استقدمت فيه تركياتعزيزات عسكرية جديدة إلى نقاط تتمركز فيها في منطقة جبلالزاوية، التي تُعتبر الجيب الأخير الذي تسيطر عليه الفصائلالمسلّحة على طريق حلب – اللاذقية. كما بدأت عمليات تدريبلمقاتلين تابعين لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب، بهدف تحصينمواقع انتشار الجيش التركي، والتحضير لأي مواجهات مستقبليةفي المنطقة التي تُماطل أنقرة في تنفيذ تعهدها إنهاء وجود"الإرهاب" فيها، وفتْح الطريق الدولية بين حلب واللاذقية هناك. 

زيادة على ذلك قامت موسكو خلال النصف الأول من شهر يناير2021 بتحرك عسكري موجه أساسا ضد إسرائيل التي تصعدتعاونها مع أنقرة بدعم أمريكي واسع لمنع دمشق من تعزيزمراكزها على الساحل المتوسطي وتطوير قدراتها على تجاوزالحصار الإقتصادي الأمريكي عبر استخدام القوة العسكريةالإسرائيلية لتوجيه ضربات إلى منافذ سوريا البحرية تحت غطاءمبررات مختلفة. 

يوم 18 يناير 2022 جاء في تقرير نشره موقع الحرة الأمريكي: 

سيرت القوات الروسية، الثلاثاء 18 يناير، دوريات مشتركة معقوات النظام السوري في ميناء اللاذقية السوري، مما يطرحتساؤلات عن الهدف من هذه الخطوة، التي تعتبر الأولى مننوعها، وتأتي بعد أسابيع من ضربات نسبت لإسرائيل، استهدفت"ساحة الحاويات التجارية" فيه.

وجاء الإعلان عن تسيير الدوريات من جانب وسائل إعلام روسية،حيث استعرضت العديد من الصور، ووثقت فيها انتشار القواتفي مناطق متفرقة من الميناء، إلى جانب عدد من السياراتالمصفحة والمدرعة.

ولم يعرف بالتحديد الهدف من هذه الخطوة الروسية، واللافت أنالكشف عنها تزامن مع إعلان "القرم" توقيع اتفاقية تعاون تجاريبين موانئ شبه الجزيرة، من جهة وإدارة ميناء اللاذقية من جهةأخرى.

وكانت الضربات "الإسرائيلية"، في 28 من ديسمبر 2021، قداستهدفت بحسب وسائل إعلام شحنات أسلحة إيرانية "مخبأةضمن الحاويات التجارية"، مما أسفر عن "خسائر وأضراركبيرة"، بحسب ما قالت وكالة الأنباء السورية "سانا".

وأثارت الضربات في ذلك الوقت جدلا واسعا داخل الأوساطالمؤيدة للنظام السوري، حيث انتقد مواطنون وصحفيونوسياسيون طريقة التعاطي الروسية معها.

وعلى مدى السنوات الماضية تحدثت تقارير غربية عن ميناءاللاذقية، واعتبرت أن إيران تستخدمه لتمرير شحنات الأسلحةالتي تحتاجها ميليشياتها، كما جعلت منه محطة لتمرير النفطوالوقود إلى النظام السوري وميليشيا "حزب الله" في لبنان.

ولا يرتبط الميناء بأي عقد واضح حتى الآن، على عكس مرفأطرطوس، الذي استحوذت عليه موسكو، قبل سنوات، بعقد مدته49 عاما.

ويتولى ميناء اللاذقية استقبال معظم الواردات القادمة إلىسوريا، البلد الذي تفرض أمريكا عليه عقوبات، بهدف دفع نظامالأسد لتقديم تنازلات سياسية، بموجب القرار الأممي 2254.

وإلى جانب الهجوم الأخير وقع هجوم آخر في السابع منديسمبر 2021، عندما أفادت وسائل إعلام سورية بأن طائراتحربية إسرائيلية قصفت محطة الحاويات، مما أدى إلى اندلاعحريق كبير أيضا.

تعتبر الدوريات التي تحدثت عنها وسائل إعلام روسية، وما تبعهامن الاتفاقية التي أعلنت عنها شبه جزيرة القرم "خطوتينلافتتين"، بحسب ما يقول محللون وباحثون سوريون لموقع"الحرة".

وقال موقع "rusvesna" الروسي، الذي انفرد بنشر صورالدوريات، إنها أجريت بمشاركة "وحدات خاصة من الشرطةالعسكرية الروسية، وباستخدام مركبات كاماز- 43501 وباترولوتايغر، ورافقها تحليق لطائرات مسيرة تابعة للقوات الجويةالروسية".

وأضاف أن "تسيير الدورية جاء بعد معلومات استخباراتية بشأنهجمات إرهابية وشيكة من قبل الفصائل المتطرفة في محافظةإدلب"، مشيرا نقلا عن تقارير إلى أن "مسلحين كانوا يعدون فرقتخريب تحت الماء لتنفيذ تفجيرات في مينائي طرطوس واللاذقية".

لكن المحلل العسكري السوري، العميد أحمد رحال، اعتبر أنالتبريرات المذكورة "لا أساس لها من الواقع والحقيقة"، وهذايرتبط ببعد مدينة إدلب جغرافيا، وطبيعة المنطقة الخاصة بالميناء،والتي تخضع بالكامل لسيطرة النظام السوري وروسيا بشكلخاص.

ومنذ عام 2016 تستهدف إسرائيل، بطريقة تبتعد عن التبني،مواقع عسكرية في عموم المناطق السورية التي تخضع لسيطرةالنظام السوري، من الجنوب وصولا إلى الشمال والشرق والغرب.

ويصر الجيش الإسرائيلي على مواصلة ضرباته الصاروخيةوالجوية داخل سوريا، ويقول إنها لمنع إعادة التموضع الإيرانيفي المنطقة.

ومن بين أبرز المواقع التي تلقت الضربات، المطارات الجوية، سواءمطار دمشق الدولي أو مطار "تي فور" الواقع في ريف محافظةحمص السورية، وسط البلاد.

ويقول المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر، إن"روسيا تضع على رأس أولويات مهام تواجدها العسكري فيسوريا الحفاظ على نظام التهدئة ووقف إطلاق النار والاقتتالعلى كافة الأراضي السورية".

ولتحقيق هذا الهدف، يضيف الشاعر: "يتم نشر دوريات روسية،أحيانا ما تكون مشتركة مع الجيش العربي السوري، أو معالجيش التركي، وبالتنسيق مع مجموعة أستانا، كما تقومباتصالاتها مع الدول المجاورة لسوريا بما في ذلك إسرائيل".

"ولا تلتزم إسرائيل أوتتجاوب مع الجهود الروسية، فيما يخصباحترام السيادة ووحدة الأراضي السورية. الاعتداءات مستمرةمن جانبها، وبتأييد من واشنطن"، بحسب تعبيره.

ويشير الشاعر: "لهذا فمن غير المستبعد تواجد الدورياتالعسكرية الروسية أو المشتركة في المواقع الاستراتيجية السورية،ومن بينها الموانئ أو المطارات وغيرها".

ويتابع: "تواجد روسيا يعد خطا أحمر، لا يمكن تجاوزه من قبلالأمريكيين أو حلفائهم، بما فيهم إسرائيل. الاعتداء على أو قصفأهداف أو منشآت يمكن أن يكون من بين ضحاياها أفراد منالقوات العسكرية الروسية الموجودة على الأراضي السورية".

عمر نجيب

[email protected]