نصير القضايا العادلة/ الدكتور عبد الله ولد بيان

ثلاثاء, 2020-07-21 18:40

ليلة اختياري لرئاسة المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، بداية إبريل 2015، كان عليّ أن أسافر خارج البلاد مساء اليوم الموالي. فقررت صحبة وفد من المنظمة زيارة الزعيمين بيرام ولد اعبيد وإبراهيم ولد بلال في سجن ألاگ قبل السفر. تواعدنا صلاة الفجر في أحد مساجد تنسويلم، لننطلق منه مبكّراً بسبب ضيق الوقت، ولكي نسبق زوّار انواكشوط. مع ذلك كانت مفاجأتي عند وصولنا إلى السّجن أن وجدنا الأستاذ العميد إبراهيم ولد أبتي قد أنهى زيارة الزعيمين، والتقينا به وهو يهمّ بالخروج عائدًا إلى انواكشوط! إنّه موعد مع السّبق في الوقوف إلى جانب أصحاب المظالم لم يخلفه الرّجل منذ أكثر من ثلاثين سنة. 

تحتفظ ذاكرتنا الوطنية بدفاع الأستاذ أبتي عن أطياف واسعة من أصحاب المبادئ والمظالم، من مختلف أبناء الشعب الموريتاني. منهم السجناء البعثيون والقوميون الزنوج والإسلاميون ومنهم فرسان التغيير وزعماء الحراطين والنشطاء والمدونون وأصحاب المظالم العاديون.. حيث ظل، ولا يزال، العنوان الثابت للدفاع عن الحقوق والحرّيات في بلادنا؛ يحمي حماها ويرمي من رماها بمنكب. وقد كنت شاهدا على جانب من ذلك عن قرب، خلال أكثر من ثلاث سنوات قضيتها في ميدان العمل الحقوقي المباشر. وأكتفي منها الآن بالتذكير بجميلٍ له في عنق كل موريتاني، من خلال جهوده في الدفاع عن المهندس محمّدو ولد صلّاحي. 

‎فعلى الرغم من تجبر نظام ولد الطايع، وصعوبة تجاوب الرأي العام والنخب السياسية والحقوقية أيام حكمه (بل وحتى اليوم) مع الانتهاكات التي لها صلة مفترضة بملفات الإرهاب، فقد آمن الأستاذ إبراهيم مبكّراً بعدالة قضية ولد صلّاحي، بمجرد سماعه لخبر تسليمه إلى الولايات المتحدة.
 
‎فقام -وبدون أن يطلب منه ذلك أحد- بالبحث عن أسرة هذا المعتقل ليحصل منها على وثيقة توكيل تساعده في مواجهة ذلك النظام المستبد، وتكون أساساً لحمل الملف إلى المنابر العالمية. فحصل على توكيل من والدة محمدو السيدة مريم بنت أبوبكر ولد الوديعه في فبراير 2003 موثق من قبل الأستاذ محمد الأمين ولد الحيسن، الذي سيُصبِح بعدها سفيراً في واشنطن ونيويورك. ثم أشفعه بتوكيل آخر من زوجة ولد صلّاحي حينها السيدة الزهرة بنت المختار السالم في إبريل 2003 (لدي نسخة من التوكيليْن)، لينطلق منذ تلك اللحظة في مواجهة نظام ولد الطايع، وليبدأ مبكراً الحملة الدولية للضغط من أجل محمدو. ويذكر هنا أن المحامية السيدة نانسي هولاندر، رئيسة فريق دفاع ولد صلّاحي فيما بعد وأقدمهم اتصالا به، لم تتبنّ قضيته إلا سنة 2005، بعد أن حمل الأستاذ أبتي هذا الملف إلى فرنسا ثم لاحقاً إلى الولايات المتحدة. وقد كان شرف تعرفي الشخصي عليه أول مرة عندما التقيته في واشنطن (الصورة) قادما من فلوريدا صحبة محامية فرنسية في إطار قضية ولد صلّاحي.
‎وقد ظل يدافع عنه حتى إطلاق سراحه. وكانت مرافعته التي أرسل لجلسة يونيو 2016، الممهدة للإفراج عنه، أهم المرافعات المقدمة.

فاختيار هذا النبيل لرئاسة نقابة المحامين الموريتانيين ليس اختيارا لكفاءة الرجل ومهنيته وتجربته الطويلة في المحاماة فحسب، وإنما هو -فوق ذلك- رفع من شأن الاهتمام بالدفاع عن الحريات ومناصرة حقوق الإنسان. فقد ظلّ الجواب الذي يتلقاه المكروبون من أصحاب المظالم، داخل الأوساط الحقوقية، لأكثر من ثلاثة عقود: عليكَ بمحام اسمه إبراهيم ولد أبتي، فإنه لا يخذل صاحب أية قضية عادلة.