لنا الغد../ طلال سلمان

أحد, 2020-01-26 15:19

لا يمكن الحديث عن انتفاضة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 في مصر بوصفها حدثاً عادياً، أو مجرد منطلق لثورة شعبية لم يشهد الوطن العربي لها مثيلاً.

لقد كان ذلك اليوم فاتحة لعصر التغيير نحو الأفضل: سبقته انتفاضة تونس (محمد البوعزيزي)، ولحقت به انتفاضات وثورات عديدة، بدأت في ليبيا ـ معمر القذافي الذي انهت وجوده الانتفاضة ضده بصورة بشعة وغير مألوفة، ثم محاولة التغيير بالقوة في سوريا عبر مناصري السلطان التركي (أردوغان)، وصولاً الى لبنان والانتفاضات المتوالية التي عجزت عن تغيير جذري في هذا النظام الذي استولده الاستعمار، وورثته الامبريالية الأميركية فادت منه كمحطة للتنصت ومن ثم التآمر على كل من يعاديها في المشرق العربي.. وبعدها مضت تسعى مع تركيا وعبرها مع واشنطن والمتواطئين من مغتصبي العروش في السعودية وما جاورها من “دول” أقامها الاستعمار البريطاني ثم أورثها للإمبريالية الأميركية لكي تعزز حمايتها للكيان الاسرائيلي بحيث يغدو أقوى من دول المشرق العربي مجتمعة، وهي التي تعاني ـ بعد ـ من الإرث الاستعماري الثقيل.

ولقد نجحت قوى الهيمنة الأجنبية التي تتجمع فيها قدرات الولايات المتحدة الأميركية والعدو الاسرائيلي وأخطاء الأنظمة العسكرية الحاكمة في العديد من الدول العربية من خلف ظهر الشعب ولو انها ادعت تمثيله، في استيلاد “حركات ثورية” مزورة، دغدغت احلام الناس بالتغيير، ثم باعت الأوطان والدول للإدارة الأميركية ومعها الكيان الاسرائيلي عبر إجهاض النظام العربي بالانتفاضات الشعبية، تمهيداً لتمرير الصلح مع العدو الاسرائيلي، تحت الرعاية الأميركية، في كمب ديفيد، ليبدأ عصر الهزيمة والتخلف واحتقار الذات والنظر الى اسرائيل وكأنها العدو الذي لا يقهر..

… وعندما نجحت المقاومة الاسلامية (“حزب الله”) في لبنان، في الحاق الهزيمة بالعدو الاسرائيلي في 25 أيار (مايو) 2000 ، جاءتها الوفود الملكية والاماراتية والجمهورية “منافقة” تمهيداً لمحاصرتها في لبنان ومحاولة “خنقها” فيه ومنع تمددها الى الأقطار العربية الأخرى التي كانت شعوبها تملأ الساحات بصور السيد حسن نصر الله بوصفه “بطل الأمة” و”قائد التحرير”.

اليوم تتواطأ العروش الملكية والأميرية والجمهورية مع العدو الاسرائيلي على المقاومة.. وتندفع الى الصلح مع اسرائيل في ظل غطاء اسرائيلي ـ أميركي مصفح، ويتجول رئيس حكومة العدو الاسرائيلي نتنياهو في الدول العربية، يلتقي ملوكها ورؤساءها وسلاطينها، حتى لا ننسى سلطان عُمان الراحل قابوس.

انها “حرب الردة” على حركة الثورة العربية الجديدة.

انها “حرب الصلح بالإذعان”، بل الخيانة الصريحة، مع العدو الاسرائيلي والتخلي عن القضية المقدسة فلسطين وعن شعبها الذي ما زال يقاوم بدمائه، ويخرج كل يوم للمواجهة مع عدوه ـ محتل أرضه ـ محتل ارادة الأمة العربية جميعاً، يهتف لفلسطين وللوحدة وللأمة وللتحرير ولكن “لا حياة لمن تنادي”!

ان الثورة آتية، لا ريب فيها، حتى لو تأخرت عن التوقيت المرتجى.

والثورة ليست “هبة” وليست انتفاضة مرتجلة..

انها حصيلة نضال مرير، على المستوى الفكري، ثم على المستوى النضالي قبل أن تقتحم الميدان السياسي وقد أعدت عدتها للتغيير.

وللتغيير توقيته الخاص: لا يمكن استقدامه قبل نضوج شروطه الموضوعية في المجتمع، ولا يمكن تأخيره متى دقت ساعته..

… ونحن في انتظار تلك الدقات المن طرب مصفى: بشارة التغيير بالثورة واقتحام العصر بالقدرة على صنع الغد الأفضل.

وفي لبنان وعبره يسمع العالم طبول التغيير تدق كما الزغاريد اعلاناً بقبول موعد ولادة المعجزة التي صنعتها الإرادة الشعبية التي صمدت في الشارع لمائة يوم متصلة، تهتف للتغيير وتعمل له بلا كلل أو ملل أو تغيب في انتظار المعجزات الغيبية.

الشعب هو صانع التغيير، وهو المتدخل لتطويع الغيب من اجل انتصاره بالثورة، على قاهريه بالداخل (عبر صراع الطوائف) وفي الخارج (عبر صراع المصالح..)

نحن الشعب لنا الغد.. ومجده المخلد!

كاتب ورئيس تحرير صحيفة السفير