ماذا يعني انعقاد مؤتمر “دافوس الصحراء” الاستثماري ومشاركة الامير بن سلمان فيه بحضور وفود روسية وصينية ضخمة؟

ثلاثاء, 2018-10-23 18:44

من المفارقة ان المملكة العربية السعودية عقدت مؤتمر الاستثمار الدولي، او “دافوس الصحراء” في فندق الريتز كارلتون الذي احتجز فيه الامير محمد بن سلمان، ولي العهد، حوالي 350 من رجال الاعمال السعوديين بينهم حوالي 13 اميرا، ابرزهم الوليد بن طلال، الملياردير المعروف، وتردد انه اجبرهم على دفع حوالي 30 مليار دولار من اموالهم واصولهم اتهموا بجمعها عبر عمليات تجارية شابها الفساد.
دول عربية عديدة مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا وهولندا الغت مشاركة وزراء ماليتها في هذه الفعالية احتجاجا على الدور السعودي الرسمي في اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، ولكن وزير الخزانة الامريكي ستيفن منوشين الذي قال انه الغى مشاركته وصل الى الرياض والتقى الامير بن سلمان، وبحث معه كيفية تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين.
مخاوف الرئيس دونالد ترامب من احتمال حصول الصين وروسيا على صفقات تجارية ضخمة من السعودية بعشرات المليارات من الدولارات يبدو انها غير مستبعدة، فقد كان حضور شركات ووفود من البلدين طاغيا على المؤتمر ولا نستبعد ان يكون وزير الخزانة الامريكي في الرياض ولقائه بالامير بن سلمان جاء لبحث هذه المسألة، وضمانه صفقات الاسلحة الامريكية التي تقدر بحوالي 110 مليار دولار هذا العام فقط.
 ***
الرئيس بوتين الذي كان الاقل تعاطفا مع مقتل الخاشقجي، يريد القبول بالرواية الرسمية السعودية والاسترشاد بالمعلومات الرسمية المتعلقة بهذه الجريمة والتي تؤكد على عدم ضلوع افراد العائلة الحاكمة، والامير محمد بن سلمان تحديدا في اي من فصولها.
صك البراءة الروسي هذا يهدف الى الوقوف مع السعودية في مواجهة اخطر ازماتها، على امل الحصول على حصة كبرى من الصفقات التجارية والتسليحية خاصة ان الامير بن سلمان زار موسكو اكثر من مرة، وعبر عن اهتمامه بشراء صواريخ “اس 400” الروسية، وحوالي 15 مفاعلا نوويا للاغراض السلمية، ولعله الآن، وهو الذي شارك في هذا المؤتمر الاقتصادي، وقدمه على جلسة مجلس الوزراء التي غاب عنها، ويريد ان يوجه رسالة لامريكا بان البلدين الروسي والصيني جاهزان.
الكاتب السعودي تركي الدخيل المقرب من الامير بن سلمان غرد بقوله ان الرد على اي عقوبات امريكية على السعودية سيكون باقامة قاعدة روسية في تبوك (شمال غرب السعودية) وشراء صواريخ وطائرات حربية روسية، ولكن السلطات السعودية تبرأت من هذه “التغريدة”، وتنصلت من مضمونها.
رئيس الوزراء الباكستاني الجديد عمران خان الذي قدم نفسه على انه نصير الفقراء، وبشر بسياسة باكستانية خارجية مختلفة تنهي تبعية بلاده الى اي محاور اقليمية، لخص حال المشاركين في المؤتمر الاقتصادي المذكور بقوله “انه يأسف لمقتل الخاشقجي.. ولكن بلاده بحاجة الى المال ولهذا شد الرحال الى الرياض”، في حديث اجرته معه صحيفة “الاندبندنت” البريطانية، وقد كان محقا وكوفئ على هذه الزيارة والمشاركة بـ 3 مليار دولار، مثلما اعلنت السعودية اليوم.
قلناها، ونكررها، المال والصفقات تتقدم على حقوق الانسان وقيمتها، ولهذا هرول الكثيرون للمشاركة في هذا المؤتمر، واستغلال غياب مسؤولين ورؤساء بنوك وشركات غربية للمشاركة فيه، والحصول على شريحة من الكعكة المالية السعودية.
لا نعرف من اين ستأتي القيادة السعودية بمئات المليارات التي يمكن ان ترضي كل هؤلاء الذين يقدمون قصعة تسولهم اليها، فالاحتياطات المالية التي كانت تقدر بحوالي 750 مليار دولار قبل اربعة اعوام تبخرت او معظمها، بسبب الاتفاق التسليحي الكثيف، وحرب اليمن التي تكلف الخزانة السعودية ما يقرب من 9 مليارات دولار شهريا، حسب تقرير لمعهد بروكنغز الامريكي الشهير، والعجوزات في الميزانية السعودية التي تقدر بحوالي 90 مليار دولار في المتوسط طوال السنوات الثلاث الماضية.
 ***
الامير محمد بن سلمان الذي يريد ان يجعل من السعودية اكبر قاعدة استثمارية في العالم كان يراهن على تخصيص نسبة من شركة “ارامكو”، ولكن هذه العملية تأجلت او الغيت، لان ترامب يريد ان تكون اموال هذه الخصصة مستثمرة في السوق المالي الامريكي، او بورصة “وول ستريت” في نيويورك، الامر الذي لا يطمئن السعوديين، فهذه الاموال معرضة للتجميد في اي لحظة خاصة اذا تم تفعيل قانون “جيستا” او تم فرض عقوبات اقتصادية على السعودية.
المضي قدما في عقد مؤتمر الاستثمار في الرياض ومشاركة الامير ين سلمان فيه المتهم من قبل كثيرين بالوقوف خلف عملية اغتيال الخاشقجي، جاء للتأكيد بأنه باق في مكانه حاكما فعليا للسعودية، وان الامور تسير على ما يرام “ويا دار ما دخلك شر”.
مجيء خطاب اردوغان امام البرلمان اليوم خاليا من اي ادلة جديدة موثقة، وعدم الكشف عن جثمان الضحية ومكانه، ليكشف عن احتمالات حدوث “صفقة ما” دائمة او مؤقتة.. والله اعلم.
عبد الباري عطوان