كيف نفسر هذا العناق المصحوب بالقبلات الحارة بين وزيري الخارجية السوري والبحريني في أروقة الأمم المتحدة؟

أحد, 2018-09-30 22:36

كان العناق الذي تم في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بين السيد وليد المعلم، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السوري، مع نظيره البحريني، الشيخ خالد بن احمد آل خليفة، نادرا بالفعل وغير مسبوق، ليس بسبب حرارته وتبادل القبلات بين الرجلين، وانما لان قناة “العربية” وشقيقتها قناة “الحدث” هي من بثته، ولأكثر من مرة على شاشاتها مع تعليق لافت يقول “انها خطوة تأتي ضمن جهود إعادة الدور العربي الى الملف السوري”، دون أي توضيحات أخرى لهذه العبارة المثيرة للاهتمام والتأمل معا.
لا نعتقد بأن هذه الخطوة التي اقدم عليها وزير خارجية البحرين بعد سبع سنوات، او اكثر، من تصويت الدول الخليجية على تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، وضغوط حكوماتها على دول عربية أخرى للسير في الطريق نفسه، جاء بمبادرة بحرينية صرفة معزولة، وانما بالون اختبار متعمد من قبل الشق السعودي في منظومة مجلس التعاون الخليجي، ولم يكن من قبيل الصدفة ان تحتفي قناة “العربية” التي كانت “رأس الحربة” في التحريض ضد السلطات السورية ودعم محاولات اسقاطها، والامر المؤكد ان الحكومة السعودية هي التي سربت هذا الشريط، واوعزت ببثه مصحوبا بالتعليق المذكور.
***
هناك عدة ملاحظات يمكن التوقف عندها، ونراها ضرورية لاي محاولة لتفسير، او قراءة هذه الخطوة، لا بد من اخذها في عين الاعتبار:
ـ أولا: ان البحرين لا يمكن ان تقدم على خطوة كهذه دون اخذ الضوء الأخضر من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، ولا نستغرب ان يكون صدر تكليف لوزير خارجيتها، باعتبارها الحليف الأقل تورطا في الازمة السورية، سياسيا وعسكريا وماليا، لفتح قناة حوار وتواصل مع دمشق.
ـ ثانيا: ان هذا العناق جاء بعد عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الست الى جانب وزيري خارجية مصر والأردن، اجتماعا مغلقا مع مايك بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، يوم امس الأول على هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك للتحضير للقاء على مستوى القمة بين قادة هذه الدول الثماني في كانون الأول (يناير) المقبل لإطلاق “الناتو العربي” الذي سيضم هذه الدول مجتمعة بزعامة دونالد ترامب.
ـ ثالثا: بات واضحا ان دول الخليج ادركت ان الازمة السورية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وان التحالف الأمريكي تلقى هزيمة كبرى، واصبح بقاء الرئيس الأسد ونظامه حتميا وخارجا عن أي نقاش، وباتت مسألة استعادة الجيش العربي السوري لمحافظة ادلب مسألة أيام، وربما أسابيع على الأكثر.
لعلها محاولة لاستقطاب النظام السوري، وابعاده عن محور المقاومة بزعامة ايران، خاصة في ظل التسريبات الإخبارية التي أفادت بأن المملكة العربية السعودية عرضت صفقة بأكثر من عشرة مليار دولار على الرئيس الأسد مقابل ابتعاده عن ايران، وكشف عنها السيد نواف الموسوي، النائب في البرلمان اللبناني، واحد المقربين جدا في السيد حسن نصر الله زعيم “حزب الله”.
المملكة العربية السعودية التي تقود حاليا نصف مجلس التعاون الخليجي، وتخوض حربا خاسرة في اليمن الى جانب الامارات، باتت تشكل عبئا ماليا واخلاقيا صعب الفكاك منه بالوسائل العسكرية، تدرك جيدا، ان سورية تتعافى، وبدأت تخرج من هذه الحرب اكثر قوة بفعل الدعمين الإيراني والروسي (الى جانب حزب الله)، وإقامة جسور حوار معها ربما يفيد في اكثر من ميدان، خاصة ميدان الوساطة مع ايران في المستقبل، سواء لتخفيض التوتر مع طهران، او إيجاد مخرج من مأزق اليمن.
واللافت ان القيادة السعودية غسلت يديها كليا من المعارضة السورية، وخفضت من حملاتها الإعلامية ضد الحكومة السورية، وجمدت، ان لم يكن انهت، صلاتها مع الهيئة العليا للمفاوضات السورية التي استضافت مقرها في الرياض، ولم يلتق أي مسؤول سعودي بقيادة الهيئة منذ ستة اشهر، ان لم يكن اكثر.
***
ربما يكون من غير المفيد الإغراق بالتفاؤل، وتوقع مصالحة وشيكة بالتالي، لان الولايات المتحدة باتت هي صاحبة القرار الأهم في معظم دول الخليج، والسعودية والامارات خصيصا، ومن الحكمة انتظار معرفة ما تطبخه إدارة ترامب للمنطقة تحت ما يسمى التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط (الناتو العربي) ضد ايران، وردود الفعل العربية والإقليمية المتوقعة على خطوة فرض الحظر على النفط الإيراني مطلع تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل.
القيادة السورية في دمشق تعيش افضل ايامها، فقد تمكنت من استعادة اكثر من ثمانين في المئة من الأراضي الى سيادة الدولة السورية، ورمت بلغم ادلب شديد الانفجار الى أحضان خصمها اردوغان بدهاء روسي، وها هي دول الخليج التي قادت تمويلها الفصائل المسلحة للإطاحة بها ونظامها، تحاول كسب ودها، وتعرض عليها العودة الى الجامعة العربية فترفض وتتدلل!
سبحان مغير الأحوال.. ومغير المواقف.. ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.. والله اعلم.
عبد الباري عطوان